تقارب مصري إيراني بلا قيود خليجية.. مصادر دبلوماسية تكشف أسباب تحسن العلاقات بين البلدين وأبرز ملفات التعاون القادمة
Reports and Analysis
19 hours ago
share

كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي محط أنظار الكثير من المتابعين، وسط تساؤلات حول توقيت الزيارة والهدف منها والرسائل من ورائها.

تأتي هذه الزيارة وسط تكهنات حول إمكانية تطور وتحسن العلاقات بين البلدين على مستويات دبلوماسية واقتصادية مشتركة خلال الفترة القادمة دون قيود خليجية كانت دائماً ما تقف عائقاً أمام حلحلة القطيعة مع طهران طيلة العقود الماضية، وذلك مع توافق مصر ودول الخليج على رفض توجيه ضربة أميركية لإيران وفي ظل التقارب بين السعودية وطهران.

وقال مصدر دبلوماسي مطلع إن القاهرة تحللت بشكل كامل من بعض القيود الخليجية التي جعلتها تتحسب لتطوير علاقاتها مع إيران على مدار أكثر من نصف قرن تقريباً، بل إنها كانت أكثر حرصاً على اتخاذ خطوات تظهر فيها أنها تجاوزت الخلافات السابقة انتظاراً لاتضاح الرؤية بشكل أكبر، خاصة وأن القطيعة مع طهران كانت أبرز أسس مظاهر التقارب المصري الخليجي عام 2016.

في ذلك الحين كانت القاهرة تواجه ضغوطاً أميركية قوية مع وجود الديمقراطيين على رأس السلطة، وكان من الممكن أن تذهب باتجاه طهران كورقة ضغط مقابلة يمكن اللعب بها كما الحال حالياً.

التقارب الحالي تفرضه التطورات الإقليمية

وأوضح المصدر المطلع على الملف الإيراني في الخارجية المصرية أن ما يربط بين مصر وإيران في الوقت الراهن أكثر مما يفرقهما استراتيجياً، فكلتاهما “مستهدفة بطريقة ما من قبل إسرائيل”، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن القاهرة انتظرت لما يقرب من عامين منذ اتفاق بكين بين الرياض وطهران في مارس/آذار 2023، إذ بدأت قبل ما يقرب من عام تقريباً استكشاف سبل التقارب وصولاً إلى تدشين مرحلة جديدة تقوم فيها العلاقات بين الدولين على أسس انطلاق مشاورات تمهيدية لعودة فتح السفارات في الدولتين بدلاً من مكتب الرعاية المشتركة الذي يقوم بأدوار تنسيقية بسيطة.

وكشف المصدر عن أن التقارب سيكون على أسس محددة لا يتجاوز فيها كل طرف مسألة الأوضاع الداخلية للآخر، وكذلك مع ضمان عدم تغير المواقف بشأن القضايا البارزة في مقدمتها السلام المصري الإسرائيلي وإيجاد تسوية عربية إسرائيلية على أساس حل الدولتين وهي مبادئ لا تقتنع بها طهران، كما يقول المصدر.

ولفت إلى أن الأيام المقبلة ستكون شاهدة على عقد لقاءات تشمل نواب ومساعدي وزراء الخارجية من الدولتين على فترات قريبة، ومن الممكن أن تتسارع وتيرة عودة السفراء في حال كانت هناك مزيد من الضغوط التي تمارسها إيران على الحوثيين لوقف استهداف الملاحة في البحر الأحمر مع تضرر مصر اقتصادياً من تراجع عوائد قناة السويس.

وزير الخارجية الإيراني في القاهرة/ رويترز

أسباب التقارب المصري مع إيران ووضع الخليج

وأشار إلى أن الصخب حول الزيارة الأخيرة وأبعادها يأخذ طابعاً تسويقياً أكثر من طبيعة العلاقات بين البلدين، وأن القاهرة ترفض اتخاذ سياسة الاندفاع والهرولة نحو التطبيع الكامل لحين التأكد من أن التعاون الكامل لن يكون نتيجته حسابها على محور إقليمي بعينه على حساب آخر وتوظف مسألة تعدد الأقطاب لكي تنسج علاقاتها بحرص مع دول مثل الصين وإيران وروسيا.

وشدد المصدر ذاته على أن ما يشجع البلدين في الوقت الحالي على تزايد وتيرة التنسيق والظهور كقوتين متقاربتين هو أن هناك أهداف مشتركة بين مصر ودول الخليج بشأن تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي لطهران، وإن كان هناك اختلاف في أسباب هذا الدعم.

وأوضح أن مصر ودول الخليج ترفض توجيه ضربة أميركية ضد طهران، إذ يعد ذلك تهديداً مباشراً لأمن دول الخليج حال اضطربت الأوضاع في منطقة الخليج العربي وذهبت طهران لضرب المصالح الأميركية والقواعد العسكرية في دول الخليج. كما أن مصر ترفض توجيه هذه الضربة من منطلق أنها ستساهم في تعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة على حساب قوتها كدولة عربية لديها الجيش الأقوى في المنطقة، وترى أن وجود قوى أخرى يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل تساهم في أن تكون موازين القوى في صالحها بقدر ما. وبالتالي، يمكن القول بأن التقارب الحالي تفرضه تطورات إقليمية تتعلق بالمواقف الأميركية من إيران والدفع الإسرائيلي المستمر باتجاه توجيه ضربة لبرنامجها النووي، بحسب المصدر ذاته.

وقدَّرت مصر خسائرها من تراجع عائدات قناة السويس العام الماضي بأكثر من 7 مليارات دولار، وسط تعويل على استعادة جزء من هذه الخسائر خلال العام الحالي، خصوصاً بعدما أعلنت سلطنة عمان أخيراً التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين اليمنية، بما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي، لكن الجماعة اليمنية نفت تضمين الاتفاق السفن الإسرائيلية.

طهران تتطلع إلى تعاون في ملف السياحة الملغوم. وفي مؤتمر صحفي بالقاهرة، أكد وزير الخارجية المصري السفير عبد العاطي أن العلاقات بين البلدين “تتطور مؤخراً بشكل ملحوظ”، في حين قال عراقجي إن مسار تطويرها “بات مفتوحاً وأكثر وضوحاً من أي وقت مضى”، مشيرًا إلى “وجود بعض العراقيل التي قال إنها ستُزال خلال الأسابيع القليلة المقبلة”.

وبحث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الإثنين، مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل متغيرات إقليمية متسارعة وضغوط دولية متزايدة تمارس على طهران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ودعمها لعدد من الجماعات المسلحة في المنطقة. بينما تشهد العلاقات الإيرانية المصرية تطوراً في السنوات الأخيرة، وترى طهران أن الزيارة فرصة لكسر العزلة.

وعن توصيف العلاقة بين مصر وإيران في الوقت الحالي، قال مصدر دبلوماسي مصري آخر إنها تمضي في التحسن التدريجي، وإن كانت الزيارة الأخيرة شهدت تطورات لافتة بينها زيارة وزير الخارجية إلى مناطق سياحية ودينية مصرية ولقاء عدد من وزراء الخارجية المصريين السابقين بينهم الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى. ما يشير إلى أن طهران تتطلع إلى تعاون على مستويات شعبية واقتصادية تتضمن السياحة وهو أحد الملفات الملغومة بين البلدين.

وأوضح المصدر ذاته أن القاهرة تخلصت من مواقف الخليج التي كانت قبل عقد متباعدة إلى درجة كبيرة مع إيران، وتمضي الآن في تحسينها. لكنها في الوقت ذاته لديها مخاوفها الخاصة بشأن تعريفات المقاومة والمجموعات المسلحة والطائفية، وهي أفكار غير موجودة بالنسبة لسجل القاهرة الدبلوماسي.

وأشار المصدر لـ “عربي بوست” إلى أن الانتقادات الشعبية الخليجية للتقارب بين مصر وإيران لا تنطلق من مواقف رسمية خليجية، ولكنها تأتي في إطار تصوير العلاقات بين إيران والدول العربية على أنها من المحرمات، في حين أن الواقع يشير إلى أن وزير الدفاع السعودي الأمين خالد بن سلمان التقى المرشد الإيراني علي خامنئي الشهر الماضي.

كما أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات تشير إلى أن هناك ملفات أخرى أكثر سخونة في علاقات مصر والخليج من مسألة التقارب مع إيران التي يبدو هناك اتفاق عام عليها دون الدخول في تفاصيل هذا التقارب.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارته للإمارات/ رويترز

التقارب رسالة إلى إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة

وذكر المصدر أن القاهرة توجه من خلال توالي الزيارات والتصريحات الدبلوماسية الناعمة مع طهران رسائل أكثر حدة إلى إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، وأن التطرق لفكرة نزع السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط يشي بإعادة هذا الملف إلى الواجهة مرة أخرى للضغط على إسرائيل نحو تفكيك قنبلتها النووية.

كما أن الزيارة حملت – بحسب المصدر – إشارات على ترحيب القاهرة بالمفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، لكن دون أن يكون ذلك نتيجته تفكيك الملف النووي الإيراني وغض الطرف عن إسرائيل، فيما الاختلاف مع دول الخليج التي تركز بشكل أكبر على إنجاح المفاوضات بغض النظر عن ما يمكن أن يترتب عليه بشأن قوة إسرائيل في المنطقة.

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بشأن عودة العلاقات بين مصر وإيران، إن العلاقات بين البلدين تشهد تطورًا ملحوظًا، مضيفًا: “إذا كانت العلاقات السياسية قائمة بالفعل بين البلدين، فإن ما لم يكن متوقعًا هو هذا المستوى المتقدم من التعاون بيننا. ما تبقى الآن هو مسألة تبادل السفراء، وأعتقد أن هذا الأمر سيتم في الوقت المناسب”.

وأضاف خلال لقاء إعلامي مع فضائية القاهرة الإخبارية: “لسنا في عجلة من أمرنا، ولا نرغب في أن يُمارس أي ضغط على أي من الطرفين في هذا الشأن، لكنني أؤمن بأن الخطوة ستُتخذ في الوقت المناسب”، واعتبر أن الأهم من ذلك هو وجود إرادة سياسية واضحة لدى قيادتي البلدين، إذ يُبدي كل من الجانبين رغبة حقيقية في إقامة علاقات وثيقة وودية تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون في جميع المجالات.

تغييرات جذرية في منظومة العلاقات الدولية

وأوضح مصدر متخصص بالشأن الإيراني بأحد مراكز الأبحاث الحكومية أن زيارة عراقجي من الممكن أن يترتب عليها تغييرات جذرية في منظومة العلاقات الدولية، مع تلميح وزير خارجية الدولتين بأن هناك تحديات مشتركة يصعب التعامل معها من جانب كل دولة على حدة، في إشارة إلى إمكانية وجود تقارب يقوم على مواجهة مشروع التمدد الإسرائيلي في المنطقة.

غير أن التعاون مع طهران – وفقًا لهذا الأساس – قد لا يكون مرضيًا لدول الخليج التي لديها مصلحة في مزيد من إضعاف إيران وأذرعها في المنطقة دون أن يترتب على ذلك توجيه ضربة أميركية عليها تهدد أمنها بشكل مباشر.

وأوضح أن القاهرة تسعى من خلال تقاربها مع إيران أن تعوض جزءاً من خسارتها موقعها المؤثر إقليمياً في جملة من القضايا بعد أن بدت البوصلة متجهة على نحو أكبر إلى دول الخليج. وبالتالي، كان وجود مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة أثناء زيارة عراقجي فرصة مواتية للتأكيد على أنها يمكن أن تلعب دوراً وسيطاً بين الطرفين، لكن دون أن تتحدد معالم هذه الوساطة، بخاصة وأن الأمر برمته يبقى بيد الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي دول تفتر علاقتها الحالية بالقاهرة.

وأشار إلى أن مصر تحاول تفويت الفرصة على أي ذرائع يمكن أن تقود لضرب إيران وبعثرة أوراق القوى الوازنة في المنطقة بشكل لن يخدم القاهرة.

وأوضح أن القاهرة لديها رغبة أيضاً في أن تكون مراقبة لتطورات المفاوضات الأميركية الإيرانية، وتبعث إشارات على أنها يمكن أن تلعب دور الوسيط أيضاً، ويترجم ذلك حجم الاتصالات التي يجريها وزير الخارجية بدر عبد العاطي في أعقاب كل اجتماع مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكذلك مع نظيره العماني. وهي خطوات تهدف لأن تكون القاهرة على اطلاع مستمر بما يدور من تطورات دون أن يتم تغييبها بشكل كامل عن المشهد، ويمكن توظيف زيارة عراقجي الأخيرة أيضًا في هذا السياق.

واستضافت القاهرة اجتماعاً ثلاثياً بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الإيراني عباس عراقجي، ومدير الوكالة رافائيل جروسي، بعد لقاءات منفصلة عقدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعبد العاطي مع كل من عراقجي وجروسي.

وشدد عبد العاطي على عدم تفويت فرصة التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي، مؤكداً رفض القاهرة أي تحريض على الخيار العسكري، ورفض أي تصعيد في المنطقة “ربما لا تحمد عقباه”.

وقال عبد العاطي إن جروسي عرض بشكل مفصل تطورات الملف النووي الإيراني على السيسي، مشيراً إلى أن الرئيس أكد لمدير وكالة الطاقة الذرية “موقف مصر الثابت الرامي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط”.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows