مناورات "نسور الحضارة" بين مصر والصين... انفتاح عسكري محسوب
Arab
4 hours ago
share

في خطوة تعد الأولى من نوعها، أطلقت مصر والصين مناورات جوية مشتركة، منتصف الشهر الحالي، حملت اسم "نسور الحضارة – 2025"، وذلك من قاعدة وادي أبو الريش الجوية، جنوبي مصر، شاركت فيها طائرات مقاتلة من طرازات متعددة عن الجانبين. ويرى خبراء أن إطلاق تدريب جوي مشترك -وهو أعلى درجات التنسيق العملياتي العسكري- يمثل قفزة نوعية في مستوى التعاون بين الجيشين المصري والصيني، إذ يعكس اختيار الطيران تحديداً، مدى الثقة الفنية المتبادلة، ويشير إلى استعداد كلا البلدين لاختبار قدراتهما التكتيكية جنباً إلى جنب، في بيئة عملياتية مشتركة. ويلفت هؤلاء إلى أن هذا التطور يأتي وسط ظروف إقليمية ودولية حساسة.

مناورات جوية بين مصر والصين

وأعلنت وزارة الدفاع الصينية، أن المناورات ستستمر حتى مطلع مايو/ أيار المقبل، مشيرة في بيان يوم 16 إبريل الحالي، إلى أن التدريب المشترك هو الأول بين القوات الجوية في البلدين، و"يمثل أهمية كبيرة لتطوير التعاون العملي وتعزيز الثقة المتبادلة والصداقة بين الجيشين". من جهته قال المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، عبد الحافظ غريب، في بيان الأسبوع الماضي، إن  المناورات تأتي "في إطار تعزيز علاقات التعاون العسكري بين القوات المسلحة المصرية والصينية". وعلى الرغم من أن العلاقات بين مصر والصين لم تكن يوماً فاترة، لكنها تمركزت في إطار الشراكة الاقتصادية والاستثمارية، مع توسع النفوذ الصيني في مشاريع البنية التحتية والطاقة داخل مصر، وضمن مبادرة "الحزام والطريق" (أطلقته بكين عام 2013 لإحياء طريق الحرير القديم، يشمل مشاريع مواصلات وبنية تحتية). أما التعاون العسكري بين البلدين فظل مقتصراً على مجالات محدودة مثل تبادل الوفود، وشراء المعدات، والتدريب التقني.

ووفقاً لخبراء إنه على المستوى الإقليمي، تزداد التحديات الأمنية في الشرق الأوسط، من استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتصعيد في البحر الأحمر (هجمات الحوثيين الضربات الأميركية على اليمن)، إلى التوترات في السودان وليبيا، والتي تشكل جميعها ضغوطاً استراتيجية على مصر. وتبحث القاهرة وفق هؤلاء، عن تنويع تحالفاتها الدفاعية وتوسيع هامش المناورة. أما دولياً فتشتد وطأة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، مع دخولها أبعاداً جديدة تتعلق بالتكنولوجيا والأمن القومي وسلاسل التوريد. وفي هذا السياق، تُرسل مناورات "نسور الحضارة" إشارات مزدوجة: من بكين بأنها ماضية في توسيع رقعة نفوذها العسكري والسياسي حتى إلى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، ومن القاهرة بأنها منفتحة على صياغة توازنات جديدة تخرج عن القوالب التقليدية.

رسالة إلى الشركاء الغربيين

في هذا السياق يرى أيمن سلامة، الخبير المصري العسكري وضابط الاتصال السابق بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن توجه مصر نحو تعزيز التعاون العسكري مع الصين في هذا التوقيت "يمكن تفسيره بعدة عوامل متشابكة". يأتي في مقدمة هذه العوامل "سعي القاهرة إلى تنويع شراكاتها الدولية، بما يشمل المجال العسكري، وعدم الاعتماد بشكل حصري على شريك واحد". ويوضح سلامة أن "الصين تمثل قوة دولية صاعدة تمتلك إمكانات عسكرية متقدمة، ما يجعلها خياراً جذاباً لمصر من أجل تطوير قدراتها الدفاعية وتبادل الخبرات القتالية"، مشيراً إلى أن التعاون بين مصر والصين "قد يتيح للقاهرة فرصاً للحصول على تكنولوجيا عسكرية متطورة وأنظمة دفاعية تتلاءم مع احتياجاتها، وبتكلفة قد تكون أكثر تنافسية من مصادر أخرى".

