غياب الأضاحي لن يمنع المغاربة من الفرح
Arab
14 hours ago
share

يحلّ عيد الأضحى في المغرب هذا العام في ظل غياب الأضحية، لكن وسط حضور قوي لطقوس متوارثة تضفي على المناسبة طابعاً من البهجة والروحانية، إذ تظل فرصةً لتجديد الروابط العائلية وتقاسم لحظات الفرح والاحتفال الجماعي

يستقبل المغاربة عيد الأضحى، رغم غلاء المعيشة وما يفرضه قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي للعام الحالي بسبب ما تواجهه البلاد من تحديات مناخية واقتصادية أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية.
واعتاد المغاربة قبل حلول اليوم العاشر من ذي الحجة من كل عام، الإقبال بكثافة على الأسواق من أجل شراء الأضاحي ومستلزمات العيد من أواني الشواء وغيرها. لكن الوضع يختلف بعض الشيء هذا العام، إذ وجدوا أنفسهم مكرهين على التخلي عن نحر الأضحية، الطقس الأبرز في عيد الأضحى، علماً أنه لا يتكرر كثيراً في باقي أيام السنة.
ويعتبر اقتناء أضحية العيد ونحرها طقساً اجتماعياً في المغرب يخلق فرحةً مختلفة يحرص الأهل على نشرها بحسب الإمكانات المادية المتوفرة، ويُنظر إليه أيضاً على أنه ممارسة أساسية لاحتفال المغاربة بـ"العيد الكبير" كما ينادونه، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، بالرغم من تحولها في السنوات الأخيرة، إلى عبء على العديد من الأسر، حيث يلجأ البعض إلى الاستدانة أو التضحية باحتياجات أساسية لتأمين ثمن الأضحية.
يقول الخمسيني محمد بنشمسي، وهو موظف في القطاع العام، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من التعلق الديني والاجتماعي والعائلي بإقامة شعيرة الأضحية، إلا أن أغلب المغاربة ارتاحوا لقرار إلغاء ذبح الأضحية، لأنه خفف العبء عن فئة منهم، وجنبهم الاكتواء بنار أسعار الأضاحي كما كان الحال العام الماضي، حيث راوحت بين ألفين و7 آلاف درهم مغربي (200-700 دولار).
ويتابع بنشمسي: "في ظل الغلاء الذي تشهده البلاد، كيف يمكن أن يكون العيد والعديد من المغاربة لا يستطيعون شراء الأضحية؟ قرار ملك البلاد رفع الحرج عني وعن العديد من المواطنين الذين كان من الصعب عليهم شراء الأضحية، كذلك جنبهم جشع الوسطاء والشعور بالدونية". ويقول إنه سيحيي المناسبة كما تمليها التقاليد المغربية العريقة، وسيكتفي هذا العام باقتناء كمية من لحم الغنم والكبد لأسرته من أجل إعداد أكلات العيد، خصوصاً أكلة "بولفاف" (تحضر بقطع صغيرة من كبد وقلب الأضحية ممزوجة بتوابل تلف في قليل من الشحم من أجل شيّها بواسطة قضبان رقيقة توضع فوق الفحم)، والمروزية (تحضر من رقبة خروف الأضحية وبخليط من التوابل يضم الثوم والزعفران الحر والزنجبيل ونبات الكزبرة، إضافة إلى خليط خاص من التوابل يُسمى برأس الحانوت).

وبينما يبدو عيد الأضحى هذه السنة بطعم مختلف، إذ ستغيب شعيرة الذبح وما يرافقها من أجواء النحر الجماعي للأضاحي، يؤكد بنشمسي أن المغاربة سيحيون هذه المناسبة الغالية على قلوبهم من خلال صلاة العيد في المصليات والمساجد وصلة الرحم والاجتماع على مائدة الغداء، وقضاء الوقت مع العائلة، وبما يتماشى مع قيم التضامن والتآزر التي يتميز بها المجتمع المغربي.
وليست هذه المرة الأولى التي تُلغى فيها شعيرة ذبح الأضاحي في المغرب، إذ حصل ذلك ثلاث مرات في السابق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كان أولها عام 1963 عندما أعلن إلغاءها بسبب تبعات "حرب الرمال" مع الجزائر. 

وكانت المرة الثانية في عام 1981 نتيجة أزمة اقتصادية كبيرة والجفاف الشديد الذي ضرب المملكة المغربية والذي أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية. أما المرة الثالثة، فكانت عام 1996 بسبب استمرار تراجع أعداد الماشية.
وإذا كان لعيد الأضحى في المغرب طقوسه وعاداته الخاصة، فقد حرصت الثلاثينية سهيلة الراشدي (ربة بيت) على الاستعداد مبكراً للاحتفال، ضمن طقوس "العواشر" التي تشمل تنظيف المنزل وإعادة ترتيبه، واقتناء أزياء وألبسة تقليدية، مثل الجلابة والقفطان والتكشيطة، وصنع الحلويات.
تقول لـ"العربي الجديد": "عيد الأضحى مناسبة مقدسة عند المغاربة، ولا يسمحون لأي ظرف أن يمنعهم من إحيائها، لذلك سأعمل على تحضير مائدة العيد مثل كل الأعياد، وإعداد ما يلزم وكل ما يليق بالاحتفال"، موضحة أنها حرصت على التحضير للعيد قبل نحو أسبوع من موعده، بجلب التوابل وبعض الأواني الجديدة، وصنع حلويات تقليدية ستتزين بها مائدة العيد من قبيل حلوى "كعب الغزال" و"الفقاص". كذلك حرصت على تنظيف المنزل وتزيينه استعداداً لاستقبال الأهل والضيوف واقتناء ملابس العيد لأطفالها.

تتابع: "لا مناسبة تضاهي عيد الأضحى هذا العام، وإن كنا سنفتقد الأجواء التي تطبع نحر الأضحية، إلا أننا سنحاول خلق أجواء فرحة العيد داخل البيوت من خلال مشاركة الشواء مع الأهل. فالفرحة ممكنة في هذه الظروف الاستثنائية التي نعيشها هذا العام، مع القيام بكل ما تحمله ذاكرة المغاربة من طقوس وعادات يحرصون على غرسها في نفوس أطفالهم، باعتبارها جزءاً من موروثهم الاجتماعي".
وبحسب الباحث في التاريخ والحضارة المغربية، هشام الأحرش، فإن "المغاربة بدءاً برئيس الدولة ومروراً بكبار مسؤولي الدولة وانتهاءً بالمواطنين، حرصوا تاريخياً على استقبال العيد باللباس التقليدي لإعادة الاعتبار للموروث الديني والحضاري رغم مظاهر الحداثة"، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مركزية عيد الأضحى وخصوصيته في تاريخ المغرب تظهران من خلال اتخاذه في وقت سابق موعداً لتجديد المغاربة بيعتهم للسلطان.
وعلى الرغم من التحولات التي طرأت على المجتمع المغربي في الأعوام الأخيرة، فإنه ما زال مُحافظاً على كثير من تقاليده في ترسيخ صلات الرحم ولمّ شمل أفراد العائلة التي فرقت مشاغل الحياة أبناءها؛ فالآلاف يتوجهون من مناطق في داخل البلاد ومن المهجر صوب مسقط رؤوسهم ليجتمعوا بالأهل والأحباب في العيد.

تقول فاطمة الزهراء السعدي (45 سنة)، وهي مهاجرة مغربية مستقرة بالديار الإسبانية، إنها دأبت كل عيد أضحى على الاستفادة من عطلتها السنوية بمشاركة عائلتها لحظة الاحتفال في العيد بطقوسه وعاداته، ولاستعادة الصلات مع أفراد عائلتها، مضيفة: "حين نجتمع في منزل الوالد بمدينة بني ملال (وسط البلاد)، نستعيد الذكريات ونتصالح ونتراحم، ونتبادل التهاني مع الأهل والجيران والأصدقاء. هي باختصار فرصة للاحتفال بتقاليد العيد بفرح".
وبرأي الأحرش، فإن عيد الأضحى يعتبر لحظة احتفال بامتياز تجعل المغربي ينتقل إلى مئات الكيلومترات من أجل الاحتفال مع عائلته، خلافاً لما يكون عليه الأمر بمناسبة عيد الفطر وعيد المولد النبوي الشريف، موضحاً أن المغاربة دأبوا في السنوات الأخيرة على الحديث عن موسم الهجرة نحو الجنوب، حيث تفرغ المدن من ساكنيها، كما هو الحال بالنسبة إلى مدينة الدار البيضاء التي تتحول إلى مدينة أشباح جراء نزوح الآلاف من قاطنيها نحو قراهم ومدنهم الأصلية من أجل الاحتفال بالعيد.

ويعتبر الباحث في التاريخ والحضارة المغربية أن عيد الأضحى "لحظة لتجمّع العائلة والأهل وللاحتفال، وكذلك موعد لإقامة حفلات الزواج بالنسبة إلى الكثيرين، ولقضاء العطلة السنوية". ويلفت إلى أن الأعياد في المغرب مناسبة لإظهار الفرحة بكل مظاهر الأبهة التي تشمل اللباس والطعام والموسيقى.
وبينما تعرف فترة ما قبل حلول عيد الأضحى نشاطاً في الحركة التجارية، وما يصاحب ذلك من ظهور مهن موسمية كشحذ السكاكين بالطرق التقليدية، وبيع الفحم وعلف الأغنام في الأحياء الشعبية، إلا أن قرار إلغاء نحر الأضحية هذا العام ألقى بظلاله على عدد من الشباب الذين اعتادوا كل سنة امتهان تلك المهن، بعدما اصطدم سعيهم لكسب قوت يومهم بقرار سلطات عدد من المدن بمنع تلك المهن، خلافاً لما جرت عليه العادة في هذه المناسبة.
يقول العشريني محسن البحراوي لـ"العربي الجديد": "أنتظر عيد الأضحى لأوفر مصدر رزق من توفير الحاجيات التي تعرف إقبالاً مهماً خلال هذه المناسبة الدينية، كشحذ السكاكين والسواطير بمختلف أنواعها وأدوات وأسياخ الشواء. لكن هذه السنة، مع منع نحر الأضحية ضاعت عليّ فرصة تحقيق مداخيل لتلبية حاجاتي وحاجات أسرتي، ولا سيما خلال هذه المناسبة التي تتطلب تكاليف إضافية".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows