
في خطوة تعكس تصاعد القلق الحقوقي إزاء أوضاع المحتجزين في أماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية المصرية، أصدر النائب العام المستشار محمد شوقي عياد، قراراً بفتح تحقيق عاجل في بلاغ تقدمت به المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، للمطالبة بالتقصي الشامل في ملابسات وفاة 7 محتجزين داخل قسم شرطة العمرانية بمحافظة الجيزة، خلال فترة زمنية لا تتجاوز اثني عشر شهراً، في ظروف وُصفت بأنها تعكس مؤشرات مقلقة على الإهمال الجسيم، وربما الانتهاك المنهجي لحقوق المحتجزين.
أُحيل البلاغ الذي حمل رقم 42850 لسنة 2025 عرائض النائب العام على نيابة العمرانية المختصة، مع تكليفها اتخاذ ما يلزم قانوناً من إجراءات تحقيقية لكشف حقيقة ما جرى، وتحديد ما إذا كان هناك تقصير أو مسؤولية جنائية تبرر إحالة مرتكبيه على المحاكمة. ويتضمن البلاغ دعوة صريحة إلى إيقاف ضباط القسم عن العمل مؤقتاً لحين انتهاء التحقيقات، حرصاً على ضمان النزاهة والشفافية في الإجراءات، ومنعاً لأي تأثير محتمل على الشهادات أو مسار العدالة.
البلاغ الحقوقي يُشير إلى أن الوفيات السبع توزعت على ثلاث قضايا جنائية مختلفة، وقعت جميعها خلال الفترة ما بين مارس/آذار 2024 ومايو/أيار 2025. ورغم اختلاف ملابسات القضايا، فإن القاسم المشترك بين هذه الحالات جميعاً، وقوعها في أثناء الاحتجاز داخل قسم الشرطة، في ظل ما تصفه المبادرة المصرية بـ"غياب تام للرعاية الصحية اللازمة، وغياب الرقابة القضائية الفعلية على أماكن الاحتجاز"، وهو ما أدى، بحسب البلاغ، إلى نتائج مأساوية، وانتهاكات يُحتمل أن تكون ممنهجة.
أعمار المتوفين راوحت بين أوائل العشرينيات ومنتصف الأربعينيات، بعضهم كان يُعاني من أمراض مزمنة أو خطيرة، مثل السرطان والتصلب المتعدد، ما يستدعي، وفقاً للمعايير القانونية والطبية، توفير رعاية صحية متخصصة، لا يمكن توفيرها داخل مقار احتجاز غير مجهزة مثل أقسام الشرطة.
خمسة من هؤلاء المتوفين، وفقاً للبلاغ، كانوا من المحكوم عليهم في قضية واحدة تعود إلى يناير/كانون الثاني 2023، وقد صدرت بحقهم أحكام نهائية وباتة بالحبس لمدة ثلاث سنوات، ما يُحتم قانوناً نقلهم إلى مراكز إصلاح وتأهيل عمومية، نظراً لعدم انطباق الاستثناءات الواردة في المادة الثالثة من قانون تنظيم السجون، التي تجيز الإبقاء على المحكوم عليه داخل قسم الشرطة فقط إذا لم تكن المدة المتبقية من العقوبة تزيد على ثلاثة أشهر، ولم يكن قد أُودع سابقاً في مركز إصلاح وتأهيل. لكن، على الرغم من أن المتبقي من الحكم في جميع هذه الحالات تجاوز عاماً كاملاً، ظل المحتجزون داخل قسم الشرطة دون نقلهم إلى جهة الاحتجاز القانونية، ما يُشكل بحسب المبادرة "احتجازاً غير قانوني صريح".
يبلغ أحد المتوفين 25 سنة، قضى نحبه بعد 17 شهراً من الاحتجاز إثر إصابته بالتهاب رئوي تطورت حالته فيه دون تدخل علاجي حاسم في الوقت المناسب، ما استدعى نقله إلى المستشفى متأخراً، حيث لفظ أنفاسه. توفي محتجز آخر، عمره 36 سنة، نتيجة نزف داخلي لم يُنقل على إثره مباشرة إلى المستشفى، وحالة ثالثة، لشاب يبلغ نحو 23 سنة، تُوفي بعد 19 شهراً من الاحتجاز، ولا تزال ملابسات الوفاة مجهولة حتى الآن، في ظل غياب أي تقارير طبية معلنة أو شفافية من الجهات الرسمية. توفي متهمان آخران في القضية نفسها، بلغا عند القبض عليهما 22 و44 سنة على التوالي، بعد احتجاز تجاوز عاماً كاملاً دون نقلهما إلى مركز إصلاح وتأهيل رغم صدور الحكم النهائي، ما اعتبرته المبادرة إهمالاً جسيماً وإخلالاً بالقانون.
وتوفي محتجز سادس، يبلغ من العمر (44 سنة) بعد أقل من شهر على احتجازه داخل قسم شرطة العمرانية، رغم صدور حكم أولي ضده بالحبس لعام واحد، وانتهت الدعوى لاحقاً أمام محكمة الاستئناف بعد وفاته. وحتى الآن، لم تُعلن أسباب الوفاة، ولم تُصدر الداخلية أو النيابة بياناً توضيحياً يشرح الملابسات.
تخص الحالة السابعة محتجزاً يبلغ من العمر 42 سنة، كان مصاباً بمرض السرطان والتصلب المتعدد، وهو مرض مناعي شديد التأثير في الأعصاب والحركة. ووفقاً للبلاغ، فقد توفي المحتجز بعد أسابيع قليلة من القبض عليه في أثناء حبسه احتياطياً، لعدم توافر أدنى معايير الرعاية الطبية اللازمة لحالته.
دعت المبادرة المصرية إلى الوقف الفوري عن العمل لجميع ضباط القسم ومأموره الذين كانوا مسؤولين عن عهدة المحتجزين، وإحالتهم على التحقيق، تمهيداً لمساءلة من تثبت مسؤوليته. كذلك طالبت باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية من تبقى من المحتجزين داخل القسم، وتوفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية والرقابة القضائية الحقيقية عليهم، إلى حين مراجعة كاملة لأوضاع الاحتجاز فيه.

Related News
