إيطاليا: دومينو قطع العلاقات مع إسرائيل في الأقاليم والبلديات
Arab
15 hours ago
share

بـ"تأثير الدومينو" احتجاجاً على جرائم إسرائيل في قطاع غزة وحرب الإبادة على الفلسطينيين، تقدمت أقاليم ومدن إيطالية كبرى، خلال الأيام القليلة الماضية، بمبادرات لقطع العلاقات مع إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو. ومن المتوقع أن تستمر هذه المبادرات تزامناً مع دعوات حزبية، لا سيما من المعارضة، لاحتجاجات واسعة مسادة للفلسطينيين، وسط "تواطؤ" من قبل حكومتهم.

وانطلقت شرارة هذه المبادرات من إلغاء قمة الأمن السيبراني (Zero Trust 2025)، والتي كان من المقرر عقدها في مقر مجموعة "فلوريم" بمدينة فيورانو الواقعة في إقليم إيميليا رومانيا، شمالي إيطاليا، يوم 22 مايو/ أيار الماضي. كانت هذه الفعالية من تنظيم شركة تيكاب (TEKAPP) الإيطالية - الإسرائيلية، التي تقدم خدمات في مجال الأمن السيبراني لـ"فلوريم" وعدد من الشركات الكبرى الأخرى في المنطقة. اعتبرت "حركة مودينا من أجل فلسطين" (مودينا مدينة في إقليم إيميليا رومانيا) و"بي دي أس" إيطاليا (BDS حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات) إلغاء هذه الفعالية انتصاراً كبيراً، ودعتا جميع الشركات في المدينة إلى قطع علاقاتها مع شركة تيكاب، واتحاد الصناعات واتحاد التعاونيات الإيطالي إلى الإفصاح عن أسماء الشركات المتعاونة مع إسرائيل.

شملت المبادرات إقليمي بوليا، جنوبي إيطاليا، وإيميليا رومانيا، شمالها

توالي قطع العلاقات مع إسرائيل

انتقلت مبادرات قطع العلاقات مع إسرائيل من شمالي إيطاليا إلى جنوبها، إذ صدق المجلس المحلي لمدينة باري، الواقعة في إقليم بوليا، جنوب شرقي البلاد، الخميس الماضي، على قرار إعلان دولة إسرائيل، أو ممثليها، كياناً "غير مرغوب فيه" بأي شكل من الأشكال في معرض ليفانتي (الشرق) التجاري، الذي يقام في شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام في المدينة، وفي كل المعارض المماثلة. أعقبت هذه الخطوة مطالبة المجلس نفسه، في 13 يناير/ كانون الثاني الماضي، الحكومة الإيطالية الاعتراف بدولة فلسطين، وقرار مجلس جامعة باري، الشهر الماضي، بعدم تقديم مشاريع مقترحة في إطار التعاون العلمي والأكاديمي بين إيطاليا وإسرائيل. 

والسبت الماضي، كرّم عمدة المدينة فيتو ليتشيزي الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح، ومنحه مفتاح المدينة (وسام)، وذلك تزامناً مع فعاليات حفل جوائز الصحافة الأوروبية لعام 2025 (European Press Prize). وكتب في منشور على موقع فيسبوك: "بالنسبة لنا، الدحدوح هو رمز حرية الصحافة والمقاومة الإنسانية"، مضيفاً أن ما قدمه "مثال نادر على القوة والشجاعة التي يتحلى بها من يحركهم عشقهم للحقيقة والعدالة". أما في إقليم بوليا، التي تتبع له مدينة باري، ففي إجراء غير مسبوق على مستوى الأقاليم الإيطالية، أرسل رئيس الإقليم ميكيلي إميليانو، يوم الخميس الماضي، خطاباً إلى جميع مسؤولي وموظفي الإقليم والكيانات التابعة له دعاهم فيه إلى قطع العلاقات مع مؤسسات أو ممثلي دولة إسرائيل. وأضاف في فيديو نشره على منصة إكس، أن هذه الدعوة سببها "الإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين العزّل التي ترتكبها حكومة (بنيامين) نتنياهو".

تأثير الدومينو في العلاقات مع إسرائيل تواصل، إذ لم تمض 48 ساعة على قرارات ليتشيزي وإميليانو، حتى لحق بهما رئيس إقليم إيميليا رومانيا ميكيلي دي باسكالي، الذي أعلن، السبت الماضي، في خطاب أرسله إلى جميع المديرين العموميين ومسؤولي الإقليم والوكالات المرتبطة به، قطع العلاقات المؤسسية مع إسرائيل. وقال إن ذلك يأتي على ضوء "الانتهاكات بالغة العنف التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، مع الأخذ في الاعتبار مذكرة الاعتقال الصادرة من قبل المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية".

وأوضح دي باسكالي أن "هذا الموقف اتُخذ حيال الحكومة الإسرائيلية الحالية وليس ضد الشعب الإسرائيلي أو من يعتنقون الديانة اليهودية أو الجاليات اليهودية في الإقليم"، مضيفاً أن "إقليم إيميليا رومانيا لطالما دعم بكل ما يملك من قوة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ودان بوضوح المنظمات الإرهابية مثل حماس، ومذبحة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023) وطالب بتحرير جميع الرهائن". وفي موقف مماثل، أعلن عمدة مدينة بولونيا، التابعة لإقليم إميليا رومانيا، ماتّيو ليبوري، السبت الماضي، أيضاً قطع العلاقات المؤسسية مع إسرائيل مردداً العبارات ذاتها التي وردت في خطاب دي، والذي توجه له بالشكر. ودعا ليبوري، في منشور على "فيسبوك"، مواطني المدينة إلى المشاركة في مسيرة وطنية في 15 يونيو/حزيران الحالي، من ضاحية مارزابوتّو إلى حديقة مونتي سولي ضمن مبادرة "أنقذوا غزة". وسرعان ما استجاب عمدة مدينة ريميني، في إقليم إميليا رومانيا، جميل ساديغولواد، شاكراً دعوة رئيس الإقليم، كما نسخ ولصق نص خطابه ونشره يوم الأحد الماضي على "فيسبوك".

في غضون ذلك، وسيراً على خطى مبادرة إقليم بوليا، تقدم رئيس مجموعة "تقدميون بحُرية" في برلمان إقليم كالابريا، جنوبي إيطاليا، يوم السبت الماضي، بمشروع قانون يلزم من خلاله البرلمان حكومة الإقليم بـ"قطع جميع العلاقات المؤسسية والتجارية والترويجية مع حكومة إسرائيل، إلى حين استعادة احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة". إلى جانب "إدانة العمليات العسكرية للحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة والتي أسفرت عن الكثير من الضحايا المدنيين وتدمير بنى تحتية أساسية، والاعتراف بفلسطين دولةً حرة مستقلة وذات سيادة".

وصلت الدعوات لقطع العلاقات مع إسرائيل إلى غربي إيطاليا، تقدم تكتل "يسار المستقبل"، مدعوماً بأغلبية يسار الوسط المتحد (يضم الحزب الديمقراطي وحركة 5 نجوم والتقدميين وتحالف الأحمر (اليسار) والأخضر ومتحدون من أجل أليساندرا تودّي وأفق مشترك)، أول من أمس الأربعاء، بمشروع قانون إلى مجلس سردينيا الإقليمي (برلمان سردينيا)، مطالباً الإقليم بقطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل، وإدانة انتهاكات حكومتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي. كذلك طالب المشروع باستئناف الموارد المالية المخصصة للتعاون الدولي مع تخصيص آلية وأموال محددة في موازنة الإقليم لتنفيذ مشروعات مع الكيانات الإنسانية والمدنية الفلسطينية، وخصوصاً في مجال الصحة والتعليم وحماية الطفولة. وكان برلمان سردينيا قد اعترف في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رسمياً بدولة فلسطين، وهو أحد الأقاليم الخمسة(فالي دي أوستا، فريولي فينيزيا جوليا، ترينتينو ألتو أديجي، سردينيا، وصقلية) التي تتمتع بالحكم الذاتي بموجب الدستور الإيطالي.

