
أصبح تخصيب اليورانيوم قضية شديدة التعقيد في صلب المفاوضات الإيرانية الأميركية، إذ بات مسار تلك المفاوضات ومصيرها مرهونين بإيجاد حل لهذه المسألة أو غيابه. وبعد خمس جولات من الحوار، عاد الطرفان إلى نقطة البداية، خصوصاً بعدما تراجع الجانب الأميركي عن استعداده السابق للقبول بمستوى منخفض من التخصيب، كما نصّ عليه الاتفاق النووي لعام 2015، والذي كان قد وعد به شفهياً في الجولة الأولى من المفاوضات، ما انعكس أيضاً في تصريحات المفاوض الأميركي ستيف ويتكوف. التقدّم الوحيد الذي شهده مسار التفاوض حتى الآن، بعد خمس جولات، كان الاتفاق في مستهلها على حصر جدول الأعمال بالملف النووي فقط، من دون التطرق إلى ملف الصواريخ أو السياسات الإقليمية الإيرانية، وهو أمر لا يزال سارياً حتى الآن، غير أن هذا الجانب أيضاً لم يشهد أي تقدّم يُذكر، لا سيما في ظل تمسك كل طرف بموقفه، ما أدخل العملية التفاوضية برمتها في مأزق حقيقي.
أما من المنظور الإيراني، فيبدو التخلي عن تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية أمراً شبه مستحيل، خصوصاً أن المرشد علي خامنئي أكد، الأربعاء الماضي، أن التخصيب يمثل مفتاح البرنامج النووي، ما يعني أن سحب هذا المفتاح من إيران يوازي عملياً تفكيك برنامجها النووي بأقل كلفة وثمن ممكنين.
وفي ضوء ذلك، ترى طهران أن تسوية المفاوضات تكمن في موافقة الولايات المتحدة على استمرار التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، حتى وإن كان بمستويات متدنية (3.67%) كما نصّ عليه الاتفاق النووي لعام 2015؛ وهو الأمر الذي اعتُبر حينها اختراقاً تفاوضياً مهّد للتوصل إلى الاتفاق، بعد موافقة إدارة باراك أوباما على ذلك في محادثات سرية في عُمان عام 2012. إلّا أن طهران تبدو اليوم أكثر إصراراً من أي وقت مضى على التمسّك بورقة التخصيب، التي تتجاوز أهميتها الجوانب التقنية للبرنامج النووي المحلي، لتُصبح ورقة استراتيجية بالغة الأهمية، وربما الوحيدة المتبقية لدى إيران في صراعها الطويل مع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، لا سيما بعد النكسات التي لحقت بنفوذها الإقليمي خلال العام الأخير نتيجة تطورات إقليمية في سورية ولبنان وربما لاحقاً العراق.
بناءً على ذلك، بات تخصيب اليورانيوم مرتبطاً بشكل وثيق بهوية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومستقبلها. وترى النواة الصلبة لصناعة القرار الإيراني أن التخلي عن التخصيب سيؤدي، لا محالة، إلى سلسلة تنازلات لا تنتهي، تبدأ بتفكيك أجهزة الطرد المركزي ومنشآت التخصيب وكامل البرنامج النووي، ولن تفضي بالضرورة إلى رفع "نهائي وفاعل" للعقوبات، بل ستفتح الباب في تقديرهم على مطالب إضافية تشترط إخضاع ملف الصواريخ والطائرات المسيرة للمفاوضات، ثم الجرّ تدريجياً نحو السياسات الإقليمية، وصولاً إلى فخ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

Related News



