الحكومة المصرية في “مأزق” الإفراج عن علاء عبدالفتاح.. مصادر: الحكومة ترفض الاستجابة للضغوط وتخشى “تداعيات تدهور صحة والدته”
Reports and Analysis
1 day ago
share

أعادت قضية الناشط الحقوقي المصري علاء عبدالفتاح والحاصل أيضاً على الجنسية البريطانية، مسألة الضغوطات الدولية على مصر، بعد أن كانت خفتت وتيرة الاهتمامات الدولية بقضايا حقوق الإنسان في مصر بوجه عام في الأشهر الماضية، وهو ما يضع القاهرة أمام خيارات صعبة هذه المرة مع تبني الحكومة البريطانية لمسألة الإفراج عن الناشط البارز مع تدهور حالة والدته ليلى سويف، الأكاديمية المصرية الإنجليزية المضربة عن الطعام منذ عدة أشهر للمطالبة بإطلاق سراحه.

وذكر مصدر أمني على صلة بهذا الملف أن الحكومة المصرية “ليست مضطرة للرضوخ إلى المطالب الخارجية بشأن الإفراج عن علاء عبدالفتاح لأنه مازال يقضي عقوبة قانونية داخل السجن بتهمة محددة تأتي في إطار جنائي وليس سياسي”، على حد تعبيره.

الحكومة تخشى التداعيات

وأوضح المصدر لـ “عربي بوست” أن الحكومة تضع الكثير من الخيارات في حالة إطلاق سراحه أو استمرار حبسه لحين انتهاء عقوبته، مشيراً إلى أنه في حال أفرجت الحكومة عن عبد الفتاح فإنها ستكون أكثر عرضة للضغط عليها في ملفات أخرى، وستطرأ تساؤلات حول تمتع من يحصلون على الجنسية الأجنبية بمعاملة مختلفة عن باقي المحبوسين على ذمة قضايا جنائية لكنها تتعلق بحرية الرأي، وستكون أمام سيل آخر من الضغوط والتدخلات التي تجعلها في موقف ضعف أمام الرأي العام المحلي والعالمي.

أما في حال تجاهلت الحكومة مطالب إطلاق سراحه – وفق المصدر ذاته – فإنها لا تأمن عواقب وفاة والدته التي تعاني أوضاع صحية متدهورة، وفي تلك الحالة ستتحول إلى أيقونة تستفز كثير من المنظمات الحقوقية الدولية نحو انتقاد الحكومة المصرية وأجهزتها، وقد يُحدث ذلك مشكلة أمنية داخلية ليس من المعروف تبعاتها، على حد قوله.

وأشار المصدر المطلع على تفاصيل هذا الملف إلى أن الأجهزة تعلم جيداً أن الإصرار على رفض الإنصات للمطالب الداخلية والخارجية من الممكن أن يؤدي لتعقيدات على مستوى علاقاتها الدولية مع أطراف مهمة تقدم دعماً اقتصادياً ولديها شراكات استثمارية مهمة في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي، في ظل توظيف القضية من جانب منظمات حقوقية لتبرهن على أن القاهرة غير جادة في إصلاح سجلها الحقوقي.

وأشار المصدر ذاته إلى أن مصر تخشى على صورتها كدولة متماسكة أمام المجتمع الدولي في كلا الحالتين، وبالتالي تتصرف وفق أسس لا تجعلها أداة قابلة للضغط السياسي، وتعمل في الوقت ذاته على إطلاق سراح معارضين سياسيين آخرين أبرزهم المرشح الرئاسي السابق أحمد طنطاوي في أعقاب انتهاء فترة عقوبته.

عفو رئاسي محتمل

ومن المتوقع – بحسب المصدر – أن تطلق الحكومة سراح عدد من الأسماء الشهيرة من خلال العفو الرئاسي الذي يتم إصداره بمناسبة عيد الأضحى، كاشفاً أن هناك نقاشات دائرة في الوقت الحالي حول مدى إمكانية تضمين اسم علاء عبدالفتاح بينهم.

ولفت إلى أن القاهرة أيضاً تسمح بأن يندمج بعض المعارضين في الحياة السياسية أمثال أحمد ماهر وأسماء محفوظ وإسراء عبدالفتاح، وتترك آخرين للتحرك سياسياً دون قيود مثل الناشط أحمد دومة. وقد يحدث ذلك أيضا مع أحمد طنطاوي، لتبعث الحكومة إشارات على أن الموقف من علاء عبدالفتاح قانوني، وأنه في حال كان يستحق أن يحصل على عفو رئاسي فإن ذلك يمكن أن يحدث دون الحاجة لكل هذه الضغوط، كما أنه مثل غيره من الممكن أن يستكمل عقوبته.

وذكر أن الحكومة قد تجد في الضغوطات الداخلية مدخلاً للإفراج عنه بغض النظر عن الضغوط الخارجية المتزايدة، ويمكن أن تشكل الاستغاثات العديدة التي وجهها العديد من السياسيين للرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الأيام والأسابيع الماضية مدخلاً مناسباً للإفراج عنه، لكنه يبقى قراراً سياسياً بالدرجة الأولى ويتوقف على ما إذا كانت الدولة المصرية ترى أن المتهم يشكل خطراً على الأمن القومي من عدمه، على حد تعبيره.

علاء عبد الفتاح مصر ناشط كصري
الناشط المصري البارز علاء عبد الفتاح – مواقع التواصل

ضغوطات من الحكومة البريطانية

ويتفق المصدر على وجود آراء مختلفة بشأن التعامل مع حالة الناشط الحقوقي، وهي تقديرات ترتبط بتأمين الحفاظ على الأمن الداخلي وعدم فتح نوافذ جديدة للضغط على النظام المصري، وفي الوقت ذاته لا تهدف لتراكم المشكلات الحقوقية والسياسية بما قد يستفز الرأي العام المحلي رغم أنه لا يولي اهتماماً بالقضايا السياسية بوجه عام، وقد يكون السخط ناتجاً عن تراكم المواقف والقرارات في قضايا مختلفة سياسية واقتصادية.

وكان المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قال يوم الثلاثاء 3 يونيو/حزيران، إن الحكومة البريطانية قلقة على صحة سويف وتواصل حث الحكومة المصرية على الإفراج عن ابنها، وقال المتحدث: “نحن قلقون للغاية بشأن نقل ليلى إلى المستشفى ونبقى على اتصال دائم مع عائلتها بشأن سلامتها”.

وأشار إلى أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، تحدث إلى نظيره المصري يوم الأحد 1 يونيو/ حزيران، وحثه على إطلاق سراح عبد الفتاح، مشيراً إلى أن “الحكومة ملتزمة تماماً بالإفراج عن علاء عبد الفتاح.. والتواصل مستمر مع الحكومة المصرية على أعلى المستويات”.

وأعلنت الحكومة البريطانية في وقت سابق الأسبوع الماضي أن مكالمة هاتفية أجراها رئيس الوزراء كير ستارمر مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ناقشا تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وملف الحقوقي المصري الحامل للجنسية البريطانية علاء عبدالفتاح، وأن “الإفراج الفوري عنه بات ضرورة ملحة لإنهاء المعاناة التي يتعرض لها هو وأسرته”.

ويواجه علاء عبدالفتاح، البالغ من العمر 43 عاماً، عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة، تنتهي في يناير/ كانون الثاني 2027، غير أن أسرته طالبت النائب العام المصري باحتساب فترة قضائه الحبس احتياطياً ضمن مدة العقوبة للإفراج عنه حيث أنه جرى إلقاء القبض عليه في عام 2019، غير أن الحكومة المصرية رفضت مراراً وتكراراً الاستجابة لهذا الطلب.

الملف الحقوقي لم يعد على رأس أولويات المجتمع الدولي

وقال مصدر حقوقي قريب من الحكومة، إن الحكومة المصرية لديها هواجس عديدة من عودة توظيف ملف حقوق الإنسان سياسياً للضغط عليها، وأنها خضعت في السابق للعديد من الضغوط منذ العام 2011، إلى أن استطاعت أن تُحكم علاقاتها مع قوى إقليمية عديدة بحلول العام 2016، وجاء رحيل نظام الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما دافعاً نحو تفويت الفرصة على مسألة الضغط السياسي وضيقت الخناق على المنظمات الحقوقية التي طالما أصدرت تقارير شكلت أداة ضغط من جهات دولية مختلفة.

وأوضح المصدر الذي يعمل بإحدى الهيئات الحقوقية التابعة للحكومة، أن القاهرة تمضي في طريق صم آذانها عن الاستجابة لمطالب الإفراج عن عبدالفتاح، وهي تضع في اعتباراتها أن الملف الحقوقي لم يعد على رأس أولويات المجتمع الدولي الآن في ظل التصعيد الإقليمي والدولي في بؤر مختلفة ومع حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وهي جرائم لا يمكن مقارنتها بحبس أحد المعارضين على ذمة قضية جنائية وليست سياسية من وجهة نظرها، لكن ما يجعلها قد تفكر بمنظور مختلف هو تأثير قضية عبدالفتاح على علاقاتها الدولية مع الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المانحة.

ولفت إلى أن القاهرة تراهن على أن تخفت حدة الانتقادات بعد فترة وجيزة مثلما حدث ذلك أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ إذ جرى توظيف الحدث الدولي الذي استضافته مصر قبل ثلاث سنوات كمنصة لانتقاد النظام المصري والمطالبة بالإفراج عنه من جانب أسرته، وفي ذلك الحين كانت التوقعات تشير لاستجابة القاهرة إلى الضغوطات بخاصة وأن قمة المناخ حضرها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لكنها رفضت الانصياع للمطالب العديدة، غير أن المصدر ذاته يعترف بأن الضغوط هذه المرة أشد ضراوة من قبلها.

ومع نهاية الشهر الماضي قالت لجنة أممية مؤلفة من محققين مستقلين في حقوق الإنسان إن السلطات المصرية تحتجز الناشط السياسي المصري البريطاني علاء عبد الفتاح بشكل غير قانوني، ودعت الحكومة إلى الإفراج عنه على الفور، حسبما أفادت أسرته، الأربعاء 4 يونيو/ حزيران.

وذكر الفريق الأممي العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن عبد الفتاح محتجز بشكل تعسفي وأن السلطات المصرية ملزمة بالإفراج الفوري عنه بموجب القانون الدولي، وفقاً لرأي قانوني يشاركه الفريق مع محاميه. ورحبت منظمة “مراسلون بلا حدود” بقرار الفريق وحثت مصر على احترامه من دون مزيد من التأخير.

وخلال هذا الأسبوع عبرت 41 جمعية ومنظمة حقوقية ومدنية عربية ودولية، عن قلقها البالغ إزاء تدهور الحالة الصحية للأكاديمية الدكتورة ليلى سويف، التي تخوض إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ سبتمبر 2024، احتجاجًا على استمرار حبس نجلها، علاء عبد الفتاح، رغم انتهاء مدة محكوميته، مطالبة بالإفراج الفوري عنه.

وأكدت المنظمات، في بيان مشترك بتاريخ الاثنين 2 يونيو 2025، تضامنها الكامل مع سويف، مستنكرة ما وصفته بالتعنت في مواصلة سلب حرية عبد الفتاح، الذي تعرض على مدار أكثر من عقد لانتهاكات جسيمة، شملت الاعتقال التعسفي والتعذيب والمحاكمات غير العادلة، بسبب مواقفه وأفكاره ودفاعه عن حرية التعبير والعدالة الاجتماعية. وأشار البيان إلى أن الوضع الصحي الخطير لسويف، التي تعاني من هبوط حاد في نسبة السكر، مما يهدد حياتها، ما يضع السلطات المصرية والمجتمع الدولي أمام مسؤولية إنسانية عاجلة، وطالبت المنظمات السلطات المصرية بالإفراج عن علاء عبد الفتاح، الذي تم إلقاء القبض عليه لأول مرة في نوفمبر 2013 إثر مشاركته في مظاهرة سلمية أمام مجلس الشورى ضد قانون التظاهر، ثم أعيد حبسه في سبتمبر 2019.

ليلى سويف والدة علاء عبد الفتاح المضربة عن الطعام/ رويترز

ملف حقوق ومأزق الضغط السياسي

وقال المصدر الحقوقي، إن الحكومة المصرية تجد نفسها في مأزق الآن لأن الإفراج عن الناشط المعارض سيثبت أن هناك تدخلات خارجية في منظومتها القضائية التي تعمل على أن تكون صورتها إيجابية أمام الرأي العام، وفي حال أبقت على موقفها فإنها ستواجه احتمالات التصعيد السياسي والدبلوماسي ضدها. وأضاف “في كلا الحالتين فإنها ستخرج خاسرة لأن صورتها الحقوقية أمام المجتمع الدولي ستكون قد تعرضت للاهتزاز وأن واقعة الناشط الحقوقي تأتي بعد أشهر من توجيه مئات التوصيات بشأن تحسين أوضاع حقوق الإنسان خلال المراجعة الدورية الشاملة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان”.

وأوضح أن الضغوطات الحالية تتزامن أيضاً مع استقالة رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، السفيرة مشيرة خطاب، وهي هيئة حكومية لكنها تبقى مهمتها التواصل مع المجلس العالمي لحقوق الإنسان لتقديم شرح وافي عن أوضاع حقوق الإنسان وتحسين بيئة حقوق الإنسان في الدول التي تتواجد فيها، وهي استقالة لا تنفصل عن مشكلات عميقة في السجل الحقوقي المصري وأثرت على تصنيف المجلس عالمياً، وكذلك لها ارتباط بمواقف اتخذتها السفيرة المستقيلة بشأن دعم مطالب الإفراج عن الناشط علاء عبدالفتاح.

وذكر المصدر ذاته أن القاهرة يمكن أن تستجيب للضغوط في حال ارتبطت بمطالب نحو إحداث تحسينات أو إصلاحات عامة في سجلها الحقوقي دون أن يكون الأمر مرتبطاً بأشخاص بعينهم بخاصة إذا كان هذا الشخص هو علاء عبدالفتاح الذي قضى فترات طويلة داخل السجن خلال العقد الأخير، مشيراً إلى أن أي تقارير أممية تخرج بعيداً عن المجلس الدولي لحقوق الإنسان لا تتعامل معها القاهرة بالجدية المطلوبة فهي تؤكد أنها تلتزم بما يخرج من توصيات لها أثناء المراجعة الدورية الشاملة.

وأشار إلى أن مصر تتعامل مع ملف حقوق الإنسان في هذه الفترة على أنه بوابة للضغط السياسي عليها مع رفضها تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهالي قطاع غزة إلى أراضيها، وبالتالي فإن تجاوبها مع المطالب سيبقى محدوداً إلا في حال وجدت أن أضرار رفض إطلاق سراحه أكثر من فوائده وفي تلك الحالة يمكن أن تأخذ خطوات للوراء.

وأُدخلت ليلى سويف الخميس 29 مايو/أيار إلى قسم الطوارئ في مستشفى «سانت توماس» بالعاصمة البريطانية لندن، بعد تعرضها لانخفاض حاد في مستوى السكر في الدم إلى مستوى خطر، ودشن سجناء رأي سابقون حملة توقيعات للمطالبة بالإفراج عن علاء. وقام ممثلون عن كل من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس فيرست، الأربعاء، بزيارة ليلى سويف، للتعبير عن تضامنهم معها، مع تدهور حالتها الصحية بشكل كبير مع استمرارها تحت الإضراب لمدة ٢٥٠ يومًا ويقول الأطباء إنها تواجه خطر “الموت المفاجئ”.

وناشد عدد من الشخصيات العامة والسياسية والأكاديمية والحقوقية في مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإصدار قرار بالعفو الرئاسي عن الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، المودع حالياً بسجن وادي النطرون، استناداً إلى المادة 155 من الدستور المصري، التي تخول رئيس الجمهورية صلاحية العفو. وأكد الموقعون على المناشدة أن علاء عبدالفتاح مواطن مصري يخضع للدستور والقانون، وطلب العفو يأتي من منطلق إنساني في ظل الظروف الصحية والنفسية التي تعاني منها أسرته، وعلى رأسها والدته الدكتورة ليلى سويف، المضربة كلياً عن الطعام، ونجله وزوجته وشقيقتاه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows