
آثار اقتصادية متعدّدة تنتظر الأردن، وبعضها بدأت تظهر على أرض الواقع بسبب الضربات العسكرية المتبادلة بين الكيان الإسرائيلي وإيران منذ أيام؛ نظراً لموقعه المتوسّط في المنطقة، وارتباط تجارته الخارجية على وجه الخصوص بما يحدث من تداعيات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وليس ببعيد الانعكاسات السلبية التي لحقت به نتيجة للعدوان على قطاع غزة. ويبدو ملف الطاقة الأكثر تأثر مباشرة بالحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، خاصةً بعد وقف ضخ الاحتلال للغاز لكل من مصر والأردن منذ يوم الجمعة الماضي، إذ يحصل الجانب الأردني على احتياجاته من الغاز الطبيعي من إسرائيل بموجب اتفاق وُقّع بينهما سابقاً وبدأ تطبيقه لمدة 15 عاماً.
وقف إمدادات الغاز
ويرى مختصون أن الاقتصاد الأردني يواجه تحديات جديدة خلال الفترة المقبلة في حال طال أمد وقف إمدادات الغاز، الذي يعتمد عليه لتوليد الكهرباء بكلف أقل من استخدام الوقود الثقيل، ما يؤدي إلى ارتفاع الكلف وتحميل شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة مزيداً من الخسائر، مع صعوبة خيارات رفع تعرفة الكهرباء حالياً أو في المنظور القريب.
وفي جوانب أخرى، لن تكون قطاعات التجارة والسياحة والخدمات وغيرها في منأى عن التداعيات السلبية للحرب الدائرة بين الجانبَين، خاصّة مع توقع تطور الأوضاع خلال الأيام المقبلة، واحتمال عودة أجور الشحن البحري للارتفاع بنسبة كبيرة. وبدا التأثر واضحاً على الحياة العامة في الأردن منذ اليوم الأول لتبادل الهجمات مع توقف العديد من الأنشطة التجارية المحلية والسياحة الداخلية، وإلغاء إقامة مناسبات اجتماعية، خاصّة مع دعوة الحكومة المواطنين إلى عدم الخروج من المنازل والتجمهر في الأماكن العامة تفادياً لسقوط أي أجسام طائرة مثل الصواريخ والمُسيّرات ومقذوفات المضادات الأرضية.
يقول عضو غرفة تجارة عمّان علاء ديرانية، لـ"العربي الجديد" إن الأردن من أكثر البلدان تأثراً بالحرب بين الكيان الإسرائيلي وإيران، إذ ستلحق آثار سلبية مباشرة بمختلف القطاعات الاقتصادية، ويضيف أن السياحة في مقدمة القطاعات المتأثرة، وهنا نتحدث عن تراجع السياحة الداخلية والخارجية وعزوف السياح عن زيارة الأردن لارتفاع عامل المخاطرة، وستلغي الأفواج رحلاتها إلى المنطقة عموماً، إذ يعتبر القطاع السياحي من أهم الروافد الاقتصادية للأردن، يتابع: "إذا استمرت الحرب سترتفع الأسعار، خاصّة بعد وقف إمدادات الغاز الإسرائيلي للأردن، كما سترتفع أسعار العملات والذهب، مشيراً إلى تراجع أداء العديد من القطاعات مثل السياحة والطيران، إذ أُغلقت الأجواء الأردنية كلياً منذ بدء الحرب إلى أن أعيد فتحها صباح السبت وربما يعاد إغلاقها مع تطورات الأوضاع".
وارتفعت أسعار الذهب في السوق المحلية الأردنية السبت بمقدار 10 قروش للغرام، وفقاً للتسعيرة الصادرة عن النقابة العامة لأصحاب محالّ تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات الأردنية، وبلغ سعر بيع غرام الذهب عيار 21 الأكثر رغبة من المواطنين 69.60 ديناراً لغايات البيع من محلات الصاغة مقابل 67.10 دينار للشراء (الدولار = نحو 1.4 دولار).
إنتاج محلي ضعيف
الخبير في قطاع النفط والطاقة هاشم عقل، يقول لـ"العربي الجديد" إنه بينما انشغلت عواصم العالم بتحليل تبعات العدوان الإسرائيلي على إيران على الجبهات السياسية والعسكرية، بدأت دول المنطقة، ومنها الأردن، بمراقبة تطور بالغ الخطورة. يفسر أنه في بلد يستورد أكثر من 90% من احتياجاته من الطاقة، ويعتمد على خطوط إمداد تمتد عبر نقاط شديدة التوتر الجيوسياسي، فإن أي زلزال في المنطقة، حتّى وإن كان بعيداً جغرافياً، يمكن أن يهزّ أساسات استقراره الاقتصادي. ويتابع عقل: "يحتل الأردن موقعاً جغرافياً حساساً، يتوسط الخليج الملتهب وسورية المضطربة، والعراق الهشّ، وإسرائيل الغارقة في صراعات أمنية. وكلّ هذه الأطراف اليوم قد تصبح فاعلة، أو ساحةً، في تطوّر الحرب الإسرائيلية - الإيرانية.
يقول عقل إن الأردن يحصل على الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر مصر، بموجب اتفاقية تمتدّ 15 عاماً، فضلاً عن الغاز المحلي من حقل ريشة الأردني، لكنّ إنتاجه لا يغطي أكثر من 5 - 7% من الاحتياج المحلي، ويضيف أنّه بعد ساعات قليلة من العدوان، قفزت أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى مستويات لم تُسجَّل منذ سنوات، إذ بلغ سعر خام برنت أكثر من 78 دولاراً للبرميل، وسط مخاوف من تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من تجارة النفط البحرية في العالم.
ويضيف: "الأردن يعتمد على أسعار السوق العالمية في تسعير مشتقاته، وبالتالي فإن المواطنين قد يواجهون زيادات جديدة في أسعار المحروقات في حال استمرار التصعيد"، ويلفت إلى أنّ "ما يقلق صنّاع القرار الأردنيين أكثر من النفط هو الغاز الطبيعي، إذ إنّ الأردن يعتمد على الغاز الإسرائيلي المستخرج من حقلَي ليفياثان وتمار، والمُرسل إلى الجانب الأردني عبر مصر، وأي استهداف من إيران وحلفائها في سورية ولبنان لهذه المنشآت البحرية أو البرية، سيؤدي إلى تعطيل الإمداد، كما أن إسرائيل أوقفت التصدير إجراءً احترازياً أمنياً، وهو إجراء مؤقت لكن لا يُعرف إن كانت مدته ستطول".
ويرى الخبير الأردني أنه في حال تعطلت إمدادات الغاز، فإنّ شركة الكهرباء الوطنية (حكومية) ستكون مجبرة على التحول إلى الوقود الثقيل أو الديزل، ما يرفع كلفة التوليد، ويهدّد بزيادة فواتير الكهرباء أو حتى انقطاعات في أوقات الذروة.
غلاء فواتير الكهرباء والوقود
يقول الخبير عقل إنّ التصعيد العسكري في الإقليم قد ينعكس على حياة الأردنيين من نواحٍ عدّة أهمها؛ زيادة شهرية على أسعار المشتقات النفطية، وأيضاً زيادة في تكلفة توليد الكهرباء، والتخوّف من التضخم وارتفاع أجور النقل والمواصلات. ويلفت إلى أنه رغم حساسية الوضع، فإن لدى الأردن بعض الأدوات لتقليل المخاطر، من بينها التنسيق مع مصر لتأمين استمرارية نقل الغاز عبر شبكة "غاز شرق المتوسط"، وتعزيز الاستفادة من حقل ريشة المحلي وإن على نحوٍ مؤقت، واللجوء إلى المخزون الاستراتيجي لتغطية النقص، والذي يكفي لمدة 60 يوماً، "لكنّ كل هذه الأدوات تظل حلولاً مؤقتة، لا تحل جوهر المشكلة وهو اعتماد الأردن على مصادر خارجية في بيئة إقليمية شديدة التقلّب".
ويؤكد أنه "في ظل مشهد إقليمي ينزلق نحو مواجهة واسعة، يجد الأردن نفسه مجدّداً في قلب عاصفة لا دخل له بها، لكنّ رياحها قد تهب بقوة على جيبه واقتصاده، فالهجوم الإسرائيلي على إيران وتبادل الهجمات يفتح باباً على سيناريوهات متعدّدة، لا تتعلق بالصواريخ والطائرات فحسب، بل بواقع معيشي قد يزداد صعوبة، ما لم يجرِ احتواء الأزمة سريعاً، حسب المراقبين".
وكانت الحكومة الأردنية اتخذت العديد من الإجراءات لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واضطرابات البحر الأحمر وباب المندب، وبعضها ما زال مطبّقاً حتى الآن، بهدف الحدّ من الانعكاسات الاقتصادية على السوق المحلية، واستيعاب ما يمكن من ارتدادات ارتفاع أجور الشحن البحري. ويعاني الأردن من ارتفاع عجز الموازنة العامة الذي يزيد عن 2.5 مليار دولار سنوياً، والمديونية التي تجاوزت 60 مليار دولار، فضلاً عن زيادة الفقر والبطالة.
وفي سياق ارتدادات الحرب الاقتصادية، أعلنت هيئة الطيران المدني الأردنية عن إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الآتية والمغادرة لساعات منذ صباح اليوم الأول للحرب، في خطوة وصفت بأنها "احترازية". ورغم إعادة الفتح لاحقاً، فإنها تعكس حجم القلق من أن يمتدّ الصراع إلى أجواء المملكة، أو أن تصبح ممراً محتملاً لضربات أو ردود.

Related News