عقب إعلانه، الأحد  الماضي، إرساله طلباً إلى برلمان إقليم توسكانا يدعوه فيه إلى التعجيل بمطالبة الحكومة الإيطالية بالاعتراف بدولة فلسطين والإقرار بانتهاكات الحكومة الإسرائيلية لحقوق الإنسان والقانون الدولي، أكد رئيس إقليم توسكانا، أوجينيو جاني، الاثنين الماضي، أنه على استعداد لتأييد برلمان الإقليم حال اتخاذه "قراراً رمزياً" بقطع العلاقات المؤسسية مع إسرائيل. وبعد أن حصل أيضاً على تأييد حركة 5 نجوم، تقدم الحزب الديمقراطي، الثلاثاء الماضي، بمشروع قانون في هذا الاتجاه، إلى المجلس التشريعي لإقليم توسكانا، الذي من المنتظر أن يناقشه في جلسته المقبلة المقررة يومي 10 و11 يونيو الحالي. يُذكر أن جاني كان قد أعلن مشاركته، مع عمدة مدينة فلورنسا، سارة فونارو، في التظاهرة الوطنية الكبرى التي تنظمها أحزاب المعارضة الرئيسية في روما، يوم غد السبت، لإدانة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة والاعتراف بدولة فلسطين.

ردات فعل مضادة

رداً على هذه الإجراءات التي اتخذت عدة أشكال من قطع العلاقات مع إسرائيل أخيراً، لا سيما من قبل عمدة باري ورئيس إقليم بوليا، تقدم المحامي الإيطالي جانفرانكو باسّالاكوا، يوم الأحد الماضي، بمذكرة إلى منسق مكافحة معاداة السامية برئاسة مجلس الوزراء الإيطالي الفريق باسكوالي أنجيلوسانتو، حث فيها على تدخل القضاء في ما اعتبره "إجراءات ثقيلة وخطيرة، والتي من شأنها تغذية أجواء من عدم التسامح المعادية للسامية، في بلد يعتبر حليفاً تاريخياً لإيطاليا". في غضون ذلك، حاول البعض الإشارة إلى تداعيات قطع العلاقات مع إسرائيل وتأثيرها داخل إيطاليا، إذ اعتبر رئيس الجالية اليهودية في بولونيا دانييلي دي باز أن "هذه الإجراءات تخلق سوابق، علينا أن نكون حذرين حيالها، وعلى مؤسسات الدولة التحلي بروح المسؤولية عما يقال"، مضيفاً، في مقابلة مع صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، الأحد الماضي، أنه يتفهم موقف ليبوري ودي باسكالي "بيد أنه ينبغي عليّ أن ألفت انتباههما إلى التداعيات المحتملة لهذه البيانات على شوارعنا وساحاتنا. الأمر معقد". ورأى أن هذه القرارات من شأنها "إثارة أجواء من الكراهية والإقصاء حيال مجتمع يهودي وإسرائيلي يعيش في بولونيا وسيبقى فيها".

حراك مرشح للتوسع

حراك قطع العلاقات مع إسرائيل وحكومتها مرجع للتوسع، إذ رأى رئيس التجمع الوطني الفلسطيني في إيطاليا، الدكتور محمد حنون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك الذي بادر إليه إقليماً بوليا وإيميليا رومانيا، وبلديتا باري وبولونيا، مرشح للتنامي في الأيام المقبلة ليشمل مزيداً من الأقاليم والبلديات التي ستعلن مقاطعة دولة الاحتلال وكافة مجالات التعاون والاستثمارات والمشاريع مع الكيان الصهيوني"، مضيفاً أن "هناك بلديات ألغت بالفعل اتفاقيات توأمة مع بلديات إسرائيلية". وباعتقاد حنون، فإن المرحلة المقبلة "ستشهد ضغوطاً من قبل الجاليات اليهودية في إيطاليا وأوروبا على حكومة نتنياهو من أجل وقف شلال الدم والإبادة الجماعية في قطاع غزة، ونزع فتيل شيطنة الحركة الصهيونية في العالم"، وذلك على اعتبار أن هذا "المجرم ووزراء حكومته الفاشيون يسيئون إلى اليهود في العالم".

 محمد حنون: دعوة أحزاب معارضة لتظاهرة ضد الإبادة يوم غد السبت ما كانت لتتم لولا وجود ضغط داخل الأحزاب

من جهة أخرى، أشار حنون إلى أنه "بعد مرور أكثر من 600 يوم على الحرب في غزة، لاحظنا أن ثمة تغيراً إيجابياً طرأ على مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إذ تعالت الأصوات المنددة والمُدينة لإسرائيل في ظل استمرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة والأراضي المحتلة". وقال إن أحزاب المعارضة الرئيسية في إيطاليا (الحزب الديمقراطي وحركة 5 نجوم وتحالف الخضر واليسار) دعت، في هذا السياق، إلى تظاهرة وطنية يوم غد السبت في روما. وهذه المرة الأولى التي تنزل فيها هذه الأحزاب، ذات الكتل الوازنة في البرلمان، بأسمائها إلى الساحات لإدانة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، وهو ما اعتبره حنون "تطوراً إيجابياً ما كان ليتم لولا وجود قواعد داخل هذه الأحزاب تضغط على المستوى السياسي وعلى الأحزاب ذاتها للتحرك والتفاعل من أجل القضية الفلسطينية".

حراك من أجل العدالة

في هذا الصدد، رأت النائبة ستيفانيا أسكاري، المتحدثة باسم حركة 5 نجوم في مجلس النواب الإيطالي، أن القرارات التي اتخذها أخيراً إقليما بوليا وإيميليا رومانيا، والعديد من البلديات، من بينها باري وبولونيا، لقطع العلاقات مع إسرائيل "الإرهابية"، تمثل "حراكاً من أجل العدالة". وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الكيانات المحلية اختارت ألا تظل متواطئة في الإبادة الجماعية الجارية حالياً في غزة، والجريمة التي تتجدد كل يوم تحت أنظار العالم بأسره، وسط اللامبالاة التواطئية للعديد من الحكومات". ومن الواجب، وفق أسكاري، على أقاليم وبلديات أخرى "الاحتذاء بهذا المثال، كما يتعين على كل صاحب ضمير حي أن يتحرك الآن"، معتبرة أن "التزام الصمت إزاء المذابح التي راح ضحيتها آلاف المدنيين وأدت إلى محو أسر بأكملها من السجل المدني، يعد أحد أشكال التعاون مع من يقصف مستشفيات ومدارس ومراكز إيواء لاجئين. لذا، فإن كل يوم يمر في ظل هذا الصمت يساوي دماء بريئة تُسال بموافقتنا".

ستيفانيا أسكاري: تاياني وحكومة جورجيا ميلوني متواطئان بفعالية في مذبحة غزة

وبينما ترفع مؤسسات محلية صوتها، شددت أسكاري على أن "وزير الخارجية أنطونيو تاياني نجده قد سمح لنفسه بكبتها باعتبار أن السياسة الخارجية من اختصاص الحكومة، وليس الأقاليم". وبرأيها، "فعليه إذاً أن يضطلع بمسؤولياته. صحيح أن هذه الحكومة تدير شؤون السياسة الخارجية، ولكن من الجانب الخاطئ للتاريخ". كذلك اعتبرت أسكاري أن "تاياني وحكومة جورجيا ميلوني متواطئان بفعالية في مذبحة غزة، من خلال دعمهم غير المشروط لحكومة إرهابية، تلك التي يرأسها نتنياهو، متهمة بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية". وبرأيها، "يتعين على تاياني، بدلاً من إدانة من يتخذ مواقف، أن يستيقظ ويضرب مثالاً يحتذى به، وأن يكون هو أول من يقطع العلاقات مع مجرم حرب ومرتكب جرائم ضد الإنسانية". وأوضحت أنها تقول ذلك "لأن كل مصافحة وكل اتفاق وكل كلمة لا تُستعمَل من أجل وقف رعب الإبادة الجماعية هي وصمة عار لن تُمحى من الضمير"، مشددة على أن "الشعب الإيطالي يرى ويدرك ولن ينسى من تحلى بشجاعة التحرك، ومن اختار التواطؤ عبر الصمت".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows