
ثمّة توافق واسع على أن يوم 20 يونيو/حزيران، وهو موعد إغلاق المدارس في تركيا، سيكون بداية لموجات من عودة السوريين، وأنه ستتضاعف أعداد العائدين خلال النصف الثاني من العام الحالي.
يربط كثير من السوريين في تركيا عودتهم إلى بلادهم بانتهاء العام الدراسي، والحصول على وثائق رسمية كي يتمكّن أطفالهم من استكمال تعليمهم في سورية، رغم ما قد يواجههم من صعوبات في الاندماج بعد التعلّم باللغة التركية لسنوات.
وتتضح مؤشرات العودة من خلال تصريحات عشرات السوريين، وعرض بعضهم ممتلكاتهم في تركيا للبيع، ويتوقع أن تتجاوز أعداد العائدين أضعاف من عادوا بالفعل خلال الأشهر الستة الماضية، والبالغ عددهم نحو 273 ألف سوري، حسب تصريحات حديثة لنائب الرئيس التركي جودت يلماز.
من غازي عنتاب، يقول السوري محمد الحسين إنه قرّر العودة إلى سورية فور انتهاء العام الدراسي، وتقدمت زوجته، وهي معلمة، بطلب العودة إلى عملها السابق، وكشف لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمتلك بيتاً في سورية، لكنه ادّخر مبلغاً سيمكنه من استئجار منزل، وتسجيل ولديه بالمدارس السورية، خاصّة أنهما صغار ويمكنهما الاندماج.
ومن ولاية هاتاي، يفيد أنور العساف أنه نسق مع إخوته في سورية، وقاموا بإصلاح منزله، وأنه ينتظر انتهاء العام الدراسي والحصول على وثائق تعليم أولاده كي يغادر، مبيناً أن "غلاء المعيشة وارتفاع إيجار المنزل في تركيا سبب إضافي لقرار العودة، كنّا في الماضي نتمكن من توفير بعض المال، ومنذ عامين بالكاد يكفي الدخل إنفاقنا الشهري".
وتؤكد عائشة محمود، المقيمة في ولاية مرسين، أنها ستعود في نهاية الشهر الحالي إلى سورية، بعد أن أمضت 12 سنة في تركيا، لأن خطر الحرب قد زال، ولا يوجد مبرّر للغربة، مشيرة إلى صعوبة تعلم ابنها وابنتها باللغة العربية بعد وصولهما إلى المرحلة الثانوية، لكنّها علمت أنه سيكون هناك حلول، وقد تفتح مدارس تركية خلال العام المقبل.
بدورها، تؤكد غصون برغوت، المقيمة بإسطنبول، أنها باعت مفروشات المنزل، وستسلمه خلال الشهر الحالي، لتعود إلى منزلها في سورية، الذي نالته حصة من الخراب، لكن يمكن السكن فيه بعد ترميمه، كما أن ابنها في مرحلة الدراسة الأولى، ويمكنه التعلّم باللغة العربية.
في المقابل، يفضل سوريون البقاء في تركيا، من بين هؤلاء عمار الطحان، المقيم في نيزب، ويقول: "إضافة إلى الاستقرار، واندماج ولدي، فإنّني أنتظر الحصول على الجنسية التركية، وقد وصلت إلى المرحلة الرابعة، وهناك توقعات بأن يتحرّك ملف الجنسية قريباً".
ويؤكد كثيرون أنهم قد يقسمون أسرهم، فالقسم الأول المرتبط بعمل أو دراسة سيبقى في تركيا، في حين يعود القسم الآخر إلى سورية، ويتولى تجهيز المسكن، وتأمين العمل في انتظار لم شمل أسرته. من مرسين، يقول الطالب بكلية الاقتصاد، عبد القادر محمود لـ"العربي الجديد": "وصلت إلى السنة الرابعة، ولن أجازف بدراستي. أهلي عادوا إلى سورية الشهر الماضي، بينما سأبقى ريثما أنهي الجامعة".
الحال ذاته ينطبق على الطبيب أسامة سرميني، إذ قرّر العودة مع زوجته وابنه الأصغر، في حين ستبقى ابنته طالبة طب الأسنان وابنه طالب الهندسة في تركيا، وحينما ينهيان دراستهما يلتحقان بالعائلة، أو قد يواصلان البقاء للعمل في تركيا نظراً لإجادتهما اللغة.
ولم يكن حصول سوريين على الجنسية التركية سبباً يدفعهم لعدم العودة إلى سورية. من غازي عنتاب، تقول إسراء عبد العال، الحاصلة على الجنسية التركية، إنها حسمت أمرها بالعودة إلى سورية، والعمل في قطاع التدريس كما كانت تفعل قبل الثورة، على أن تزور تركيا كلّما سنحت الفرصة، بعد أن صار لها فيها ذكريات.
أما عدنان حسن، المقيم بالقسم الآسيوي من مدينة إسطنبول، فيقول إنه لا يزال متردداً، ولم يحسم قرار العودة كونه حصل على الجنسية التركية، ووصل أولاده إلى مراحل الثانوي والجامعة، وهو يرجح البقاء في تركيا، خاصة أن عمله مستقر.
من إسطنبول أيضاً، تقول ميراي عبود إنها لم تحسم أمرها بالعودة إلى سورية، فالوضع لم يزل ضبابياً، سواء لجهة الخدمات أو تأمين عمل، في حين أنها مستقرة مع أسرتها في تركيا، وإنها تنتظر ما سيحصل في المستقبل كي لا تندم على التسرع بالعودة.
وحسب بيانات إدارة الهجرة التركية حتى مطلع عام 2025، استضافت تركيا نحو 3.2 ملايين سوري، وهي الأكبر بين الدول المضيفة للاجئين السوريين حول العالم، لكن الأعداد تناقصت خلال الأشهر الماضية، إذ كشفت المعابر السورية عن استقبال أكثر من 425 ألف عائد من دول الجوار، من بينهم أكثر من 250 ألفاً من تركيا.
ويفوق هذا الرقم ما أعلنه وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا، خلال الشهر الماضي، إذ كشف أن 175,512 سورياً عادوا إلى بلادهم طوعياً، ما يعادل 33,730 عائلة، مضيفاً أن السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم يمكنهم أن ينقلوا معهم جميع ممتلكاتهم ومركباتهم، مع توفير تسهيلات إضافية، منها حجز موعد العودة عبر الموقع الإلكتروني لرئاسة الهجرة، والسماح بزيارة أحد أفراد الأسرة سورية والعودة ثلاث مرات قبل العودة النهائية، كي يسهّل ترتيب عودة أسرته.
ويتوزع السوريون في مختلف الولايات التركية، لكن النسبة الكبرى تتركز في مدينة إسطنبول، وتليها غازي عنتاب، ثمّ شانلي أورفا، وهاتاي، ويعيش معظمهم خارج المخيّمات، إذ تقلص عدد سكان المخيمات إلى ما دون 50 ألفاً.
وبالنسبة لأعداد الطلاب السوريين في تركيا، فقد بلغ العدد خلال عام 2024 الماضي 819 ألفاً و265 طالباً موزعين على 103 آلاف طالب في المرحلة الثانوية، و273 ألفاً في المرحلة الإعدادية، و398 ألفاً في المرحلة الابتدائية، ونحو 44 ألفاً في رياض الأطفال، كما يتلقى أكثر من 60 ألف سوري تعليمهم بالجامعات التركية، وتخرج حتى العام الماضي أكثر من 17 ألف سوري من جامعات تركيا.
وتكشف البيانات الرسمية أن 238 ألف سوري من الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة، حصلوا على الجنسية التركية استثنائياً، ومن بين هؤلاء المجنّسين 134 ألفاً و422 بالغاً، و100 ألف و633 طفلاً.
ويؤكد سوريون أن العنصرية والإساءة إلى السوريين، التي تزايدت خلال الأعوام الأخيرة بالتزامن مع الاستحقاقات الانتخابية، تراجعت بوضوح منذ سقوط نظام الأسد، ويشير الشاب حسن فاضل أن تعامل أقرانه الأتراك معه تبدل، ولم يعودوا ينظرون إليه باعتباره "يابانغي"، وهي لفظة تركية تعني لاجئ.
الأمر نفسه يؤكّده عمر عرموش، العامل بمنشأة منظفات في ولاية غازي عنتاب، ويقول: "رفع ربّ العمل أجري، وبات يتمسك بي، خاصة بعد عودة كثير من السوريين. التعامل اختلف تماماً، كما اختفت تقريباً الحملات الأمنية التي كانت تفتش على الإقامات، أو تطابق البيانات، وتوقفت حملات زيارات المنازل لمطابقة عقد السكن مع أسماء الساكنين".
ويظل الغلاء سبباً لقرار عودة كثير من السوريين، فالحد الأدنى للأجور البالغ نحو 22 ألف ليرة، بالكاد يسد أجرة المنزل والمعيشة بالحد الأدنى في الولايات البعيدة، في حين لا يقل أجر المنزل بمدينة إسطنبول عن 20 ألف ليرة تركية (يساوي الدولار الأميركي 39 ليرة تركية).
ويتوقع رئيس تجمع المحامين السوريين بتركيا، غزوان قرنفل، أن يصل عدد العائدين بعد إغلاق المدارس إلى نحو مليون ونصف المليون سوري، عازياً الأسباب إلى انتظار الحصول على الوثائق الدراسية، وارتفاع تكاليف المعيشة في تركيا، فضلاً عن تحرير سورية، وبالتالي انتفاء سبب اللجوء.
ويرصد قرنفل مؤشرات استمرار العودة، ومن بينها تراجع الزحام في الشوارع والمحال، وتقلص إيجارات المنازل، وهو لا يستبعد صدور قرارات تركية بإنهاء العمل ببطاقات الحماية المؤقتة لانتفاء مبرّر استمرارها، ومطالبة من يريد البقاء بالحصول على إقامة سياحية تجدّد سنوياً.
بدورها، تتوقع عضو اللجنة السورية التركية المشتركة، ايناس زيادة، عودة أعداد كبيرة من السوريين خلال العام الحالي، وربما يبقى نحو مليون سوري فقط في تركيا، غالبيتهم من حملة الجنسية أو أصحاب الأعمال، مشيرة إلى أن امتلاك منزل في سورية من أهم أسباب العودة، بينما من ليس لديه بيت أو عمل قد يبقى لفترة، خاصّة أن تركيا لا تلزم أي سوري بالعودة.
من جانبه، يقول المدير السابق لمخيّم نزيب للاجئين السوريين، جلال ديمير، لـ"العربي الجديد": "الأرجح أن يعود أكثر من مليون سوري، وهؤلاء تأخرت عودتهم بسبب المدارس، فسورية باتت حرة وواعدة حتى لغير السوريين، وكثيرون ينظرون إلى العودة السريعة باعتبارها سبيلاً لحجز مكان عمل، وقبل أن ترتفع إيجارات المنازل، وفي الوقت ذاته نلحظ اختفاء مظاهر الكراهية والعنف ضد السوريين، حتى في الولايات التي تترأس بلدياتها أحزاب المعارضة التي قادت حملات عنصرية سابقة".

Related News


