
رغم مضي قرابة سبعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سورية، لا تزال عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم محاطة بشكوك ومخاوف كبيرة. ويشير تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، إلى أنّ البيئة الحالية في سورية لا تزال تفتقر إلى أدنى مقومات العودة الآمنة والطوعية، سواء على المستوى الأمني أو القانوني أو الخدمي، على الرغم من التغييرات السياسية التي طرأت.
التقرير الصادر اليوم الجمعة، يسلّط الضوء على التحديات التي ما زالت تعيق عودة أكثر من 6.8 ملايين لاجئ سوري، ويوثق أنّ ما لا يقل عن نصف مليون لاجئ و1.2 مليون نازح داخلي عادوا منذ سقوط النظام، إلّا أنّ معظم هذه العودة "اضطرارية ومحدودة النطاق"، ولا تعبّر عن حل شامل أو تحسن جذري. في السياق، تحدث "العربي الجديد" إلى عدد من اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان، الذين أبدوا رغبتهم بالعودة، لكنّهم عبّروا عن مخاوف ملموسة تتعلق بأوضاعهم القانونية والمعيشية والخدمية، ما يدفعهم إلى التريّث أو رفض العودة في الوقت الراهن.
ليلى السلور، لاجئة في غازي عنتاب جنوبي تركيا تتابع يومياً الأخبار القادمة من سورية، مترقبة لحظة العودة إلى حيّها القديم. لكنها تتوقف سريعاً عند أسئلة لا تجد لها إجابة: "هل ما زال بيتي قائماً؟ وهل يمكنني إثبات ملكيته؟"، كما تقول لـ"العربي الجديد". ليلى التي تعيش مع أطفالها في غازي عنتاب منذ سنوات، تخشى من المخاطر الأمنية في سورية، وعلى رأسها الألغام المنتشرة في المناطق السكنية، وتضيف: "أطفالي اعتادوا على الحياة هنا؛ الدراسة، واللغة، والأمان النسبي، لكن قلبي لا يزال هناك. لا يمكن أن نعود لنبدأ من الصفر دون ضمانات للحماية أو حتى الحد الأدنى من الحقوق"، وتختم بكلمات تعبّر عن الإحباط والخوف: "تعبنا من الغربة، لكنّنا لا نريد أن نُدفن تحت الأنقاض من جديد".
أحمد قناديل، وهو لاجئ في هاتاي يعيش منذ 14 عاماً في تركيا، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ فكرة العودة إلى سورية "تراوده يومياً"، لكنّه يصطدم بعقبة أساسية تتعلق بوضع ابنه، وهو طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويوضح: "ابني يحتاج إلى رعاية متخصّصة، من علاج فيزيائي إلى جلسات نطق وأجهزة متقدمة. كل ذلك متوفر هنا، لكن عندما زرت مدينتي جبلة (شمال غربي سورية) مؤخراً، لم أجد أي مركز يقدم هذه الخدمات"، كما يرى أحمد أن العودة ليست ممكنة قبل تحسن الخدمات الطبية في بلده، مضيفاً: "ربما بعد عام أو أكثر، إذا توفرت مراكز الرعاية اللازمة لطفلي، سأعود فوراً".
ترفض رقيّة البيوش، وهي لاجئة في البقاع شرقي لبنان اتهام اللاجئين بأنهم لا يريدون العودة، وتقول لـ"العربي الجديد": "نحن لسنا ضدّ العودة، بل نحلم بها، لكنّنا خائفون". تحكي عن ظروف لجوئها الصعبة في البقاع اللبناني، لكنّها ترى أن العودة إلى سورية من دون أوراق ثبوتية، أو ضمان وجود مأوى، أو القدرة على تسجيل أطفالها في المدارس، هي "مجازفة قاسية"، وتتابع: "بيتنا احترق خلال القصف، ولا أعرف إن كنت قادرة على تأمين دواء لابنتي المصابة بالسرطان. كل ما نسمعه وعود. نريد العودة، لكن بكرامة وأمان، لا كلاجئين في وطننا".
ويرى حسن البوشي أن العودة اليوم قد تكلّف أبناءه مستقبلهم العلمي. يعيش حسن في مرسين جنوبي تركيا منذ 9 سنوات، وابنه في الصف الحادي عشر وابنته في التاسع، وكلاهما يدرسان المنهج باللغة التركية، "لو عدنا الآن، لن يتمكنوا من التكيّف مع المنهاج السوري فجأة، وهذا سيكون ضربة قاسية لتحصيلهم العلمي"، يقول حسن لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنه يفضّل الانتظار حتى دخولهم الجامعة، ويؤكد أن هذا الواقع ينسحب على آلاف العائلات السورية: فـ"اللغة، والمناهج المختلفة، وعدم وجود بدائل تعليمية مناسبة في سورية حالياً، كلّها أسباب تدفعنا للتريث في العودة".
زار عمار الحلبي، وهو لاجئ سوري مقيم في ألمانيا، بلدته الواقعة في ريف إدلب الجنوبي مؤخراً، بعد سماعه من أقارب له أنّ الأوضاع بدأت بالتحسن، وأنّ بعض السكان شرعوا في العودة، إلّا أنّ الزيارة حملت له خيبة أمل كبيرة، كما يقول لـ"العربي الجديد". ويضيف الحلبي: "قيل لي إن الوضع بات جيداً، وإن الناس بدأت بالرجوع إلى البلدة، لكنّني صُدمت بما رأيته على الأرض. الوضع المعيشي سيّئ للغاية. أُصبت بمرض معوي وتسمّم خلال الزيارة، ولم أجد حتى مستوصفاً للعلاج. بعد الساعة التاسعة مساءً لا توجد إنارة في الشوارع، والركام لا يزال يسدّ معظم الطرقات، خصوصاً في مدن معرّة النعمان، وحاس، وكفرنبل"، ويوضح: "لا يوجد ماء أو خبز، وكل شيء يُشترى بصعوبة. بصراحة، العودة في ظل هذه الظروف تكاد تكون مستحيلة. لا شيء يشجع على الاستقرار مجدداً".
ويقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن عودة اللاجئين السوريين لا يمكن اختزالها بشعارات أو بيانات سياسية، بل تتطلب شروطاً واضحة وإشراكاً حقيقياً لهم في القرار السياسي والمجتمعي، ويضيف عبد الغني: "يُبرز تقرير الشبكة الصادر اليوم الجمعة الطبيعة المعقدة لمسألة العودة، التي لا ترتبط بزوال السلطوية فحسب، وإنما أيضاً بعوائق بنيوية وإجرائية تشمل تحديات في الأمن، وحيازة الملكية، وتكاليف التوثيق، وتدهور البنية التحتية، وانتشار الألغام"، ويشدّد على أن "العودة لا ينبغي أن تُختزل في بُعد عاطفي أو فني، بل هي عملية وطنية تتطلب عدالة انتقالية حقيقية، ورفضاً للمعالجات السطحية"، مبيّناً أن "اللاجئين يجب أن يكونوا شركاء في بناء مستقبل سورية، لا متلقّين هامشيّين".

Related News
