يمن مونيتور/ مقابلة خاصة/ من عبدالله العطار
في المشهد اليمني المعقّد، تبرز مأرب كعاصمة صمود، حيث تحوّلت من مجرد مدينة صحراوية إلى مركز ثقل سياسي واقتصادي وعسكري لا يمكن تجاوزه. وقد شكّلت المحافظة، التي استقبلت ملايين النازحين، نموذجاً مصغّراً لبناء الدولة في زمن الانهيار.
في حوار معمّق مع “يمن مونيتور”، يفتح الشيخ عبد الحق القبلي نمران، رئيس مؤتمر مأرب الجامع، أوراق المعادلة اليمنية من الداخل، مؤكداً أن مأرب باتت لاعباً محورياً لا يمكن لعملية السلام المقبلة أن تنجح دونه، وموجّهاً تحذيراً صريحاً للحكومة اليمنية الشرعية من مغبة تهميش المحافظة التي حملت عبء الوطن.
“مأرب ليست هامشًا.. وشراكة الدولة معنا ناقصة”
شدّد الشيخ القبلي على أن المشهد السياسي في مأرب يتسم بـ “النضج والمسؤولية”، وهو تطور فرضته طبيعة الحرب ومكانة المحافظة الجديدة كـ “محور وطني”. ووضع القبلي شرطاً واضحاً لنجاح أي تسوية سياسية قادمة، مؤكداً: “أي تسوية سياسية لا يمكن أن تُكتب لها الاستدامة ما لم تكن مأرب طرفاً فاعلاً فيها. هذه المحافظة قدمت من التضحيات ما يجعلها في صدارة المشهد الوطني لا على هامشه”.
وفي تقييمه لفرص السلام، ربط القبلي أي تسوية بجدية “الطرف الآخر” (الحوثيين) في التعاطي مع المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني، والقرار 2216)، مؤكداً أن “السلام الحقيقي هو استعادة الدولة ومؤسساتها واستكمال التحرير، فدولة بلا سيادة ليست سلاماً بل هدنة مؤقتة”.
وبلهجة صريحة، انتقد القبلي علاقة المحافظة بالحكومة الشرعية، واصفاً إياها بـ “الشراكة الوطنية الناقصة” التي تعاني من “تهميش وإقصاء واضحين”. وحذّر من أن مأرب تُركت لتواجه أعباءها بإمكاناتها الذاتية رغم دورها كـ “سدّ أمام الانهيار الوطني وشوكة في حناجر مليشيا الحوثي”.
كما أشار إلى أن “الصبر يوشك أن ينفد”، مؤكداً أن المرحلة القادمة ستشهد “تحركاً واسعاً لتصعيد المطالب المشروعة” لاستعادة الحقوق الوطنية.
فمن وجهة نظره القبلي “العدالة في توزيع الموارد والاهتمام ليست منّة، بل حق وطني يجب أن تُستعاد موازينه”.
النزوح والهوية الاجتماعية.. مأرب في اختبار التوازن
وتستضيف مأرب أكثر من ثلاثة ملايين نازح بحسب تقارير رسمية، ما جعلها واحدة من أسرع المدن اليمنية نموا من حيث السكان، وأشدها ضغطا على الخدمات.
لكن الشيخ القبلي يرى أن التغيرات الاجتماعية التي رافقت النزوح لا تشكل خطرًا بحد ذاتها، بل في محاولات استغلالها سياسيا أو اجتماعيا.
وقال “ما أفرزته الحرب من نزوح متكرر أمر طبيعي في ظروف كهذه، لكن غير الطبيعي هو محاولة المس بالنسيج الاجتماعي أو تغيير التوازنات القائمة. هذا خط أحمر بالنسبة لنا، لأن أي عبث بهذا التوازن يهدد الاستقرار المحلي والوحدة الوطنية معًا.”
ويؤكد أن مؤتمر مأرب الجامع “يتعامل مع هذه التحولات بروح المسؤولية”، ويسعى إلى “الحفاظ على العلاقة الصحية بين الضيف والمجتمع المضيف ضمن حدود واضحة تمنع الاحتكاك أو التداخل المضر”.

فجوة بين المواطنين وصناع القرار
وحول الفجوة القائمة بين المواطنين وصناع القرار، يقول الشيخ القبلي إن النخب السياسية في مأرب “تبذل جهودًا، لكنها محدودة أمام حجم التحديات”.
وأضاف: “التحديات أكبر من إمكانيات النخب، ولهذا جاء مؤتمر مأرب الجامع ليكون إطارًا جامعا ينسق الجهود وينقل صوت المواطن إلى الجهات المعنية.”
ويشير إلى أن الاحتياجات في مأرب “هائلة ومتزايدة”، خاصة في ظل استمرار عملية النزوح والتهجير.
وتابع: “وما يُقدَّم لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات النازحين، والجهات المسؤولة تبذل ما تستطيع، لكن المطلوب أكبر بكثير….الحكومة والمانحون مطالبون بمضاعفة الجهود، خصوصا مع دخول فصل الشتاء وما يسببه من معاناة إضافية ومسؤولية مضاعفة.”
ويرى أن “الحل الجذري لهذه الأزمة لا يمكن أن يكون إنسانيا فقط، بل سياسيا عبر استعادة الدولة وعودة النازحين إلى ديارهم.”
مؤتمر مأرب الجامع.. مشروع وطني برؤية محلية
منذ تأسيسه، شكّل مؤتمر مأرب الجامع ظاهرة لافتة في المشهد المحلي، إذ جمع مكونات سياسية واجتماعية وقبلية وشبابية تحت مظلة واحدة.
يصفه الشيخ القبلي بأنه “إطار جامع لا حزب سياسي”، لكنه “يمارس السياسة بمسؤولية المجتمع، لا بمصالح النخب”.
يقول: “نحن في مؤتمر مأرب الجامع لسنا حزبا بالمعنى التقليدي، بل مظلة تضم مختلف القوى والشرائح، تسعى لتوحيد الموقف المأربي تجاه القضايا الوطنية. هدفنا تمثيل مأرب التمثيل الذي يليق بتاريخها ودورها، وضمان حضورها في صياغة مستقبلها.”
ويشير إلى أن المؤتمر يسعى لبناء “رؤية سياسية موحدة” تُعبر عن صوت المحافظة في أي مشاورات أو ترتيبات قادمة، مؤكدًا أن مأرب “لن تقبل أن تكون مجرد متفرج على طاولة تقرير مصير اليمن”.
التعليم والتنمية
ووضع رئيس مؤتمر مأرب الجامع ملفات التنمية المجتمعية في صدارة اهتماماته، مؤكداً أن معركة البناء الداخلي لا تقل أهمية عن معركة الجبهات العسكرية:
ويعتبر الشيخ القبلي قطاع التعليم “قضية وجودية”، خاصة وأن مأرب تواجه كثافة طلابية غير مسبوقة بسبب النزوح، مما جعل المدارس تعمل “فوق طاقتها”.
وكشف القبلي عن إنشاء دائرة متخصصة للتعليم داخل المؤتمر تعمل على تقييم الاحتياجات وتنظيم ورش عمل وزيارات ميدانية لدعم العملية التعليمية.
وشدد على أن “بناء الإنسان المأربي الواعي والمثقف هو الضمان الحقيقي لبناء الدولة”، محذراً من أنه “لا يمكن الحديث عن مستقبل أو سلام دون تعليم متين يحمي الأجيال القادمة من ثقافة الحرب”.
القبيلة والدولة.. تكامل لا تصادم
رفض الشيخ القبلي الصورة النمطية السلبية لدور القبيلة، مؤكداً أن القبيلة في مأرب “ليست نقيض الدولة بل رافدها”.
وقال إن القبيلة كانت دائماً “رديفاً للدولة وسنداً لمؤسساتها”، وأن أبناء القبائل هم من حملوا السلاح دفاعاً عن الجمهورية.
وأشار إلى أن القبيلة “ليست عائقاً، بل عنصر استقرار أساسي إذا ما أُحسن توظيف قيمها في خدمة الدولة”، مضيفاً أن “العرف القبلي وثقافة المجتمع” لعبا دوراً محورياً في تماسك المجتمع رغم ظروف الحرب، مستدلاً بالإرث التاريخي لمأرب كـ “مهد للحضارات ومركز حكم شوروي وعادل”.
وعبر الشيخ القبلي عن تفاؤله بالتطور الحاصل في مشاركة المرأة العامة، مؤكداً أن “دور المرأة في مأرب اليوم أفضل مما كان عليه سابقاً”.
وأشار رئيس مؤتمر مأرب الجامع إلى وجود “حضور حقيقي ومشاركات فاعلة في القطاعات الحكومية والخاصة”، وأنه لم تعد هناك قيود تذكر أمام مشاركتها.
وأكد أن “مؤتمر مأرب الجامع” يضم لجنة خاصة بالمرأة تعمل على تمكينها وتعزيز مشاركتها في الشأن العام.
الهوية المأربية.. قيمة ثقافية يجب صيانتها
لم يتعامل الشيخ القبلي مع الهوية كـ “شعار عاطفي”، بل بوصفها “قيمة ثقافية يجب صيانتها”، وهو ما يتطلب خطة عمل واضحة.
وشدد على أن الحفاظ على الهوية يتطلب برامج ثقافية وفنية تعزز التراث المحلي، وتشجع المهرجانات والمشاريع الصغيرة القائمة على الحرف والمهن.
وأوضح أن “الهوية لا تُحفظ بالشعارات بل بالممارسة”، معتبراً أن تجربة بعض الدول الخليجية في صيانة هويتها رغم تعدد الوافدين هي “درس يجب أن نستفيد منه في مأرب”.
وفي ختام الحوار، يوجه الشيخ عبد الحق القبلي رسالة إلى أبناء مأرب: “رسالتي لأبناء مأرب أن يحافظوا على وحدتهم وعلى ما تحقق من إنجازات كبيرة في مسار المشروع الاتحادي…. فما قدمته مأرب من تضحيات في سبيل الجمهورية والوطن يجب أن يُصان، وأن يكون دافعًا لمزيد من العمل لا للفرقة.”
ينهي القبلي حديثه بثقة واضحة في أن مأرب ستكون لاعبا محوريا في مستقبل اليمن: “مأرب ستكون طرفا أساسيا في صناعة السلام العادل والمستدام، ولن يكون هناك اتفاق ناجح دون مشاركتها الفاعلة. فنحن نؤمن بدولة اتحادية عادلة على أسس المرجعيات الثلاث، ولن نسمح بتكرار أخطاء الماضي.”
The post مقابلة خاصة- رئيس مؤتمر مأرب الجامع يحذّر: مأرب لن تكون هامش الوطن وعلى الدولة أن تنصت لصوتنا appeared first on يمن مونيتور.