
حصد معرض باريس الجوي 2025 صفقات بمليارات الدولارات في يومه الأول، وتلقت شركة إيرباص طلبيات لشراء طائرات بمليارات الدولارات من السعودية وبولندا واليابان ومصر في يوم افتتاح المعرض الذي خيم عليه نزاع دبلوماسي منفصل حول قرار فرنسا إغلاق أجنحة الشركات الإسرائيلية الرئيسية الأربع المشاركة في المعرض بسبب رفضها إزالة أسلحة هجومية من العرض في خطوة نددت بها إسرائيل وتسلط الضوء على التوتر بين الحليفين التقليديين. وتقترب شركة الطيران اليابانية (إيه.إن.إيه) من إتمام طلب شراء طائرات إيرباص أُعلن عنه سابقا، وذكرت مصادر في القطاع أن شركة مصر للطيران تقترب أيضا من طلب ست طائرات إيرباص إيه350 إس إضافية. وذكرت مصادر مطلعة أن شركة الطيران البولندية "لوت" تستعد هي الأخرى للإعلان عن طلبية لشراء 40 طائرة من طراز A220، مع خيارات لشراء 44 طائرة إضافية، في إطار تعزيز العلاقات مع فرنسا.
وتتوقع الوفود المشاركة أن تشهد نسخة هذا العام من أكبر معرض تجاري للطيران في العالم أعمالا أقل من المعتاد، ويرجع ذلك جزئيا إلى الحادث المميت الذي تعرضت له طائرة بوينغ 787 تابعة لشركة طيران الهند الأسبوع الماضي، وأيضا لأن شركة بوينج أبرمت صفقات ضخمة خلال جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط. لكن يبدو أن شركة إيرباص مستعدة لإتمام سلسلة من المبيعات على أرضها، كما أن الاهتمام بالجانب الدفاعي من المعرض مرتفع مع قيام أوروبا بتكثيف الإنفاق العسكري وتصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران.
وأعلنت شركة "أفيليس" السعودية لتأجير الطائرات، اليوم الاثنين، عن تقديم طلبية مؤكدة لشراء 30 طائرة ركاب ضيقة البدن من طراز "إيرباص A321"، بالإضافة إلى عشر طائرات شحن من طراز "A350"، مع 12 خيارًا إضافيًا، وذلك في أول صفقة مباشرة تجمعها بشركة صناعة الطائرات الأوروبية "إيرباص". وجرى توقيع الاتفاقية خلال معرض باريس. وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أفيليس" تيد أوبيرن، خلال مؤتمر صحافي في المعرض، إن الصفقة تشمل خيارات شراء إضافية قد ترفع العدد الإجمالي للطائرات إلى 77 طائرة. ووفقا لتقديرات محللين في شركة سيريوم أسيند للاستشارات، تبلغ قيمة هذه الصفقة 3.5 مليار دولار تقريبا.
وتنفق السعودية بسخاء لتصبح مركزا إقليميا جديدا للطيران، ولكي تلحق بقطر ودبي دشنت شركة طيران جديدة، هي طيران الرياض، وأعلنت عن مطار ضخم يضم ستة مدارج. وكانت وكالة "رويترز" قد أفادت سابقًا بأن الشركة السعودية، التي تأسست قبل ثلاثة أعوام، تقترب من إبرام هذه الصفقة مع "إيرباص". وفي السياق نفسه، وقّعت شركة "طيران الرياض" – الشركة الأحدث في المملكة والمملوكة لصندوق الاستثمارات العامة – طلبية لشراء 25 طائرة من طراز A350-1000 خلال افتتاح فعاليات المعرض. وبهذا، نجحت "إيرباص" في افتتاح صفقاتها في معرض باريس للطيران بعقد مع "أفيليس" لشراء ما يصل إلى 77 طائرة، في خطوة تعكس توسع المملكة في قطاع الطيران وتعزيز استثماراتها فيه.
وتسهم صفقات المعرض الجوي في إحداث توازن جزئي بين الموردين، بعدما أنفقت شركات الطيران الخليجية مبالغ طائلة على طائرات "بوينغ" خلال زيارة دونالد ترامب الأخيرة إلى المنطقة. ويشهد قطاع الطيران السعودي نموًا ملحوظًا ضمن خطة "رؤية 2030" التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقوية دور القطاع الخاص. ويأتي طلب طائرات الشحن في ظل التوترات التجارية العالمية واقتراب بعض الطائرات الحالية من الاستبدال. وبحسب "رويترز"، قال أوبيرن: "هناك إمكانات نمو كبيرة في السوق السعودية، وتدعم استراتيجية الطيران السعودية زيادة البنية التحتية للشحن والخدمات اللوجستية في المملكة بأكثر من الضعف". حضر المعرض وفد سعودي كبير برئاسة وزير النقل.
وتملك "أفيليس" وتدير حاليًا 200 طائرة، وتسعى لأن تصبح واحدة من أكبر شركات تأجير الطائرات عالميًا. وسبق أن وافقت في 2023 على شراء ذراع تأجير الطائرات التابعة لبنك ستاندرد تشارترد مقابل 3.6 مليارات دولار. كما تخطط الشركة لرفع ميزانيتها من نحو 8 مليارات دولار إلى حوالي 20 مليار دولار بحلول 2030، عبر الاستحواذات وشراء الطائرات من الشركات المصنعة أو السوق.
كارثة "إير إنديا" تفتح المجال أمام "إيرباص"
يتوقع أن تهيمن الشركات الأوروبية هذا العام على معرض باريس للطيران، خاصة بعد انسحاب كبار التنفيذيين في "بوينغ" عقب حادث تحطم طائرة "إير إنديا" الذي أودى بحياة 241 شخصًا، باستثناء راكب واحد. ونتيجة لذلك، أمرت السلطات الهندية بفحص شامل لأسطول "بوينغ 787"، ولا تزال التحقيقات جارية.
وكان من المتوقع أن تحظى "إيرباص" بحضور قوي في المعرض، لا سيما بعد أن حازت "بوينغ" على عدد من الصفقات خلال جولة ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط، ما أبقى "إيرباص" في الظل حينها. وفي مقابلة مع "بلومبيرغ"، قال الرئيس التنفيذي لـ"إيرباص" غيوم فوري: "علينا أن نكون أفضل، وهذا ما نسعى لتحقيقه من خلال منتجاتنا، لضمان بيع طائرات إيرباص استنادًا إلى مزاياها".
في سياق متصل، ألغى كيلي أورتبيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، وزميلته ستيفاني بوب، رئيسة قطاع الطائرات التجارية، زيارتهما إلى باريس وقصرت مشاركة الشركة، مع تركيزها على دعم التحقيق في الحادث المأساوي.
إغلاق أجنحة شركات الدفاع الإسرائيلية
وفي يوم افتتاح معرض باريس الجوي، أعلنت السلطات الفرنسية إغلاق أجنحة أربع شركات دفاعية إسرائيلية كبرى، في ضربة قوية لصناعة السلاح الإسرائيلية التي تعتمد على المعارض الدولية لاقتناص العقود والتوسع في الأسواق الأوروبية. ويمثل معرض باريس منصة حيوية لمئات الوفود العسكرية والمشترين من أكثر من 80 دولة، بإنفاق عسكري مجمع يصل إلى مليارات الدولارات. وتشير بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية لعام 2024 إلى أن صادرات الصناعات الدفاعية الإسرائيلية تبلغ نحو 13 مليار دولار سنويًا، وتشكل السوق الأوروبية حوالي 25%.
وأوضح مسؤول في وزارة الأمن الإسرائيلية لوكالة "رويترز" أن التوجيهات صدرت عن جهة أمنية فرنسية عليا، ما استدعى تدخل السلطات وإغلاق الأجنحة التي شملت شركات صناعات الفضاء الإسرائيلية ورافائيل وإلبيت، وهي من أكبر مزودي السلاح في المنطقة. وأثار القرار مخاوف بشأن تأثيره على استثمارات هذه الشركات وتقييمها في الأسواق العالمية، لا سيما مع تصاعد المنافسة من شركات تركية وكورية وصينية. وتشمل التداعيات أيضًا فقدان فرص التعاون مع شركات تصنيع أوروبية وأميركية حاضرة في المعرض، حيث تبدأ كثير من الشراكات بمحادثات على هامش هذه الفعاليات قبل أن تتحول إلى مشاريع تطوير أو نقل تكنولوجيا.
ووصفت سارة هاكابي ساندرز، حاكمة ولاية أركنساس الأميركية، قرار الحكومة الفرنسية بأنه "غريب للغاية". وأكد منظمو المعرض أنهم يجرون محادثات "للتوصل إلى حل مناسب"، بينما لم يرد مكتب رئيس الوزراء الفرنسي على طلب تعليق. وأشار مسؤولون فرنسيون إلى أن الشركات الإسرائيلية كانت على علم بالقواعد، وأن الأجنحة تمكن إعادة فتحها إذا جرى الامتثال للشروط.
من الناحية التجارية، لا تقتصر آثار غياب الشركات الإسرائيلية على انخفاض المبيعات فقط، بل تمتد لتشمل فقدان فرص التعاون مع شركات تصنيع أوروبية وأميركية موجودة في المعرض. حيث غالبًا ما تنطلق الشراكات الكبرى من محادثات أولية تجرى على هامش هذه الفعاليات، والتي قد تتطور لاحقًا إلى مشاريع تطوير مشتركة أو اتفاقيات لنقل التكنولوجيا والتصنيع. لذلك، فإن استبعاد هذه الشركات من الحدث يشكل توقفًا مؤقتًا لمسار العلاقات التجارية والاستراتيجية التي كان من الممكن أن تتبلور خلال أيام المعرض.
