خطيئة “حرق المراحل” و”بهلوانيات القوة”.. خبراء سعوديون يقرؤون “العناد السياسي” للمجلس الانتقالي
أهلي
منذ ساعتين
مشاركة

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:

في قراءة معمقة للمشهد اليمني المتلاطم، تنظر النخب السعودية إلى التحركات الانفصالية الأخيرة للمجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة بوصفها “خطيئة سياسية” كبرى ومقامرة غير محسوبة تضع “عربة” المصالح الضيقة أمام “قطار” الاستقرار الوطني الشامل.

وبالنسبة لموقف المملكة الرسمي فإن البوصلة تتجه دائماً نحو “وحدة الصف” ودعم المركز القانوني للدولة ، معتبرة أن أي محاولة لاختزال القضية الجنوبية العادلة في مغامرات عسكرية عابرة هو طريق مسدود لن يفضي إلا إلى تعزيز نفوذ الجماعات المتطرفة وتهديد أمن الملاحة الدولية.

يستعرض “يمن مونيتور” في هذا التقرير رؤية النخب السعودية لتصعيد المجلس الانتقالي شرقي البلاد، مستخلصاً مواقف أبرز الخبراء والمحللين التي رصدت معظمها خلال حديثهم على التلفزيون الوطني السعودي.

 

نقد التغول العسكري والقفز فوق التوافقات

الدكتور عبد العزيز بن صقر (رئيس مركز الخليج للأبحاث)

أعرب الدكتور عبد العزيز بن صقر عن استغرابه الشديد من تصرفات المجلس الانتقالي، مشيراً إلى أن رئيس المجلس هو عضو في مجلس القيادة الرئاسي، مما يجعل اتخاذ قرار أحادي بتحريك قوات عسكرية والاعتداء على القواعد العسكر في حضرموت والمهرة أمراً غير صائب.

وأكد أن بيان المملكة العربية السعودية يشدد على عدم شرعية هذه القرارات، معتبراً أن الشرعية الوحيدة هي مجلس القيادة الرئاسي، وأن محاولة فرض واقع عسكري جديد أمر غير مقبول دولياً وإقليمياً. كما أشار إلى أن هذه التحركات تمنح جماعة الحوثي فرصة للتمدد والدخول في مواجهات جديدة، مما يهدد أمن الحدود السعودية الطويلة مع اليمن.

واستعرض بن صقر ثلاثة سيناريوهات محتملة للأزمة: الأول وهو الأسوأ يتمثل في مواجهة عسكرية بين قوات “درع الوطن” وقوات الانتقالي، مما يؤدي لإراقة دماء الجنوبيين؛ والثاني هو الوصول لمفاهمة سياسية بروية؛ أما الثالث فهو بقاء الوضع على ما هو عليه مع استنزاف إنساني وأمني.

ولفت إلى أن استقرار اليمن هو الأساس لتحسين الوضع الاقتصادي، محذراً من أن أي انفلات أمني سيجعل الجميع خاسراً، خاصة في ظل الحاجة الماسة للموارد النفطية لتلبية احتياجات الشعب.

كما انتقد التأخر في اتخاذ إجراءات حازمة ضد العسكريين المتمردين والوزراء المؤيدين لهذه التحركات الأحادية.

وهم الرهان على الخارج

الدكتور علي العنزي (باحث في العلاقات الدولية)

يؤكد الدكتور علي العنزي أن بيان مجلس الأمن الدولي الأخير يمثل رسالة واضحة لكل من يحاول زرع الفرقة أو القيام بتصرفات أحادية تهدف لشرذمة اليمن وتقسيمه. ويرى أن الموقف الإقليمي والدولي يرفض أي انقسام، مما يوجب على المجلس الانتقالي إعادة حساباته والحرص على أن يكون مكوناً للبناء لا للتقسيم.

ويشدد العنزي على ضرورة ألا تراهن الميليشيات أو المجلس الانتقالي على الدعم الخارجي الذي يسعى للتقسيم “لأن تقسيم اليمن ليس في صالح لليمن وليس في صالح المنطقة ولن يسمح لاي مكون يمني بان يتخذ اجراءات أحادية”؛ داعياً المجلس للعمل بل على من يسعون لاستقرار اليمن.

كما دعا قبائل حضرموت والمهرة للالتفاف حول مجلس القيادة الرئاسي بصفته الممثل الشرعي والوحيد المعترف به دولياً، محذراً من أن المنطقة لا تحتمل أزمة تصعيد جديدة تعيق التنمية والاستقرار.

ويحذر العنزي من تكرار “تجربة الحوثي السيئة” في الجنوب، مؤكداً أن قفز أي ميليشيا على السلطة سيجعل اليمن بؤرة للهجرات غير الشرعية والقرصنة التي تهدد الممرات الدولية كباب المندب والبحر الأحمر.

ويرى أن الطريق أصبح مسدوداً أمام أي تحركات أحادية بعد الموقف الدولي الصارم والدعم السعودي المباشر لمجلس القيادة.

 

حرق المراحل وضيق الأفق

الدكتور أحمد الشهري (رئيس منتدى الخبرة السعودي)

أكد الدكتور أحمد الشهري أن تاريخ اليمن يثبت أن الاستقرار لا يأتي إلا عبر الحوار والاتفاق، بينما لم تقدم الحروب أي فائدة تذكر. ورأى أن من يقفون خلف الانتقالي يحاولون فرض واقع داخل الشرعية يخالف اتفاق الرياض، مما ينقل المجلس من شريك فاعل في الحكومة إلى لاعب يبحث عن مصالح آنية ضيقة.

وحذر الشهري من أن محاولة شخص من محافظة واحدة (الضالع) فرض سيطرته على كافة المحافظات الجنوبية كحضرموت والمهرة وأبين ستؤدي إلى فشل ذريع وتصدع داخلي يخسر فيه الجميع ويربح فيه الحوثي وحده.

وشدد الشهري على أن المملكة العربية السعودية استثمرت المليارات في البنية التحتية والتعليم والصحة في اليمن، وأن اندلاع الصراع مجدداً سيفقد اليمنيين كل هذه المكتسبات.

وأوضح أن مقومات قيام دولة مستقلة في الجنوب غائبة حالياً في ظل توقف شريان النفط وانهيار الاقتصاد، مؤكداً أن الدعم السعودي المستمر للبنك المركزي اليمني يهدف للحفاظ على العملة واستقرار المعيشة.

واعتبر أن المطالب السياسية يجب أن تؤجل إلى ما بعد دحر الانقلاب الحوثي في صنعاء، واصفاً القفز إلى هذه القضايا الآن بأنه “حرق للمراحل” وتجاوز للمقررات الدولية.

اجتماع قيادة الانتقالي في 9/12/2025

خطيئة التفكيك وجبل جليد التاريخ

منيف بن عماش الحربي (كاتب وباحث سياسي)

أكد منيف بن عماش الحربي أن التحركات الأخيرة التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي تتجاوز كونها مجرد خطأ سياسي عابر، بل هي “خطيئة” كبرى بحق المشروع الوطني اليمني. وأوضح الحربي أن هذه التصرفات تمثل تمرداً صريحاً ومكتمل الأركان على مجلس القيادة الرئاسي وعلى مضامين اتفاق الرياض الموقع في عام 2019.

ويرى أن المجلس الانتقالي يهدف من خلال هذه المناورات إلى تفكيك الحكومة اليمنية من الداخل، وهو ما استدل عليه بتأييد عدد من الوزراء والمحافظين لتلك التحركات، مما أوجد شرخاً عميقاً في بنية السلطة الشرعية.

ويعتقد الحربي أن هذا التمرد قد أحدث ضرراً بالغاً قد يستدعي مستقبلاً إجراء عملية إعادة هيكلة شاملة لمجلس القيادة الرئاسي ولنظام الحكم ككل، نتيجة التجاوزات التي طالت المركز القانوني للدولة.

وأشار إلى أن المجلس الانتقالي يرتكب مغامرة غير محسوبة وهو يدرك في قرارة نفسه أنه لا يستطيع الذهاب بعيداً في هذا المسار، خاصة في ظل الرفض الإقليمي والدولي لأي خطوات أحادية الجانب.

وحذر الحربي من أن استمرار هذا النهج سيجعل المجلس القيادي يعاني طويلاً من تبعات هذا التمرد، مالم يتم تدارك الموقف والعودة إلى مظلة الشرعية.

وفي قراءته لدوافع المجلس، لفت الحربي إلى أن المجلس الانتقالي قد يكون توهم أن دخوله كعضو في مجلس القيادة الرئاسي، وامتلاكه لثلاثة أعضاء من أصل ثمانية، يمنحه نفوذاً مطلقاً يخول له قلب الطاولة على الشركاء السياسيين.

وأكد أن هذه القراءة الخاطئة لموازين القوى هي ما دفعت المجلس لتبني مواقف سياسية عليا ليست من اختصاصه، مما هدد وحدة القرار الوطني. وشدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب ضغوطاً إقليمية ودولية مكثفة على المجلس الانتقالي وعلى الأطراف الداعمة له لثنيه عن هذا المسار التصعيدي.

 

بهلوانيات القوة والاحتراف السياسي

بدر القحطاني (مدير تحرير الشؤون الخليجية في صحيفة الشرق الأوسط،)

يرى بدر القحطاني، أن المعضلة الأساسية للمجلس الانتقالي الجنوبي تكمن في غياب استراتيجية سياسية حقيقية وواقعية، واعتماده المفرط على القوة العسكرية لانتزاع مكاسب لا تترجم لاحقاً إلى أداء سياسي فعال.

وأوضح القحطاني أن ادعاء المجلس بتمثيل كافة الجنوبيين غير دقيق، مشيراً إلى أن حضوره الحالي يعتمد بشكل كبير على الدعم المالي والعسكري الذي يتلقاه منذ تأسيسه في عام 2017، وهو ما لا يمنحه الحق في فرض أجندته على المسار الكامل لحل الأزمة اليمنية المعقدة.

وفيما يخص التحركات العسكرية في مناطق استراتيجية مثل حضرموت، لخص القحطاني موقفه بالنقاط التالية:

  • اعتبر القحطاني أن تصعيد المجلس الانتقالي في ظل وجود هدنة ومبادرة سعودية للسلام هو أمر “مخجل” للمراقبين، خاصة وأن الحوثيين أنفسهم أبدوا رغبة في الركون للحل السياسي، متسائلاً عن جدوى محاولة “حرق المراحل” وفرض الأمر الواقع بعيداً عن طاولات الحوار.
  • وصف الإجراءات المتخذة في حضرموت بأنها “بهلوانيات سياسية”، مؤكداً أن الطريق الصحيح لتحقيق المطالب السياسية يمر عبر الحوار الشامل وليس عبر خطوات عسكرية أحادية.
  • أثنى القحطاني على الدور الذي لعبه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في احتواء الأزمة بهدوء وروية، مما منحه قوة سياسية وأوراقاً ضاغطة مدعومة دولياً ضد أي تمرد أو خروج عن الدستور.

كما أوضح القحطاني أبعاد الموقف السعودي وقوات “درع الوطن”، مشيراً إلى أن البيان السعودي الأخير سهل المهمة على قوات الانتقالي لاتخاذ القرار الصائب بالانسحاب وتغليب المصلحة العامة. وأكد أن قوات “درع الوطن” هي قوات تحتكم للقائد الأعلى (رئيس مجلس القيادة) وأن 80% من منتسبيها جنوبيون، وبالتالي فهي لا تصطدم مع المخاوف الجنوبية من فرض سيطرة قوى شمالية.

وفيما يتعلق بمستقبل القضية الجنوبية، شدد القحطاني على أن المملكة العربية السعودية ليست ضد آمال الجنوبيين السياسية، بل تدعم حل قضيتهم العادلة في إطار تسوية شاملة وبطرق سلمية تضمن مستقبلاً أفضل، بعيداً عن المتاجرة بالقضية لتحقيق مصالح ضيقة لقيادات تبحث عن نفوذ وقتي.

واختتم بالتأكيد على أن السعودية تقوم بدور الوسيط الضامن بين كافة القوى، وأن القضية الجنوبية تحتل أولوية في أي حل سياسي قادم وفقاً لاتفاق الرياض والمبادرة السعودية.

 

كلفة التأخير أعلى من كلفة الحسم

الدكتور تركي القبلان (رئيس مركز ديمومة للدراسات والبحوث)

حذر د.تركي القبلان من أن نافذة احتواء اعتداءات ميليشيا المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة تضيق سريعاً، مؤكداً أن كل تأخير في حسم الموقف لا يعني تجنب الكلفة بل مضاعفتها وتحويلها إلى فاتورة استراتيجية ثقيلة ستتحملها المملكة العربية السعودية بشكل أساسي بحكم مسؤولياتها الإقليمية. وأشار إلى أن تجارب المنطقة، مثل ما حدث في السودان مع قوات الدعم السريع، تثبت أن المليشيات لا تتوقف بإرادتها، بل إن التردد في مواجهتها يحولها إلى قوى مدمّرة تكسر بنية الدولة وتفرض كلفة أمنية وإنسانية هائلة على الجوار العربي.

وأوضح القبلان أن حضرموت والمهرة تمثلان “عقدة توازن إقليمي” وليستا مجرد مناطق هامشية، وأن أي انزلاق أمني فيهما سيحول الجنوب إلى جبهة استنزاف مفتوحة تمنح القوى المعادية فرصة للتسلل عبر الفراغ والفوضى. كما حذر من أن غياب الردع الحاسم سيرسخ منطقاً خطيراً مفاده أن “السلاح يفرض الوقائع” وأن من يبتز الاستقرار يكافأ بالصبر عليه، مما يقوض المركز القانوني للدولة اليمنية ويقضي على أي مسار سياسي مستقبلي.

ويرى القبلان أن استمرار الأزمة دون حسم يزيد من احتمالات تحول الصراع من “الاحتواء المحلي” إلى “التدويل القسري”، مما سيضع الرياض لاحقاً أمام خيارات صعبة وتدخلات أكثر كلفة لمعالجة النتائج بدلاً من منع الأسباب. وأكد أن الوقت عامل منحاز للفوضى وليس محايداً؛ فالميليشيات حين تُترك لتختبر حدود الصبر لا تتراجع بل تتقدم لتبني سرديتها وقوتها، مما يحول التردد الذي قد يبدو عقلانيًا في لحظته إلى خطأ استراتيجي عند تغير المعادلات على الأرض.

وفي ختام رؤيته، شدد القبلان على أن دعوته للحسم ليست دعوة للتصعيد، بل هي إجراء ضروري لمنع الانفجار وإعادة الاعتبار للدولة اليمنية المحمية بموجب القرار الدولي 2216. وطالب بحماية حضرموت والمهرة بوصفهما ركيزتين للاستقرار لا ساحتي اختبار، مؤكداً على ضرورة إغلاق هذا المسار الانفصالي الآن وهو لا يزال قابلاً للإغلاق، قبل أن يتحول إلى أزمة كبرى يدفع ثمنها الجميع، وفي مقدمتهم من سعى لحماية الاستقرار.

 

حين يغدو العناد طريقاً لفتح أبواب الجحيم

سلمان الأنصاري (محلل سياسي سعودي ومؤسس ورئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية – SAPRAC)

يرى سلمان الأنصاري أن التمرد الذي قام به المجلس الانتقالي وحرق المراحل السياسية بهذه السرعة يعكس “قصر نظر عجيب”، واصفاً هذه التحركات بأنها محاولة من المجلس لـ “إطلاق النار على أقدامه”.

ويعتقد أن المجلس قد أضاع فرصة تاريخية لا تُقدر بثمن للتعامل مع المراحل السياسية بهدوء وصبر عبر شراكة محلية حقيقية، لكنه اختار بدلاً من ذلك “نقض غزله بيده”.

ويؤكد الأنصاري أن قيادات الانتقالي استبدلت تمثيلها الرسمي داخل مجلس القيادة الرئاسي بكيان متمرد “منبوذ إقليمياً وعالمياً”، متوقعاً فرض عقوبات دولية كبيرة على هذه القيادات.

كما حذر من أن التعامل معهم سيكون كأي جماعة متمردة تستخدم السلاح والقوة لفرض إرادتها، مشدداً على أن القضية الجنوبية مشروعة لكن أسلوب الانتقالي يفتقر للحكمة ورؤية النتائج.

ويصف الأنصاري محاولة المجلس الانتقالي إدارة التناقضات (التواجد في الرئاسة والتمرد عليها في آن واحد) بأنها حالة “فصام سياسي حاد”.

ويحذر من أن فرض الأمر الواقع بالسلاح سيفتح “أبواب الجحيم” من إقصاء وملاحقة ومواجهة لن يطيقها المجلس، معرباً عن قلقه من نسف المكتسبات السابقة وتأجيل الاستحقاقات التنموية والاقتصادية للمواطنين

 

 

The post خطيئة “حرق المراحل” و”بهلوانيات القوة”.. خبراء سعوديون يقرؤون “العناد السياسي” للمجلس الانتقالي appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية