هل ينزلق الشرق الأوسط إلى حرب شاملة؟
Arab
4 hours ago
share

لا شيء ينبئ بأن الحرب الإيرانية الإسرائيلية ستضع أوزارها قريباً، في ظلّ إدراك الطرفَين أن تداعياتها ستغيّر معادلة القوة والنفوذ في الإقليم. وإذا كانت دولة الاحتلال قد أبانت تفوّقها الاستخباري والتكنولوجي، فإن إيران نجحت (نسبياً) في إرباك قدرتها على تحمّل التكاليف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولعلّ هذا ما يفسّر التعتيم الإعلامي الشديد في إسرائيل على المواقع التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية. على أن استمرارية هذا النجاح الإيراني باتت مشروطةً بعدم انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب، وهو احتمالٌ بات ضعيفاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع الأسبوع الحالي.
يمثّلُ البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً لدولة الاحتلال. ويحظى تفكيكه بإجماع النُّخب الإسرائيلية بمختلف مكوّناتها. وعلى الرغم من التنازلات التي قدّمتها إيران، لا سيّما الاتفاق النووي المبرم في 2015، إلا أن دولة الاحتلال ما فتئت تعتبر ذلك تكتيكاً، تتوخّى إيران من خلاله التسويف وربح الوقت في انتظار اللحظة الموعودة التي تصبح فيها قوةً نوويةً مُهابَةً في الإقليم. في ضوء ذلك، أحدث ميزانُ القوى الجديد، الذي تشكّل في الإقليم عقب اغتيال الأمين العام الأسبق لحزب الله، حسن نصر الله، والانتكاسة التي تعرّض لها الحزب في الغضون، وسقوط نظام بشّار الأسد، الذي كان حليفاً استراتيجياً لإيران، وتفكّك ما كان يعرف بمحور المقاومة، أحدث ذلك كلّه بيئةً إقليميةً جديدةً سمحت لإسرائيل بإعادة تقييم التهديد الذي يمثّله النووي الإيراني بالنسبة إليها.
نجحت إيران في استيعاب تداعيات ما سمتها دولة الاحتلال ''الضربة الاستباقية''، فقد كان مؤلماً بالنسبة إليها فقدان نخبة من قياداتها العسكرية والأمنية وعلمائها وخبرائها النوويين، وضربُ عدة منشآت نووية وعسكرية ومواقع إطلاق الصواريخ، لكنّها، في الوقت نفسه، نجحت في نقل المعركة، أو على الأقلّ جزء منها، إلى العمق الإسرائيلي، وهو ما يعدُّ اختباراً عسيراً لعقيدة الجيش الإسرائيلي، الذي خاض معظم حروبه، مع محيطه العربي، بعيداً من عمقه الاجتماعي، الذي ينبغي أن يبقى مؤمَّناً، بما يتّسق مع السردية الصهيونية التي وعدت اليهود بدولة ومجتمع آمنَيْن يعيشون فيها. كانت لافتة مشاهد الدمار والرعب التي عاشتها مدن وبلدات إسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، نتيجة الهجوم الذي شنّته إيران بالصواريخ والمسيّرات، نجح عددٌ غير يسير منها في اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي وضرب أهدافها.
إيران طبّقت بالحرف استراتيجية ''أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم"، بمعنى أنها أدركت أن انتكاسة معظم حلفائها في الإقليم تعدُّ فرصةً تاريخيةً لن تتكرّر بالنسبة لدولة الاحتلال، ليس لضرب مشروعها النووي فقط، بل أيضاً لضرب جبهتها الداخلية، بشكلٍ يفسح المجال أمام انتفاضة شعبية في وجه نظام الملالي، يؤججُها وضعٌ اقتصاديٌّ ومعيشيٌّ متدهور ناجمٌ عن العقوبات الاقتصادية الغربية، وارتفاع تكاليف السياسات الإيرانية في الإقليم. أدركت إيران ذلك، وبات الهجوم على العمق الإسرائيلي الورقة الوحيدة التي تتجنّب من خلالها، أولاً حدوثَ شرخ داخلي قد لا تتحمّل تداعياته في هذه الظرفية الدقيقة، وثانياً إعادةَ موضعة موقعها في مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة، بعد أن تكون دولة الاحتلال قد أخفقت في استخلاص العوائد السياسية من هجومها عليها.
يتوقف مآل المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل على مدى قدرة الطرفَين على الاستمرار في تحمّل التكاليف الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الحرب، مع الأخذ بالاعتبار أن دولة الاحتلال تتمتّع بدعم أميركي وغربي كامل على صعيد ضرورة وأد التطلّعات النووية الإيرانية، بما يحافظ على تفوّقها العسكري (الاستراتيجي) في الإقليم. ليس في مصلحة دولة الاحتلال وقف الحرب، لأن ذلك سيكون (وفق المنظور الإسرائيلي) انتكاسةً استراتيجيةً، وسيمنح إيران هامشاً آخرَ لربح مزيد من الوقت، وتحسين موقعها التفاوضي في مواجهة الولايات المتحدة.
بيد أن هذه الصورة قد تتغيّر كلّياً إذا ما قرّرت الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها لإيران. ذلك أن انضمامها إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية على إيران قد يؤدّي إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة في امتداد رقعة الشرق الأوسط.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows