انقلاب ثان
رسمي
منذ أسبوع
مشاركة

افتتاحية 26سبتمبر

الإجراءات الأحادية التي شهدتها الساحة اليمنية، وتحديداً في المحافظات الشرقية التي اتخذها المجلس الانتقالي مؤخراً، من خلال تحركات عسكرية ومحاولاته فرض هياكل إدارية وسياسية موازية، قوبلت برفض شعبي ورسمي واسع، إذ رفضها مجلسا النواب والشورى ورئاسة الجمهورية وأغلب المكونات السياسية، كونها لا تمثل مجرد خلافات داخلية فحسب، بل انقلاب صريح على المرجعيات المتفق عليها والتي تشكل الإطار الناظم لأي عمل سياسي أو عسكري، وفي مقدمتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216، واتفاق الرياض وآلية تسريع تنفيذه، وإعلان نقل السلطة الذي أفضى إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.

إن نقض اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة من خلال هذه الإجراءات الأحادية، لاسيما التحركات العسكرية وفرض وقائع جديدة في محافظات مثل حضرموت والمهرة وشبوة، يعد خرقاً واضحاً لاتفاق الرياض الذي قام على مبدأ الشراكة ودمج التشكيلات العسكرية والأجهزة الأمنية تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية، كما أنها تتعارض بشكل مباشر مع روح ومضمون إعلان نقل السلطة الذي وحد الجهود تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي بقيادة رئيس المجلس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ما حدث في المحافظات الشرقية شكل طعنة في ظهر الشرعية وتعثيرا لحركة اعدادها للمعركة المصيرية مع الكهنوتية الامامية الجديدة التي تستغل كل خلاف واختلاف في معسكر الشرعية لصالح مشروع إيران التوسعي في اليمن والمنطقة، فأي قرار يتعلق بتشكيل كيانات موازية (مثل هيئة إفتاء جنوبية) أو تحريك قوات عسكرية ليس سوى خرق للاتفاقات وتجاوز للصلاحيات الدستورية والقانونية، وضرب لمبدأ وحدة المؤسسات عرض الحائط واعتداء على المركز القانوني للدولة اليمنية والذي يعرف بأنه مجموعة من المفاهيم الأساسية ، أبرزها السيادة، الشرعية، احتكار القوة، ووحدة المؤسسات.

فاستخدام القوة العسكرية لفرض السيطرة على مقار حكومية أو مناطق، خارج إطار التوافق الوطني يفتت مبدأ احتكار الدولة للقوات المسلحة، ويخلق سلطة أمر واقع موازية تتنازع مع الحكومة المعترف بها دولياً كجهة قادرة على حفظ الأمن وإدارة شؤون البلاد.

وحدة القرار والموقف في هذا الظرف الحساس والمنعطف الخطير الذي تمر به اليمن والمنطقة يتطلب وبالضرورة وحدة مراكز القرار لأن تعددها لا يعمل سوى على ترسيخ ظاهرة الفوضى الإدارية والأمنية التي تشهدها البلاد وخصوصا في المحافظات الجنوبية والتي تستغلها المليشيا الحوثية المدعومة من ايران لإضعاف الصف الوطني.

الوضع جد خطير والمرحلة تتطلب توحيد كل الجهود العسكرية والسياسية لاستعادة مؤسسات الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، فالصراعات الداخلية في المناطق المحررة لا تخدم هذا الهدف الذي يتغيا تحقيقه الشعب اليمني برمته، بل تحول البوصلة وتشتت الصف الوطني وتمنح الحوثيين الوقت والفرصة لتعزيز سيطرتهم وإعادة ترتيب أوراقهم.

إن تصعيد الصراع الداخلي لا يهدد استقرار المناطق المحررة فحسب، بل يعمل على تآكل ثقة المجتمع الدولي في قدرة الشرعية على تحقيق الاستقرار، ويقلل من الدعم المقدم لها ويصرف النظر عن التحدي الرئيسي المتمثل في إنهاء انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران التي تبرر عبر مختلف وسائل إعلامها لانقلابها على مؤسسات الدولة الشرعية من خلال استغلالها لهذه الإجراءات كدليل على فشل الشرعية وعدم وحدتها، وتبرر لنفسها استمرار الانقلاب والتصعيد، مدّعية أنها تحمي “الوحدة” أو تدافع عن “الكيان المركزي” في مواجهة المشاريع الانفصالية المتنازعة وهو تبرير مفضوح زيفه من خلال ممارساتها الإجرامية ضد ابناء الشعب الواقعين تحت سيطرتها وتأصيلها لثقافة وعقيدة مغايرتين لعقيدة وثقافة اليمنيين كتعزيز للانفصال لا دفاعا عن الوحدة.

ما يجب التأكيد عليه هو أن الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي تمثل تحدياً وجودياً للدولة اليمنية، فهي ليست مجرد خلاف سياسي عابر، بل هي تفكيك متعمد للمرجعيات المتفق عليها وتقويض للمركز القانوني للدولة، فهذا السلوك يصب بشكل مباشر في مصلحة المليشيا الحوثية، ويضعف موقف الحكومة الشرعية في مواجهة الانقلاب، ويدفع بالبلاد إلى مزيد من التفكك والفوضى.

فالسبيل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من الدولة هو الإلغاء الفوري لكل الإجراءات الأحادية، والعودة إلى مرجعيات الشراكة والتوافق، وفي مقدمتها اتفاق الرياض ومخرجات إعلان نقل السلطة، والعمل تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي لتوحيد الجهد نحو المعركة الرئيسية لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية