يمن مونيتور/ تعز/ إفتخار عبده
وضعي المعيشي انجرف إلى حدّ يُوصف بالكارثة، فبعد خمسة أشهر من توقف استلام الراتب، بقيت أسرتي في مواجهة شبح الجوع، رغم أنني أخدم في الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية في محافظة تعز.
هذا ما كشف عنه سلطان سعيد، جندي يعول خمسة أفراد، عبر شهادته لـ”يمن مونيتور”.
وأشار سلطان إلى أن الراتب الشهري الذي يتلقاه لا يتجاوز 55 ألف ريال يمني، إلى جانب صرفية يومية بقيمة ألفي ريال فقط، ما يجعل دخله الشهري محدودا جدًا، لا يكفي حتى لتغطية تكاليف الغذاء الأساسية.
وأوضح أن الأسرة تعتمد بالكامل على هذا الدخل، ولا تمتلك أي مصدر دخل آخر، مضيفا: “لا نملك سوى هذا الراتب والصرفية، أما التغذية العسكرية فهي عبارة عن رغيفين من الكدم وكمية محدودة من الفاصوليا، ولا تكفي لسد الجوع عند أفراد الأسرة”.
وأشار إلى أن بقاء أسرته على قيد الحياة يُعد من نعمة التكافل المجتمعي، مشيرًا إلى أن انقطاع الدعم المالي والمعيشي قد يُعرض أفراد أسرته للجوع المميت.
وأكد سلطان أن التحديات المعيشية لا تقتصر على الجانب المالي فقط، بل تمتد إلى تدهور الوضع المعيشي العام، ما يعكس أزمة هيكلية تشهدها مؤسسات الجيش الوطني في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
*مجاعةٌ تطرق الأبواب*
ويواجه أفراد الجيش الوطني منذ أشهر أوضاعا مأساوية، بسبب تأخر صرف المرتبات، في ظل عجز الحكومة الشرعية عن تنفيذ خطتها الاقتصادية المعلنة، وعجزها عن توحيد الإيرادات وإيصالها إلى البنك المركزي في عدن.
وفي 17 نوفمبر الماضي، أوضح المرصد الاقتصادي اليمني التابع لصندوق النقد الدولي أن “الاقتصاد يواجه ضغوطًا كبيرة بسبب الحصار على صادرات النفط، وارتفاع التضخم، وتراجع حجم المعونات، ما أدى إلى تدهور الخدمات العامة”.
وتتزامن هذه الضغوط مع تحذيرات متواصلة من المنظمات الأممية، التي تؤكد أن 18 مليون شخص في اليمن مهددون بانعدام حاد في الأمن الغذائي، بينهم 5.8 ملايين في ظروف طارئة، و40 ألفًا في حالة تقترب من المجاعة، بالإضافة إلى 2.5 مليون طفل دون الخامسة و1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة يعانون من سوء التغذية الحاد.
وفي تقرير صدر الشهر الجاري، توقعت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة أن تحتل اليمن المرتبة الثالثة من بين 31 بلداً تغطيها الشبكة، من حيث عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى مساعدات غذائية وإنسانية عاجلة بحلول يونيو/حزيران 2026.
ومؤخرًا، عبّر العميد علي منصور مقراط،” رئيس صحيفة الجيش” عن قلقه البالغ من تفاقم معاناة منتسبي الجيش والأمن وأسرهم، جراء توقف رواتبهم للشهر الخامس على التوالي، محذرًا من خطر المجاعة في صفوفهم مع غياب أي مؤشرات لحل قريب.
وأكد مقراط أنه يتلقى يوميًا مئات الرسائل التي تعكس حجم الفقر والجوع، مشيرًا إلى أنه توجه إلى البنك المركزي دون الحصول على أي إجابات واضحة، في ظل إجراءات مشددة تعكس عمق أزمة السيولة، معربًا عن أمله في تدخل عاجل يخفف معاناة العسكريين.
ومع استمرار الحرب الدائرة منذ أحد عشر عاماً، تتفاقم المعاناة على موظفي الدولة والعسكريين وذوي الدخل المحدود، في ظل عجز حكومي مزمن وتجاهل متواصل لمعاناتهم اليومية.
ويواصل سعيد حديثه قائلاً: “راتبنا الذي لا يتجاوز 55 ألف ريال – أقل من 40 دولارً، لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات، ومع ذلك حُرمنا منه لأشهر متواصلة”.
ولفت إلى أن الجنود عادة ما يقومون بالشكوى للقادة من حولهم في الميدان لكن وضع القادة بالعادة لا يسمح لهم بأن يقدموا للجنود متطلباتهم كاملة، وكل ما يقدر عليه القادة في الميدان هو تقديم المصروف اليومي ومن يستطع يقدم القليل من المساعدة كأن يأذن للجندي في الذهاب إلى الصيدلة لأخذ الدواء أو بعضه على حساب الكتيبة”.
وطالب الجندي مجلس القيادة الرئاسي بالنظر إلى حال الجنود بقوله” نحن نقدم في سبيل حماية الدولة كل ما نملك فلا تبخلوا عنا بقليل من الاهتمام، فالاهتمام بالجنود هو اهتمام بالدولة وحفاظ عليها، كونوا أهلا للمسؤولية الملقاة على عاتقكم”.
معيشةٌ على حافة الانهيار
في السياق ذاته، قال العقيد عبد الباسط البحر، الناطق باسم محور تعز العسكري، إن” صمود أبطال الجيش الوطني في الجبهات رغم توقف مرتباتهم منذ خمسة أشهر متتالية، يعكس حجم التضحيات التي يقدمونها دفاعًا عن الوطن، في ظل انعدام شبه كامل لأي موارد أو ميزانيات تشغيلية”.
وأوضح البحر في حديثه لـ” يمن مونيتور” أن “آخر راتب استلمه منتسبو الجيش كان عن شهر يوليو، فيما توقفت مرتبات أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، ومع دخول شهر ديسمبر تكون القوات قد أمضت خمسة أشهر بلا أي دخل رسمي” مؤكدًا أنه لا توجد أي ميزانيات تشغيلية أو اعتمادات مالية للوحدات العسكرية في تعز، وأن الاعتماد كان – ولا يزال – بشكل أساسي على المرتبات.
استقطاعات ذاتية لإسعاف الجرحى
وأشار البحر إلى أن كثيرًا من الالتزامات الأساسية للجبهات كانت تُغطى عبر استقطاعات تطوعية من رواتب الأفراد والضباط، تشمل الإعاشة، والتغذية، وصيانة وشراء السلاح، وبناء المتاريس، إضافة إلى معالجة الجرحى.
وتابع” لجنة الجرحى تعتمد على تبرعات شهرية تُخصم من العسكريين بواقع ألف ريال من الفرد وألفي ريال من الضابط، لتغطية الحد الأدنى من العلاجات والإسعافات والعمليات البسيطة داخل البلاد، فيما تتطلب الحالات الحرجة والعلاج في الخارج إعلان حالة طوارئ ونداءات دعم شعبي للتجار والميسورين في الداخل والخارج”.
وأكد البحر أن توقف الرواتب أدى إلى شلل شبه كامل في هذه الموارد، بما فيها ميزانية الجرحى والإعاشة، لافتًا إلى أن المرتبات – حتى في حال انتظامها – لم تعد تلبي أبسط متطلبات المعيشة؛ إذ لا يتجاوز راتب الجندي 50 إلى 55 ألف ريال، في مقابل إيجارات سكن تبدأ من 250 إلى 300 ألف ريال، فضلًا عن تكاليف الغذاء والتعليم والصحة والعلاج.
وأضاف” الأبطال في الجبهات يواصلون صمودهم ويقدمون الشهداء والجرحى بشكل شبه يومي، في ظل تصعيد ميداني مستمر من قبل ميليشيا الحوثي في أكثر من جبهة، ورغم ذلك تبقى المعنويات العالية والإيمان بالقضية الوطنية العادلة تعوض الكثير من نقص الإمكانيات، وتمنح المقاتلين دافعًا قويًا لمواصلة الدفاع والرد على الاعتداءات”.
وأوضح البحر أن” الجبهات تفتقر اليوم إلى الإعاشة النظامية والوجبات القتالية والرعاية الصحية للمقاتلين وأسرهم، إضافة إلى غياب الرعاية الكافية للجرحى والمعاقين وأسر الشهداء والأسرى، فمعظم المقاتلين يعتمدون على أسرهم أو على إمكانياتهم الذاتية، مع بعض المبادرات المحدودة من شخصيات اجتماعية وجمعيات ومغتربين”.
ووجّه العقيد عبد الباسط البحر رسالة إلى مجلس القيادة الرئاسي، دعا فيها إلى تجاوز الخلافات والصراعات البينية التي لا تخدم سوى ميليشيا الحوثي والمشروع الإيراني، مطالبًا بالارتقاء إلى مستوى القضية الوطنية، والاهتمام الجاد بالقوات المسلحة والأمن من حيث التدريب والتأهيل والتسليح والإعاشة وانتظام المرتبات والدعم اللوجستي.
وأكد أن أقل واجبات الدولة تجاه جنودها هو انتظام الرواتب، وتوفير الميزانيات التشغيلية، والوقود، والصيانة، وقطع الغيار، وتعويض المفقود في الأفراد والآليات والمعدات، مشددًا على أن العلاقة بين الجندي والدولة عقد وطني واضح يقدم فيه الجندي روحه ووقته وجهده دفاعًا عن الوطن، وتقوم فيه الدولة بكفالته والوفاء بحقوقه.
حرب على العسكريين من نواح عدة
بدوره قال الجندي عزان قائد، أحد أبطال اللواء 22 ميكا في محافظة تعز” كان يقول الآباء” شبر مع الدولة ولا ذراع مع الرعوي” في كناية عن أن الوظيفة الحكومية لها مكانتها وديموميتها واستمرار مرتباتها على عكس الوظيفة الخاصة غير المأمونة، لكن ما نعيشه اليوم أصبح مغايرًا تمامًا لهذه المقولة؛ فمرتبات الدولة لم تعد آمنة لا من حيث قيمتها ولا في انضباط صرفها شهريًا”.
وأضاف قائد لـ” يمن مونيتور” السعيد من ابطال الجيش اليوم هو من يملك سندًا له يعنيه على تخطي هذه المرحلة الحرجة التي يعيش فيها اليوم الكثير من الأبطال في حالة معيشية لا يحسد عليها”.
ولفت إلى أن الحرب على رجال الجيش والعسكريين بسبب غياب المرتبات ارتفعت لتشمل كل جوانب الحياة، في المأكل والمشرب والسكن، مؤكدًا” استمررت في البحث عن شقة للسكن فيها أكثر من خمسة أشهر وكلما أحصل على شقة مناسبة ويعلم صاحبها أنني جندي يرفض التأجير لي على الإطلاق رغم تأكيدي له أنني سألتزم بالدفع شهريًا”.
وتابع” إذا كانت الدولة والشرعية التي قدمنا أرواحنا ودماءنا فداء لها تتنكر لمجهودنا وتتجاهل معاناة أسرنا بهذه الطريقة فمن الطبيعي أن نُعامل بكل هذه القسوة من الواقع من حولنا”.
وأوضح قائد أن” الدولة لن تتحرر ولم يتم الحفاظ على الوحدة والجمهورية إلا إذا تم دعم هذه الفئة التي تعمل بإخلاص وتفانٍ في سبيل حماية الوطن والدفاع عن كرامة المواطن”.
وأرسل قائد رسالته لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة بأن” أعيدوا للعسكريين هيبتهم في الواقع ليعيدوا لكم كرامتكم، أشعروهم أن هناك دولة وشرعية يقاتلون ويقتلون في سبيل الله ثم في سبيل بقائها معززة مكرمة”.
The post “الدولة تتخلى عنّا”.. صرخات جنود اليمن: صمود على الجبهات وجوع في البيوت ( تقرير خاص) appeared first on يمن مونيتور.