الهجرة الدائمة.. لماذا يغادر المسلمون الهند بأعداد مذهلة؟
Reports and Analysis
9 hours ago
share

تشهد الهند موجة نزوح لأعداد كبيرة من المسلمين الذين يشكلون حوالي 15% من إجمالي السكان في البلاد، نتيجة السياسات التمييزية التي تمارس بحقهم منذ عقود، وخاصة في ظل حكم الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا ذو الأغلبية الهندوسية بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وتشمل هذه السياسات والإجراءات التمييزية التي باتت تمارس بشكل منهجي عمليات إعدام خارج نطاق القانون، وتصريحات تمييزية في أماكن العمل، وخطابات تحريضية من سياسيين، ومعدلات مرتفعة من الإسلاموفوبيا، وفق تقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني.

وبحسب تحليل مركز بيو للأبحاث، فإن الهند هي ثاني أكبر مصدر للمهاجرين المسلمين على مستوى العالم، بعد سوريا.

الهند
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضر تجمعاً انتخابياً في 31 مارس/آذار 2024- رويترز

ويعيش حالياً نحو ستة ملايين مسلم من مواليد الهند في الخارج. ويُشكلون ما يُقدر بنحو 33% من المهاجرين الهنود، مما يُشير إلى أن معدل الهجرة أعلى بكثير من الطوائف الدينية الأخرى.

ويعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية، إذ تضم الهند ما يزيد على 172 مليون مسلم، مما يجعلها أكبر دولة تضم سكاناً مسلمين إذا استثنينا الدول ذات الأغلبية المسلمة (مثل إندونيسيا وباكستان).

العداء المتزايد

واتسم المناخ السياسي في الهند، في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا، بزعامة مودي، الذي تولى السلطة منذ عام 2014، بتصاعد النزعة القومية الهندوسية. وتزايدت وتيرة حوادث العنف الطائفي، والقوانين التمييزية، وخطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين.

وواجه المسلمون في الهند مجموعة من التحديات خلال هذه الفترة، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القانون بسبب مزاعم ذبح الأبقار، والحملات ضد الزواج بين أتباع الديانات المختلفة، والمقاطعات الاقتصادية والاجتماعية، والقيود المتزايدة أمام التوظيف والسكن.

وأدى خطاب الكراهية الذي ينشره الزعماء السياسيون وانتشار الروايات المعادية للإسلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تأجيج العداء.

وفي عدة حالات، تم استهداف أماكن العبادة الإسلامية، وكان هناك ضغط متزايد على الهوية والممارسات الإسلامية في الحياة العامة.

المسلمون في الهند
زعيم هندوسي يقود الغوغاء لمهاجمة المسلمين خلال صلاتهم في مدينة غورغاون الهندية “أرشيفية”/ تويتر

وأوصت لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية بأن تصنف الحكومة الأمريكية الهند باعتبارها “دولة مثيرة للقلق بشكل خاص” في تقريرها لعام 2025، مشيرة إلى انتهاكات منهجية صارخة للحريات الدينية.

وأصبحت الحياة اليومية للمسلمين في الهند محفوفة بالمخاطر. ووفقاً لدراسةٍ أجراها مركز دراسات المجتمعات النامية في الهند، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، أفاد 44% من الشباب المسلم بتعرضهم للتمييز بسبب دينهم.

وكشفت دراسة أخرى أن 47% من المسلمين يخشون أن يتم اتهامهم زوراً بالإرهاب.

وقال الدكتور نظام الدين أحمد صديقي، الأكاديمي القانوني والمؤسس المشارك لمشروع مشكاة، الذي يُعنى بتعزيز الحوار العام الإسلامي: “الأمر لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يشمل جوانب اجتماعية وسياسية ونفسية. يشعر المسلمون الهنود بشكل متزايد بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بلدهم”.

هجرة دائمة

وبينما اعتاد المسلمون في الهند على الهجرة المدفوعة بأسباب اقتصادية، وتمتلك المجتمعات المسلمة في ولايات كيرالا وأوتار براديش وتيلانجانا تاريخاً طويلاً في هجرة العمالة إلى دول الخليج، إلا أن الخبراء يقولون إن ما تغير أيضاً هو طبيعة هذه الموجة الجديدة والدافع وراءها.

ففي الماضي، كانت الهجرة مؤقتة. وكان الناس يذهبون إلى دول الخليج للعمل ويعودون.

وقال الأكاديمي القانوني، صديقي: “أما الآن، فيذهبون للاستقرار. ويريدون أن ينشأ أطفالهم في مجتمعات أكثر أماناً ومساواة.”

واستشهد صديقي بأمثلة يومية على حالات الإقصاء التي مورست بحقه، مثل رفض منحه مسكناً للإيجار، أو مواجهة الشكوك بسبب إطلاق اللحية، أو التردد في الصلاة في الأماكن العامة.

المشهد الطائفي في الهند

ويرتبط الشعور بالاغتراب أيضاً لدى المسلمين بنقاط اشتعال رئيسية في المشهد الطائفي في الهند.

وتفاقم اضطهاد المسلمين في الهند بسبب صعود القومية الهندوسية والتطرف في السنوات الأخيرة. وقد اتبع حزب بهاراتيا جاناتا أجندة تتمحور حول القومية الهندوسية أدت إلى تهميش وتنفير الأقلية المسلمة.

وسن حزب بهاراتيا جاناتا قوانين وسياسات مثيرة للجدل والتمييز ضد المسلمين مثل قانون تعديل المواطنة (CAA)، الذي يمنح الجنسية للاجئين غير المسلمين من البلدان المجاورة. وقانون السجل الوطني للمواطنين (NRC)، الذي يتطلب من الأشخاص إثبات جنسيتهم أو مواجهة الترحيل؛ والقانون المدني الموحد (UCC)، الذي يسعى إلى استبدال قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الدين بقانون مشترك لجميع المواطنين.

كما قام حزب بهاراتيا جاناتا بدعم ورعاية الجماعات الهندوسية المتطرفة مثل فيشوا هندو باريشاد، وراشتريا سوايامسيفاك سانغ، وباجرانج دال التي شاركت في أعمال عنف وترهيب مختلفة ضد المسلمين.

وروجت هذه الجماعات لأيديولوجيا كراهية، وتشويه صورة المسلمين على أنهم غزاة وإرهابيون وخونة وقتلة أبقار. كما حاولوا تحويل المسلمين إلى الهندوسية من خلال الإكراه أو الإغراء.

وكان هدم مسجد بابري عام 1992 – وهو مسجد يعود للقرن السادس عشر تدّعي جماعات هندوسية ملكيته – لحظةً فارقةً لدى المسلمين خلّفت عواقبها ندوبًا دامت عقوداً. وزاد حكم المحكمة العليا عام 2019، الذي منح الموقع للهندوس، من خيبة الأمل.

وفي الآونة الأخيرة، أدت النزاعات حول أماكن العبادة، مثل مسجد جيانفابي في فاراناسي ومعبد شاهي عيدجا في ماثورا، إلى تأجيج التوترات الطائفية. وقال صديقي: “كل أسبوعين، يتجدد الجدل حول التاريخ أو الثقافة أو الوجود الإسلامي”.

المسلمون في الهند
iStock /المسلمون في الهند

واستشهد أيضاً بالقوانين الجديدة التي تنظم ممتلكات الأوقاف والدفع نحو وضع قانون مدني موحد كأمثلة على الجهود التشريعية التي قال إنها تهدف إلى إضعاف المؤسسات المركزية للمجتمع الإسلامي.

وأضاف: “من الصعب النضال على جميع الجبهات. ما إن تتلاشى قضية، حتى تحل محلها قضية أخرى”.

وصرح خواجة محمد، مالك شركة ياسين للسفر، وهي وكالة تأشيرات وسفر مقرها في تيلانجانا، وهي ولاية يقل عدد سكانها المسلمون عن 13٪، قائلاً: “حوالي 30٪ من الحالات التي تصلنا هي حالات مسلمة”.

وأضاف محمد: “يستثمر الناس أيضاً بكثافة في دول الشرق الأوسط مثل الإمارات وتركيا، وهو ما لم يكن الحال سابقاً. هذا يعني أنهم ينوون البقاء طويل الأمد أو الاستقرار في هذه الدول”.

ومع ذلك، حذّر أبورفاناند جاه، الأستاذ بجامعة دلهي، من اعتبار الهجرة دينية بحتة. وقال: “إنّ من يهاجرون هم من يملكون الموارد. والمسلمون جزء من هذه الطبقة أيضاً، وكثيرون غيرهم أيضاً”.

ومع ذلك، فإنه يلاحظ أن خيبة الأمل تتزايد، وخاصة بين الشباب الهنود الذين لا يرون أي مستقبل اقتصادي أو اجتماعي في البلاد.

وقال جاه: “هذه هي المرة الأولى، منذ الاستقلال، التي يشعر فيها شباب الهند باليأس التام. الاقتصاد في حالة ركود، والكراهية تملأ الأثير. من سيرغب في البقاء في مثل هذا الوضع؟”

آمال العودة

وعلى الرغم من الهجرة والاغتراب، يقول كثيرون ممن غادروا إنهم سيعودون إذا تغير المناخ السياسي في البلاد.

ويأمل توفيق أحمد الذي هاجر إلى كندا عام 2020 أن يعود يوماً ما إلى الهند لرعاية والديه المسنين. وقال: “أريد العودة إلى الهند لأن والديّ هناك، وسيحتاجان إلى الرعاية والدعم مع تقدمهما في السن”.

وعن دوافعه للهجرة من البلاد قال أحمد:”لقد خاب أملي تماماً في بلدنا. إنها حقًا مشوهة من نواحٍ عديدة – عدم المساواة، والطبقية، والتخطيط العمراني. كان بامكاني الاستمرار، ولكن بصفتي مسلماً، فإن كراهية غالبية السكان للمسلمين لا تُصدق. ومستويات الإسلاموفوبيا في ازديادٍ مُذهل”.

وأضاف أحمد، الذي يعيش مع وزوجته في تورنتو، أنه إذا عاد سيستقر على الأرجح في مدينة يعتبرها أكثر أماناً، مثل حيدر أباد أو شانديغار. وأوضح أن البقاء في مسقط رأسه في ولاية أوتار براديش، التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، يعني “عيش حياة خاضعة للغاية”.

وقال: “إن العيش هناك يعني مجرد تحمل العديد من الأفعال اليومية العدوانية الصغيرة المتزايدة الشراسة التي تقوم بها الأغلبية في البلاد ضدك”.

ويعتقد الأكاديمي القانوني، صديقي، أن المصالحة ممكنة، ولكن فقط من خلال الإصلاح المؤسسي ومحاسبة المجتمع. وقال: “ليس بإمكان المسلمين وحدهم إصلاح هذا الأمر. يقع العبء على عاتق الأغلبية والقضاء والمؤسسات الديمقراطية لبذل المزيد من الجهود”.

ويستند في حديثه إلى كلمات بي آر أمبيدكار، أحد أهم مهندسي الدستور الهندي، الذي حذّر من ضرورة كسب الأغلبية ثقة الأقليات. وقال صديقي: “لقد هُزمت هذه الثقة، ويجب الآن إعادة بنائها، إن لم يكن من أجل المسلمين، فمن أجل الهند نفسها”.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows