فيلمان قصيران عربيان في "كانّ 2025": استعادة ماضٍ وكشف خراب جماعة
Arab
7 hours ago
share

 

أصبح الفلسطيني توفيق برهوم ثالث مخرج عربي يحصل على "السعفة الذهبية" لمهرجان "كانّ" لأفضل فيلم قصير، عن "سعيد لأنك ميت الآن"، في الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025). وهذا بعد فوز اللبناني إيلي داغر بها، عن "أمواج 98" (2015)، والمصري سامح علاء عن "ستاشر ـ أخاف أن أنسى وجهك" (2020).

عبر طبقات متعدّدة، نسج برهوم فيلمه. تتكشّف قصته بتأمّلات فلسفية عميقة في أمور شتى، أبرزها الماضي والتذكّر والذكريات، وعمّا إذا يُمكن التخلّص من مآسي الماضي وآلامه، أو التخفّف منها. أمْ أنّ هناك استحالة، أو محض نسيان مؤقّت. فهل الانتقام مُفيدٌ في التخلّص منها؟ أيتخفّف المرء من الألم والذكريات السيئة عبر الموت؟ أيجلب هذا سعادة، كما يحيل عنوان الفيلم؟

أسئلة كثيرة يثيرها برهوم على لسان رضا (برهوم نفسه) وشقيقه الأكبر أبو الرشد (أشرف برهوم). الأول يافع وحاضر الذاكرة، طعم المرارة لا يزال في حلقه. بينما الأكبر يعاني نسياناً مرضياً، وبالكاد يتذكّر اسم شقيقه، ومحطات مؤلمة في حياته، وحياتهما معاً، لا سيّما لذاعة الليمون الذي تجرّعاه غصباً. مع ذلك، يجمع بين الشقيقين تذكّرهما ذكرى وحيدة من ماضيهما الأليم، واستدعاؤها، إذْ يستحيل عليهما نسيانها. تلميحاً، يشير المخرج إليها، وبعيداً عن التحديد القاطع لماهيتها، تظلّ مجرّد استعارة لبطش سلطة أبوية، أو قمع بطريركي.

يفتتح المخرج فيلمه ليلاً. في ظلام الزقاق، بالكاد يُرى رضا وهو يجرّ سجادة ثقيلة لا يُعرف ما فيها، حتى بعد سؤال أبو الرشد عن والدهما، سؤال يتكرّر في مشهد نهاري على الرصيف أمام البحر، قبل استقلالهما الزورق، إذْ يسأله عمّا في الصندوق، وهل أنّ والدهما فيه. هناك يقين، لكنْ ما من إجابة واضحة وصريحة تبيّن حقيقة ما حدث. يأخذان الأب إلى محطّته الأخيرة، كما يذكر رضا. بعد ظلام مشهد الافتتاح والتوتر، يختم توفيق برهوم فيلمه بالأفق الرحب، والبحر المفتوح على اتساعه، ورقص أبو الرشد مُردّداً أغنية شعبية فرحة عن كونهما وشقيقه عريسين، ليعانقه رضا عناقاً حاراً يزيد من وطأة الأسئلة المطروحة، وتبعات الفعل المقترف.

 

 

فنياً، مال برهوم أكثر إلى توظيف اللقطات الخلفية والجانبية للشخصيتَين، تأسيساً للقطة العناق في الختام. لكن الخيارات والجماليات التكوينية إجمالاً، على بساطتها، لافتة للانتباه وفنية. هناك جُمل حوارية توضيحية لا بُدّ منها، والأفضل التقشّف في الحوار أكثر، وترك المهمّة للصورة. خاصّة ضبط إيقاع جُمل طارق وإحالاتها. هذا، وإنْ خَلا الفيلم من الثرثرة إجمالاً، ومال إلى التكثيف.

يتقاطع الوثائقي "المينة" للمغربية راندا معروفي، الفائز بجائزة "الاكتشاف الجديد" في تظاهرة "أسبوع النقاد" في "كانّ 2025"، مع "سعيدٌ لأنّك ميت الآن"، بالتصوّر العام، وببنيته المستعرضة طبقات الأرض. يستحضر الفيلم تاريخ سكان مدينة جرادة (شمال شرقي المغرب) وعيشهم ومصائرهم، وطبيعتها القائمة على استخراج الفحم، وكيف أنّه، بعد ربع قرنٍ تقريباً على إغلاق المناجم، لم يبقَ من الماضي، كما تذكر الراوية قبل النهاية، غير الذكرى والذكريات والتذكّر، ومسنّين أحياء عملوا في تلك المناجم.

استعراضاً لأنفاق مناجم الفحم فيها، التي تجاوز عمقها في بعض المناطق 120 متراً، تلقي معروفي الضوء على أوضاع معيشية صعبة جداً لمجتمع تكوّن ونشأ حول هذه الصناعة. ونظراً إلى الأوضاع المعيشية البدائية، وطرق الاستخراج غير الآمنة، وعشوائية العمل، كان طبيعياً حصول حوادث، وسقوط ضحايا. بدلاً من تنظيم الأمور، وضبط اشتراطات السلامة والأمان، وحماية حقوق العمال الذين يبيعون ما يستخرجونه بأثمان بخسة لأباطرة السوق، تُغلق الحكومة المناجم، وتُشرّد نحو 78 ألف عامل. إجراء لا يعكس مدى تردّي الأحوال السياسية والاقتصادية فحسب، بل سوء التخطيط والمعالجة، وزيف الوعود التي منحت للسكان بعد انتفاضتهم ضد الحكومة وأحكام الغلق، والاحتكاك بالشرطة، واعتقال العشرات.

لاستحالة التصوير في أعماق الكهوف الضيقة، وخطورة الأمر من حيث السلامة والحماية، لجأت راندا معروفي وفريق الديكور إلى حيلة بارعة لتوثيق الحدث الرئيسي، تتوفّر على جمالية فنية ذكية للغاية، ساهم في تدعيمها وتعميقها، على نحو مقبض وخانق، شريط الصوت الرائع: تشييد ديكور هيكلي لطبقات طولية وعرضية ضخمة، كأنفاق ضيقة تحت الأرض، وحشر العمال فيها، بحيث نراهم بشكل مقطعي، بينما مسحت الكاميرا الأنفاق الأنبوبية العرضية، مُظهرة انهماك العمال وأصواتهم، بلقطة مصاحبة طويلة زمنياً، من يمين الشاشة إلى يسارها، تنتهي ببلوغ نفق صاعد، فتبدأ رحلة صعود تنتهي بسطح الأرض. بعد استعراض متمهل لما يجري فوق السطح أيضاً، تهبط مُجدّداً إلى باطن الأرض، بالإيقاع البطيء نفسه، والتصوير المتمعّن، إلى حدّ أنّ المُشاهد يكاد يختنق بغبار الانهيار.

طريقة ختام الفيلم بلقطات مُصوّرة بكاميرا سوبر 8 توحي بحياة ماضية، وتحيل إلى صلة الجيل الجديد بالأرض والمناجم، ومواصلة العيش والتطلّع إلى المستقبل، التي تخلّلتها القوائم الختامية، وقطّعتها على نحو مُكرّر، وهذا مزعج، وزائد عن الحاجة، إذْ لم يُضف جديداً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows