يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ خاص:
في قلب العاصمة المؤقتة عدن، وتحديداً داخل أروقة قصر المعاشيق الرئاسي، تدور فصول واحدة من أغرب التجارب السياسية في تاريخ الحكومات المعاصرة، حيث تقف حكومة واحدة برأسيين متنافرين وأجندتين متصادمتين. يضع وزراء المجلس الانتقالي الجنوبي قدماً في السلطة الشرعية بينما تظل القدم الأخرى راسخة في مشروع “استعادة الدولة”، وهو ما لم يكن نتاجاً لإيمان بوحدة المصير اليمني، بل تطبيقاً حرفياً لعقيدة “الشراكة التكتيكية” التي أطلقها قادة المجلس لوصف الوجود داخل مؤسسات الدولة كضرورة تمليها التوازنات الإقليمية وجسر للعبور نحو الانفصال بأقل الخسائر.
ويوم الأحد، أعلن عدد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً التابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي (أبرزهم وزراء الخدمة المدنية، والشؤون الاجتماعية، والزراعة، والنقل) تمردا صريحاً على مجلس القيادة الرئاسي بتأييدهم المطلق لمطالب الانفصال وإقامة ما يسمى “دولة الجنوب العربي”، وهو ما واجهه الرئيس رشاد العليمي بتوجيهات حازمة لاتخاذ إجراءات قانونية وإدارية بحقهم، معتبراً تصريحاتهم خرقاً جسيماً للدستور وتجاوزاً للصلاحيات الوظيفية التي تمس وحدة القرار السيادي.
وفي مشهد سريالي لا يحدث إلا جنوب اليمن، شارك وزراء ومسؤولين تابعين للمجلس الانتقالي في تظاهرات بساحة العروض في عدن، تطالب “بإعلان دولة الجنوب العربي”، وتندد بالحكومة التي هم أعضاء فيها. وأمام الحشود طالبوا رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي باتخاذ “خطوة تاريخية” لإعلان الدولة. وهو تتويج لسنوات من استخدام الوزراء لصفاتهم الحكومية لإضفاء شرعية على مطالب الانفصال، وتحويل الوزارات لخدمة الحشد الجماهيري للمجلس.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي كيف تحول هؤلاء الوزراء والمسؤولون المحسوبين على المجلس الانتقالي من موظفين عموميين إلى مهندسين لدولة الجنوب القادمة، مستخدمين الحصانة الوزارية والأختام الرسمية واتفاق الرياض 2019، ونقل السلطة 2022، لبناء المؤسسات الانفصالية من داخل رحم الشرعية نفسها في عملية “تمرد بيروقراطي” شاملة.

انقلاب الأختام
في تصريحات متعددة، أكد اللواء أحمد سعيد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، أن التراجع عن “الإدارة الذاتية” في 2020 والدخول في الحكومة لم يكن تراجعاً عن الهدف، بل وسيلة لانتزاع الاعتراف الدولي وتأمين الخدمات، مع الاحتفاظ بروح الإدارة الذاتية على الأرض.
هذه العقيدة تقوم على مبدأ أن “الشرعية” هي الجسر الوحيد المتاح للعبور نحو المجتمع الدولي. فبدون الحقائب الوزارية، يظل المجلس الانتقالي في نظر القانون الدولي “ميليشيا متمردة”. ولكن من خلال الحصول على صفة “وزير” أو “عضو مجلس رئاسي”، يكتسب قادته الحصانة الدبلوماسية، والقدرة على السفر الرسمي، والوصول إلى الموارد المالية السيادية، والحق في التفاوض باسم الدولة التي يسعون لتفكيكها.
يختلف نموذج المجلس الانتقالي عن نماذج “الدولة داخل الدولة” التقليدية (مثل حزب الله في لبنان). فبينما سعى حزب الله للسيطرة على قرار الدولة المركزية مع الاحتفاظ بسلاحه، يسعى المجلس الانتقالي إلى وراثة الدولة في جغرافية محددة. لذا، فإن وزراء الانتقالي لم يعملوا لإنجاح الحكومة، بل عملوا وفق استراتيجية “إدارة الفشل”. فاستمرار فشل الحكومة في توفير الخدمات وانهيار العملة يخدم سردية المجلس بأن “الوحدة فشلت” وأن “الحل في استعادة الدولة”، بينما هم أنفسهم يمسكون بمفاصل الوزارات الإيرادية والخدمية التي تسببت في هذا الفشل. ويبررون أن لا وحدة مع الحوثيين، بينما هم من يرفضون دمج قواتهم في وزارتي الدفاع والداخلية والبدء في عملية التحرير.
لذلك لم تكن مشاركة الانتقالي في الحكومة عشوائية، بل خضعت لحسابات دقيقة استهدفت السيطرة على الوزارات التي تمس الأرض، والإنسان، والموارد. فمن خلال تحليل التشكيلة الحكومية، نجد أن الانتقالي ركز على “الثالوث الاستراتيجي”: المنافذ والموارد (النقل والزراعة والثروة السمكية)، البنية الاجتماعية والإدارية (الشؤون الاجتماعية والخدمة المدنية)، والبنية التحتية (الأشغال العامة، الكهرباء)، والثروات (النفط والمعادن)، والعلاقات الدولية (وزارة التخطيط).
بمجرد أداء اليمين الدستورية، بدأ وزراء المجلس الانتقالي في تنفيذ خطة منهجية للسيطرة على الهياكل الإدارية للوزارات التي تقع تحت أيديهم. عُرفت هذه العملية في الأوساط السياسية بـ “التمكين” (Tamkeen)، وهي عملية إحلال وإبدال واسعة النطاق استهدفت “جنوبية” الوظيفة العامة (أي جعلها جنوبية خالصة وموالية للانتقالي) وتجريف أي تواجد لكوادر لاتنتمي للمجلس الانتقالي ولا تؤمن بالانفصال عن المحافظات الشمالية أو للأحزاب المنافسة، حتى لو كانت تلك الكوادر تكنوقراط من المحافظات الجنوبية.
ومنذ 2021 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2025 أصدر وزراء المجلس الانتقالي حزمة قرارات تكليف واسعة النطاق لمستشارين ومدراء عموم في وزاراتهم، جلهم من الكوادر الجنوبية الموالية للمجلس. هذه السياسة، المعروفة بـ “التمكين”، هدفت لزرع الدولة العميقة للانتقالي داخل الهيكل البيروقراطي، بحيث يضمن وجود حكومة ظل موازية قادرة على شلّ “حكومة الشراكة”، والانقلاب عليها عندما يحين الوقت المناسب، ويبدو أن “ساعة الصفر” أقرب من أي وقت مضى كما يقول قيادي في المجلس.
هذا التوزيع أتاح للمجلس الانتقالي إحكام قبضته على الدورة الاقتصادية والاجتماعية في المحافظات الجنوبية، وتحويل الوزارات من مؤسسات خدمية وطنية إلى أدوات لترسيخ النفوذ السياسي.
وتتجلى خطورة هذا النهج في تحويل الحقائب الوزارية إلى “إقطاعيات سياسية” لخدمة مشروع الانتقالي المدعوم إماراتياً. فبدلاً من أن تكون الوزارة أداة لخدمة كافة المواطنين اليمنيين وفق رؤية اتحادية، يتم تسخير إمكانياتها لبناء مداميك مؤسسات “جنوبية” موازية، وهو ما يفسر حدة الخطاب الرئاسي الأخير الذي رأى في هذه السلوكيات “تقويضاً متعمداً” لشرعية الدولة من داخل حصونها.
- تحليل معمق- من الشراكة إلى التفرد.. كيف يحوّل المجلس الانتقالي جنوب اليمن إلى ساحة نفوذ مطلق؟
-
الحرب الباردة في الجنوب تتصاعد.. المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية على حافة المواجهة

وزارة النقل كخزانة سيادية للانفصال
تعتبر وزارة النقل بقيادة الدكتور عبد السلام صالح حميد(قيادي بارز في الانتقالي ورئيس لجنته الاقتصادية) رأس الحربة في مشروع الاستقلال الاقتصادي للمجلس الانتقالي، حيث خضعت الحقيبة لحسابات دقيقة استهدفت السيطرة على الموانئ والمطارات والمنافذ البرية لضمان السيادة على المال والشرعية الدولية في آن واحد. وقد كشفت الوثائق عن عملية ممنهجة لتحويل المسار المالي للدولة، حيث أصدرت الوزارة بالتنسيق مع قيادات مالية محسوبة على الانتقالي توجيهات بوقف توريد إيرادات المؤسسات الكبرى مثل موانئ خليج عدن وجمارك المنطقة الحرة إلى البنك المركزي اليمني، وفتح حسابات جارية خاصة في البنك الأهلي اليمني تخضع لسيطرة المجلس المباشرة.
ومارست اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للمجلس الانتقالي ويرأسها الوزير حميد، صلاحيات تفوق سلطة وزارة المالية والبنك المركزي، عبر فرض جبايات غير قانونية مثل “ضريبة الأسمنت” على المصانع في المحافظات الجنوبية لتمويل التشكيلات العسكرية. هذا الوجود الموازي لم يكن مجرد تنظيم داخلي للمجلس، بل كان عملية إحلال تدريجية تهدف لوراثة الدولة مالياً مع بقاء الحكومة الشرعية كواجهة قانونية فقط.
وامتد التمكين ليشمل تعيين نواب لمدراء المؤسسات الإيرادية الكبرى، مثل مؤسسة موانئ خليج عدن، من أبناء مناطق محددة (الضالع ويافع) أو من أقارب قيادات الانتقالي، مما أثار حفيظة أبناء عدن والكوادر المؤهلة. بهدف استراتيجي يضمن أن تظل الموانئ – وهي بوابات الاستيراد والسلاح – تحت الإشراف المباشر للمجلس، بعيداً عن رقابة الحكومة المركزية، وتستخدم كوسائل ضغط على الحكومة لتمرير سياسات الانتقالي، وتمنع معها مع إعلان الدولة الجنوبية دون توقف المنافذ الحيوية.
وعلى صعيد السيادة الجوية، تحرك الوزير حميد بشكل حثيث لتأهيل مطار عدن الدولي ليكون “بوابة الجنوب” المستقلة، بعيداً عن أي إشراف فعلي من رئاسة الوزراء أو الهيئات المركزية مثل الهيئة العامة للطيران المدني. ويهدف هذا التحرك التكتيكي لضمان بقاء شريان الحياة اللوجستي تحت السيطرة الكاملة لكوادر الانتقالي، مما يضمن تدفق الدعم المادي والقدرة على تنقل القيادات دون الحاجة لإذن من السلطات الشرعية، وهو ما يكرس استقلال المطار كمرفق سيادي لدولة الأمر الواقع.
- تحليل معمق- الريال اليمني ينتعش والمجلس الانتقالي يناور.. هل تنهار مصالح حيتان النفط والكهرباء؟
-
كيف تعاقب شبكة فساد المجلس الانتقالي الحكومة اليمنية بوقود الكهرباء؟!
قال الوزير حميد في تصريحات سابقة حول مهمة وزارته: “نعمل من داخل وزارة النقل على استعادة الأصول السيادية الجنوبية وتأهيل الكوادر الوطنية (الجنوبية)، لأننا ندرك أن معركة بناء مؤسسات دولة الجنوب تبدأ من الآن، ومن داخل هذه المكاتب.”
وقال أيضاً: “قرارنا في الوزارة ينبع من المصلحة العليا للجنوب أولاً، وشراكتنا مع القوى الأخرى في مجلس القيادة مرتبطة بمدى احترامهم لتطلعات شعبنا وحقه في تقرير مصيره.”
وحتى ديسمبر/كانون الأول2025 تستمر المؤسسات الإيرادية الخاضعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في رفض تسليم إيراداتها للبنك المركزي اليمني، رغم التحذيرات المتكررة من هيئة مكافحة الفساد، ورئاسة الحكومة، والمحاولات الغربية -الأمريكية على وجهة خاص- على حُوكمة الإيرادات لمكافحة الفساد والإرهاب وحظر وصول الأموال إلى الحوثيين الواقعين تحت العقوبات الأمريكية منذ مطلع العام. وهو ما أدى لتجفيف منابع الحكومة الشرعية وإظهارها بمظهر العاجز عن دفع الرواتب. وبدلاً من أن تصب هذه المليارات في الخزينة العامة، تحولت إلى “خزينة موازية” تدعم الأنشطة السياسية والعسكرية للمجلس، وهو ما يعتبر “انقلاباً مالياً” مكتمل الأركان تم تنفيذه بأدوات الدولة الرسمية وبغطاء من وزراء المجلس الانتقالي، الذي يسيطر رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي على رئاسة لجنة الإيرادات.
البيروقراطية: سلاح الخدمة المدنية والشؤون الاجتماعية
في مبنى قريب من مكاتب وزارة النقل” يقود الدكتور عبد الناصر الوالي، وزير الخدمة المدنية، معركة صامتة وخطيرة ضد الحكومة الشرعية تتعلق ببيانات الموظفين والرواتب، حيث تصدى بضراوة لمحاولات وزارة المالية تطبيق نظام “البصمة البيومترية” لتنظيف كشوفات الراتب. وقدم كشوفات توظيف أكثر من 18 ألف موظف تابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي في مؤسسات الدولية، معظمهم يتسلم رواتب مزدوجة مدنية وعسكرية.
وفي أواخر 2023، اقتحمت عناصر مسلحة تابعة للانتقالي مبنى البنك المركزي لإنزال العلم اليمني ورفع علم الانفصال، وفرضت بالقوة تحويل رواتب القوات التابعة للمجلس الانتقالي عبر شركات صرافة خاصة تابعة لشبكة المجلس المالية، متجاوزة إجراءات وزارة المالية.
كما وضع “الوالي” العراقيل الإدارية أمام صرف مرتبات الموظفين النازحين من الشمال أو المنتمين لمناطق لا تدين بالولاء الكامل للمجلس، وممارسة ضغوط لإحلال كوادر موالية بدلاً عنهم في المؤسسات المتواجدة في عدن.
وفي موازاة ذلك، لعب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، الدكتور محمد سعيد الزعوري، دوراً محورياً في تحويل وزارته إلى ما يشبه “وزارة خارجية ظل” تهدف لتدويل القضية الجنوبية عبر البوابة الإنسانية. وتحت غطاء “حماية العمل الإنساني من تلاعب الحوثيين”، أصدر الزعوري قرارات تلزم المنظمات الدولية بنقل مقراتها من صنعاء إلى عدن، واستخدم هذا الإجراء كأداة “فلترة” سياسية لتمكين الجمعيات الموالية للمجلس ومنحها الأولوية في الشراكة الدولية، بينما تم التضييق على المنظمات المحسوبة على الخصوم السياسيين تحت ذرائع إدارية.
- الرئاسي اليمني يواجه خطر التفكك.. شراكة “الأضداد” هل وصلت خط النهاية؟
- هل اشترى مجلس القيادة اليمني تماسكاً هشاً مقابل شرعنة انفراد الزُبيدي؟
-
الانفصال من الداخل: الزُبيدي يُعيد تشكيل الدولة اليمنية خارج صلاحياته ثلاثة سيناريوهات متوقعة
وقال مدير تنفيذي لمنظمة محلية حاول نقل مقره الرئيسي إلى عدن لـ”يمن مونيتور” إن الوزارة رفضت مراراً منحه ترخيص عمل منذ مارس/آذار الماضي، بعدة حجج “إدارية، وأمنية، واشتباه..الخ”. مضيفاً: أخبرني موظف في الوزارة يعمل كسمسار أن أقوم بتسجيل عدد من أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي من محافظة الضالع في مجلس الإدارة، أو موظفين تنفيذيين في المقر الرئيسي في عدن حتى تتم إجراءات النقل بسلاسة، وعندما رفضت ما تزال معاملتي في المجهول.
الأمر ذاته في وزارة الزراعة والثروة السمكية التي يقودها اللواء سالم عبدالله السقطري، حيث عملت على مركزة عائدات التراخيص السمكية ورسوم الإنزال في الموانئ الجنوبية، والتعامل مع المياه الإقليمية في بحر العرب وخليج عدن باعتبارها “مياه جنوبية خالصة”. وقال مسؤول في رئاسة الوزراء لـ”يمن مونيتور”: إن الوزير السقطري قام بتوجيه الدعم والمشاريع للمناطق الموالية للانتقالي وللجمعيات السمكية التي تدين بالولاء له وللمجلس الانتقالي. مما يعزز شبكات المحسوبية السياسية على طول الشريط الساحلي.
علاوة على ذلك، تجاوز الوزير الزعوري كافة البروتوكولات الدبلوماسية للدولة اليمنية من خلال حرصه على حضور “علم الجنوب” في لقاءاته الرسمية مع الوفود الأممية ومستشاري المبعوث الدولي. وبدلاً من الحديث كوزير يمني معني بالوضع الإنساني في كافة المحافظات، ركز خطابه حصراً على “مظلومية شعب الجنوب” وضرورة إيجاد إطار تفاوضي مستقل، مما حول الوزارة إلى منصة رسمية لترويج الخطاب الانفصالي دولياً بتمويل وغطاء قانوني من الشرعية التي يمثلها.
وقال الزعوري في تصريحات صحفية سابقة: “إن وجودنا اليوم في هذه الحكومة ليس غاية في حد ذاته، بل هو شراكة تكتيكية فرضتها المرحلة، ومهمتنا الأساسية هي حماية مؤسسات الجنوب وتمكين كوادره حتى تحقيق الهدف الأسمى وهو استعادة الدولة.”
وفي سياق آخر خلال فعاليات “الميثاق الوطني الجنوبي” عام 2023 قال الزرعوني: “نحن هنا بصفاتنا الوزارية، لكننا قبل ذلك جنود للمشروع الوطني الجنوبي، ولن نتردد في اتخاذ أي موقف يخدم تطلعات شعبنا في فك الارتباط، وما القسم الدستوري إلا إجراء شكلي لتسيير أمور أهلنا في الجنوب.”
ولم يتردد الانتقالي في استخدام القوة الخشنة ضد شركائه في الحكومة. حادثة اقتحام مبنى وزارة الإعلام في عدن وتنصيب “صلاح العاقل” وكيلاً للوزارة بالقوة، وطرد موظفي الوزير معمر الإرياني، كانت الرسالة الأوضح. وأصدر “العاقل” لاحقاً بيانات رسمية باسم وزارة الإعلام تؤيد خطوات الانتقالي الانفصالية، مما خلق وضعاً عبثياً: وزارة واحدة ببيانين متناقضين، أحدهما يمثل الوزير الشرعي والآخر يمثل “الوكيل الانفصالي” المسيطر على الأرض.
في سبتمبر/أيلول 2025 (امتداداً لسياسات 2022-2024)، أصدر الزبيدي بصفته عضو مجلس القيادة ورئيس المجلس الانتقالي قرارات بتعيين 13 شخصية جنوبية في مناصب حكومية ومحلية رفيعة (وكلاء وزارات، رؤساء هيئات)، متجاوزاً رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي. وهي الأزمة التي أدت إعلان أن المجلس الانتقالي لم يعد يعترف بمرجعية الرئاسة اليمنية إلا كواجهة دبلوماسية؛ لكن جرى تمريرها لاحقاً بمصالحة ولجنة تحقيق على الزُبيدي والعليمي ومساواة قرارهم وهو ما أوصل إلى تحريك القوات لاحقاً باتجاه شرقي اليمن.
- أهداف وخبايا.. لماذا يجتهد المجلس الانتقالي لإعلان فشل الحكومة اليمنية؟ (تحليل خاص)
-
دوافع هجوم “المجلس الانتقالي” على الرئيس اليمني.. رغبات معلقة ومطالب غير منطقية
اجتياح الشرق والانهيار الكبير: مظلة الحكومة ومجلس القيادة كحصان طروادة
شكل التمدد العسكري نحو محافظات شبوة وحضرموت والمهرة الفصل الأبرز في استغلال الغطاء الوزاري، حيث وفر وزراء الانتقالي التبريرات السياسية لهذه التحركات بوصفها “ضرورة لتأمين الجنوب من الإرهاب”، وأن تحرك القوات تم بموافقة 4 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي ثلاثة منهم رئيس نائبين له في المجلس الانتقالي، والرابع هو العميد طارق صالح، الذي يتلقى دعمه وتمويله من الإمارات. واستخدم المجلس مصطلح “الشراكة التكتيكية” لتحييد القوات الحكومية وإخراجها من المناطق الشرقية بدعوى تنفيذ اتفاق الرياض الذي ينص على دمج القوات في وزارتي الدفاع والداخلية، بينما كانت الحقيقة هي استبدالها بقوات موالية للمجلس بالكامل، مما وضع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في موقف العاجز.
وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2025، وصلت هذه الاستراتيجية إلى ذروتها مع السيطرة شبه الكاملة على حضرموت والمهرة، وفرضت قوات الانتقالي سيطرتها الكاملة على المعسكرات وحقول النفط، مستخدمةً صفة عيدروس الزبيدي كنائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي لإضفاء شرعية قانونية على هذا التمدد الذي أطاح بمشروع الدولة الاتحادية. ووفر وزراء الانتقالي التبريرات السياسية لهذه التحركات بوصفها “ضرورة لتأمين الجنوب من الإرهاب”، وأن تحرك القوات تم بموافقة 4 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي ثلاثة منهم رئيس نائبين له في المجلس الانتقالي، والرابع هو العميد طارق صالح، الذي يتلقى دعمه وتمويله من الإمارات.
وبينما كانت آليات المجلس الانتقالي الجنوبي تجتاح وادي حضرموت وتُسقط آخر قلاع المنطقة العسكرية الأولى، كان وزير الدفاع اليمني، الفريق الركن محسن الداعري، يتبادل الهدايا التذكارية في القاهرة، تاركاً خلفه قيادة عسكرية معزولة وتساؤلات مفتوحة حول “هندسة سياسية” مسبقة للمعركة. كان الوزير ذاته قد حضر حفلاً لقوات المجلس الانتقالي قبل انتقالها إلى المحافظتين مقدماً التحية العسكرية لهم، كغطاء أن تحرك هذه القوات تمت بموافقة عليا من القيادة العسكرية العليا.
إن ما يجري اليوم في عدن والمحافظات الجنوبية يثبت أن “الشراكة التكتيكية” لم تكن مجرد شعار، بل كانت مناورة استراتيجية بارعة سمحت للانتقالي باختراق الحصن السيادي وبناء خزينة مستقلة وتدويل قضيته دبلوماسياً. لقد بنى المجلس الانتقالي ومن خلفه الإمارات انفصالاً بحكم الأمر الواقع من داخل رحم الحكومة الشرعية، لكن هذه الخطط ستفشل برفض الشعب والمحافظات وتصدم بوعي الإقليم.
The post انقلاب الأختام.. كيف حوّل المجلس الانتقالي وزارات عدن إلى “إقطاعيات سياسية” للانفصال؟! appeared first on يمن مونيتور.
أخبار ذات صلة.