وتحمل المناورات الأخيرة بين البلدين، برأي سلامة "رسالة سياسية ضمنية موجهة إلى الشركاء التقليديين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، مفادها بأن مصر تسعى لتأكيد استقلالية قرارها في إدارة علاقاتها الدولية، وبناء سياسة خارجية متوازنة، بعيداً عن الارتهان لمحور واحد". وحول الدلالات الفنية للمناورات الجوية المشتركة، يشير إلى أن "هذا النوع من التدريبات يتجاوز البعد الرمزي، إذ يتطلب درجة عالية من التوافق في المفاهيم والإجراءات العسكرية، خصوصاً في مجال حساس ومعقد كالقوات الجوية". ويمثل التعاون العسكري مع الصين، بحسب سلامة، خطوة مهمة "ضمن توجه مصري واضح لتنويع الشركاء الدفاعيين، وتحقيق توازن أكبر في علاقاتها الدولية، بما يعزز من قدراتها العسكرية ويخدم مصالحها الاستراتيجية في ظل بيئة إقليمية ودولية متقلبة".

مختار الغباشي: قد تكون رسالة مصر إلى الشركاء الغربيين امتلاكها بدائل 

بدوره يقول نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مختار الغباشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إطلاق مناورات جوية مشتركة بين مصر والصين "يعكس انفتاحاً مصرياً محسوباً على قوى دولية متعددة". ويعتبر من جهة أخرى أن هذا الانفتاح "لا يُعد تحولاً دراماتيكياً في خريطة تحالفات الشرق الأوسط، التي ما زالت خاضعة إلى حد بعيد للنفوذ الغربي بقيادة الولايات المتحدة". وبرأي الغباشي "ربما تكون مصر، من خلال هذه المناورات، توجّه رسالة إلى الشركاء الغربيين بأنها تملك بدائل، أو على الأقل أوراق ضغط جديدة". ويوضح أن القاهرة "في الوقت نفسه لا تقطع مع تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن، والذي ما زال قائماً، لا سيما في ملفات التعاون العسكري والمساعدات الدفاعية".

عمار فايد: الولايات المتحدة وأوروبا تظلّان الشريك العسكري الرئيسي لمصر

أما الباحث المصري في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، فيعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التدريب الجوي المشترك بين مصر والصين "يمثل تطوراً طبيعياً للعلاقات المتنامية بين البلدين، لكنه لا يشير إلى تغيير في التوجهات الاستراتيجية للقاهرة". ويوضح أن "الولايات المتحدة وأوروبا تظلّان الشريك العسكري الرئيسي لمصر"، مشيراً إلى أن "تحديث قدرات الجيش المصري خلال العقد الأخير اعتمد أساساً على مصادر غربية، بما في ذلك مقاتلات رافال (الفرنسية) والغواصات الألمانية، في وقت تتفاوض فيه القاهرة حالياً للحصول على مقاتلات يوروفايتر وصواريخ ميتيور (الأوروبية)". وقد يعرّض التحول نحو الصين، وفق فايد، في مجالات تسليح استراتيجية مثل المقاتلات المتقدمة، "مصر لضغوط غربية وربما عقوبات، كما حدث سابقاً مع محاولة شراء طائرات روسية"، لافتاً إلى أن "المساعدات الأميركية واتفاقات الصيانة والتدريب طويلة الأمد تجعل من الصعب فك الارتباط مع الغرب".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows