
بدأت آلاف العائلات السورية اللاجئة الاستعداد للعودة الطوعية إلى سورية، مع اقتراب انتهاء العام الدراسي في تركيا، على الرغم من الظروف الصعبة التي تنتظرهم، بدءًا من الدمار الواسع في مساكنهم، وانتهاءً بغلاء تكاليف المعيشة، خصوصًا الإيجارات وأسعار الأثاث. وبينما يشكّل ارتفاع الإيجارات في تركيا عاملًا ضاغطًا للعودة، لا يبدو الواقع السكني في سورية أكثر سهولة، حيث ترتفع الإيجارات رغم غياب الخدمات الأساسية، ما يضع العائلات السورية أمام معادلة قاسية: البقاء في تركيا بتكاليف مرهقة، أم العودة إلى سورية بكل ما تحمله من أعباء الترميم وإعادة التأسيس؟
تركيا تضيق بالمستأجرين السوريين
يقول أحمد الزعبي، وهو لاجئ سوري من مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، يعيش في ولاية غازي عنتاب التركية منذ عام 2019، ويعمل في محل سوبر ماركت يمتلكه، قرر بيع جزء كبير من المواد الغذائية بالجملة، تمهيدًا لعودته إلى سورية لـ"العربي الجديد": "منزلي في تدمر لم يُقصف، لكنه تعرّض للسرقة من قبل المليشيات التي كانت منتشرة في المدينة قبيل سقوط نظام بشار الأسد المخلوع". ويضيف الزعبي: "كنت في تدمر صاحب مطعم للحوم، وعملي كان جيدًا... الآن أستعد للعودة بعد حوالى 15 يومًا، بعد أن ينهي أطفالي امتحاناتهم الدراسية ويحصلوا على الجلاء المدرسي".
ويوضح الزعبي أن قرار العودة لم يكن سهلًا، لكنه جاء نتيجة عدة عوامل، أبرزها، حسب تعبيره، تحرر سورية من نظام بشار الأسد الذي كان سبب هجرتهم، وثانيًا الغلاء الفاحش في أسعار الإيجارات بتركيا، إذ ارتفع إيجار منزله خلال الأشهر الستة الماضية من 6000 إلى 18000 ليرة تركية، أي بزيادة تجاوزت 200%. ويقدّر الزعبي تكلفة العودة الطوعية لعائلته المكوّنة من 8 أشخاص بنحو 1200 دولار، 300 دولار لنقل العائلة من عنتاب إلى معبر باب الهوى، و700 دولار لنقل أثاث المنزل، و200 دولار من المعبر إلى مدينة تدمر.
سورية ليست أرخص.. لكنها وطن
من جهته، يقول اللاجئ السوري عصام الحموي من منطقة سقبا في الغوطة الشرقية بريف دمشق، ويقيم حاليًا في إسطنبول لـ"العربي الجديد" إنه قرر أيضًا العودة إلى سورية، رغم أن منزله مدمر بالكامل نتيجة الحملة العسكرية لقوات النظام عام 2017. ويضيف: "رغم دمار منزلي، قررت العودة بعد تحرير سورية من النظام السابق، العودة قرار حتمي بالنسبة إليّ، لكنها ليست سهلة".
ويتحدث الحموي عن التكاليف الباهظة التي تواجهه، من نقل أثاث منزله من إسطنبول إلى الغوطة الشرقية، ما سيكلفه حوالى 1700 دولار، ومع أن الأثاث عمره أكثر من خمس سنوات، إلا أنه لا يستطيع شراء أثاث جديد في سورية، فحتى الإيجار وحده سيكلفه نحو 1000 دولار لمدة 6 أشهر. ويضيف: "لا توجد خيارات مريحة... في تركيا الإيجارات ترتفع بشكل جنوني، وفي سورية لا توجد بنية تحتية، لكن الأسعار لا تقل أيضًا، والراتب غير كافٍ لأي استقرار".
في المقابل، تُظهر شهادات العائدين أن غلاء الإيجارات في تركيا كان سببًا حاسمًا في قرارهم بالعودة، لكن المقارنة بين كلفة السكن في سورية وتركيا ليست لصالح أي من الطرفين. ففي تركيا، تجاوزت إيجارات المنازل في بعض المدن الحدودية مثل غازي عنتاب والريحانية 15 إلى 20 ألف ليرة تركية شهريًا، فيما تصل في إسطنبول إلى أرقام أعلى، وسط منافسة شديدة في سوق الإيجارات.
أما في سورية، فالوضع لا يبدو أفضل، حيث ترتفع الإيجارات في دمشق، وحلب، ومدن أخرى، لتصل إلى مئات الدولارات شهريًا، رغم انعدام الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وإنترنت، وارتفاع تكاليف الترميم لمن تضررت بيوتهم. وبين ضغط ارتفاع الأسعار، وصعوبة إعادة إعمار المنازل في الداخل، يقف آلاف السوريين أمام خيارات صعبة، لا تقل قسوة عن ظروف النزوح الأولى. فالمفاضلة باتت بين وطن ممزق يحاول النهوض، وبلد مضيف باتت تكاليف العيش فيه لا تُحتمل.
هل كانت العودة إلى سورية متسرعة؟
بدوره، يقول مصطفى العاهي، وهو أحد العائدين من مدينة إسكندرون التركية الواقعة ضمن ولاية هاتاي إلى ريف العاصمة السورية دمشق، في حديث لـ"العربي الجديد": "لقد عدت أنا وعائلتي المكونة من 5 أشخاص قبل حوالى 4 أشهر، ولديّ ثلاثة أطفال. للأسف، كان قرار العودة متسرعًا نوعًا ما، ولم أكن أعلم أن وضع البنى التحتية في سورية سيئ إلى هذه الدرجة بفعل النظام المخلوع. فأنا خرجت من سورية عام 2012، ولم أزرها قط بعد الخروج منها".
ويضيف العاهي: "استأجرت منزلًا في ريف دمشق بقيمة 250 دولارًا، وهو تقريبًا السعر نفسه الذي كنت أدفعه في إسكندرون، لكن الفارق كبير جدًا. ففي تركيا كانت تتوفر فرص العمل، أما في سورية، فحتى بعد مرور حوالى 7 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال فرص العمل ضئيلة جدًا. والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والإنترنت غائبة أو ضعيفة جدًا، وكل شيء يحتاج لمعاناة طويلة. هذا العام مثلًا، عانينا من انقطاع المياه بسبب قلة الأمطار، وكذلك من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وضعف في الشبكات".
ويتابع العاهي حديثه، قائلًا: "لو عاد القرار لي، لما عدت في هذا التوقيت. سورية بلد اجتماعي جميل جدًا، لكنها منهكة بالكامل وبحاجة إلى جهود جبارة من الحكومة السورية الجديدة، ودعم حقيقي من دول الخليج وقطر والسعودية ودول الاتحاد الأوروبي، كي تُؤمَّن عودة حقيقية وآمنة لملايين اللاجئين في دول الجوار وأوروبا". وبين ضغط ارتفاع الأسعار، وصعوبة إعادة الإعمار، يقف آلاف السوريين أمام خيارات صعبة، لا تقل قسوة عن ظروف النزوح الأولى. فالمفاضلة باتت بين وطن ممزق يحاول النهوض، وبلد مضيف باتت تكاليف العيش فيه لا تُحتمل.

Related News
