عدالة على مقاس “الحوثي”.. “دورة الولاء” تحلّ بدلاً من “شهادة القانون” في محاكم صنعاء
أهلي
منذ 4 أيام
مشاركة

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ عبدالرزاق قاسم

أصدرت هيئة التفتيش القضائي التابعة لجماعة الحوثيين بصنعاء في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، القرار رقم (48) لسنة 1447هـ قضى بتوزيع 83 خريجًا من دورة تأهيلية “لعلماء الشريعة” دون أن يعرف أحد ماهي معايير الدورة ولا منهجها، على عدد من المحاكم، تحت مسمى “قضاة تحت التدريب، تمهيدًا لإدراجهم رسمياً في السلك القضائي.
هذا القرار هو التطبيق العملي والمرحلة النهائية لإقحام  قضاة مؤهلهم الولاء وحصلوا على التزكية،  ليصبحوا ضمن السلطة القضائية، في إطار تطبيق المادة (57) التي اتاحت لهم استبدال المؤهلات القانونية بشهادات “الورع” و“التزكية” التي تمنحها جماعة الحوثي لمن تريد، فالقاضي في مناطق سيطرتها لم يعد نتاج سنوات من الدراسة في المعهد العالي للقضاء، بل خريج دورة شرعية مغلقة تعدّه ليحكم باسم الجماعة وليس باسم القانون.

تعديلات تقوّض الدستور

في العام 2024، أقدمت جماعة الحوثي على تعديل القانون رقم (1 لسنة 1991) بشأن السلطة القضائية، في خطوة وُصفت بأنها الأخطر على الإطلاق في مسار العدالة اليمنية. فقد منحت الجماعة، عبر إضافة مادة (57 مكرر)، رئيسها مهدي المشاط صلاحية تعيين أشخاص من خارج السلك القضائي ليصبحوا قضاة، متجاوزة الشروط القانونية التي كانت تضمن حدًّا أدنى من التأهيل والكفاءة.
بهذا التعديل، فتحت الجماعة الباب أمام تفكيك آخر مؤسسات الدولة التي كانت — رغم اختلالاتها السابقة — لا تزال تحتفظ بجزء من استقلالها المهني.
المركز الأمريكي للعدالة وصف تلك التعديلات بأنها مخالفة للدستور اليمني، وتمسّ بشكل مباشر مبدأ الفصل بين السلطات، لا سيما المواد (24، 49، 51، 149، 150، و151).
هذه الخطوة لم تكن الأولى، إذ سبقتها تعديلات في لائحة القبول بالمعهد العالي للقضاء، اشترطت أن يكون المتقدم “من أسرة معروفة بالصلاح والورع”، وأن يحصل على تزكية من شخصيات “علمية”. شروط فضفاضة فتحت الطريق أمام المحاباة والإقصاء الطائفي، وكرّست سلطة الجماعة على بوابة التعيين القضائي.
لكن، كما يقول قانونيون، أدركت الجماعة لاحقاً أن هذه الإجراءات بطيئة المفعول، فلجأت إلى تعديل قانون السلطة القضائية نفسه، لتتمكّن من إدخال عناصر لا تمتلك أي مؤهلات علمية أو قانونية تحت وصف “علماء”. وبعد أيام فقط من التعديل، أصدر مهدي المشاط قرارات بإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا، وأدخل شخصيات دينية موالية للجماعة في مواقع حساسة داخل السلطة القضائية.

قضاة بلا مؤهلات

بعد عام من تلك التعديلات، أعلنت هيئة التفتيش القضائي عن ضم 83 شخصًا إلى الجهاز القضائي كـ“قضاة تحت التدريب”، عقب دورة شرعية أُقيمت خصيصًا لتأهيلهم وفق النظام الجديد.
الدكتور عمار البخيتي، أستاذ القانون الدولي، في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور” وصف ما يحدث بأنه “كارثة كبرى”، مؤكدًا أن الجماعة لم تعد تسعى لإصلاح القضاء، بل لتشكيله على صورتها، من عناصر لا يعرف أحد مؤهلاتهم سوى ولائهم للجماعة وزعيمها.

انقسام قضائي يهدد مستقبل العدالة

ما تقوم به جماعة الحوثي في القضاء، أجهز على مفهوم الشرعية القانونية، وحوّل القضاء من سلطة مستقلة إلى أداة بيد سلطة الأمر الواقع لتكريس نفوذها السياسي والطائفي.
ويرى القاضي الدكتور علي مرشد العرشاني في حديث خاص لـ”يمن مونيتور” أن ما تقوم به الجماعة “يعمق الانقسام القضائي القائم ويكرس واقعاً قضائياً موازياً يصعب تجاوزه مستقبلاً”، محذرًا من أن أي عملية لإعادة بناء القضاء لاحقًا ستصطدم بمعضلتين: تنقية السلك القضائي في مناطق الحوثي من جهة، ومعالجة حُجية الأحكام الصادرة عن محاكم الجماعة من جهة أخرى، لكونها صادرة عن جهات غير شرعية.

قضاء مذهبي

الخطوات التي اتخذتها الجماعة وصولاً لتوزيع خريجي الدورات الخاصة بهم وتعيينهم في القضاء يصنع قضاء مذهبي كما يقول المحامي صقر عبدالعزيز السماوي في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور” حذر من الممارسات الحوثية في القضاء والتي ستؤدي إلى قيام “قضاءين متوازيين”: أحدهما قانوني، والآخر مذهبي، بما يقوّض ثقة المجتمع بمنظومة العدالة.
وقال إن “القضاء ليس ساحة دعوية ولا منصة وعظية، بل سلطة مدنية مستقلة لتطبيق القانون” وتعيين شخصيات دينية في مناصب قضائية دون تأهيل قانوني يمثل “انتهاكًا واضحًا لمبدأ تكافؤ الفرص وإخلالًا بمعايير المهنة”.

إعادة تشكيل الدولة من بوابة القضاء

يرى خبراء قانونيون أن ما يحدث ليس مجرد تعديل إداري، بل عملية ممنهجة لإعادة بناء الدولة وفق منطق الجماعة الطائفي. فبعد سيطرتها على التعليم والإعلام والأمن، تتجه اليوم إلى العقل القانوني للدولة — القضاء — لتطويعه بالكامل.
المحامي أنس أمين يقول في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور” إن “من يتولى السلطة دون كفاءة يسعى لتشويه ركائز القانون واستبدال الخبرة بالولاء”، مشيرًا إلى أن الحوثيين “يعيدون صياغة النظام القانوني بما يخدم مشروعهم الطائفي”

استشعار عربي بالخطر

اتحاد المحامين العرب كان من أبرز الجهات التي أدانت التعديلات الحوثية، معتبرًا إياها “مساسًا خطيرًا باستقلالية القضاء”، ودعا في بيان بتاريخ 14 سبتمبر 2024 نقابات المحامين والمنظمات الحقوقية إلى التحرك لمواجهة هذا الانتهاك.
وأكد الاتحاد أن هذه التعديلات تكرس الانقسام داخل اليمن، وتحول القضاء إلى “أداة بيد السلطة التنفيذية”، في انتهاك واضح للدستور اليمني وللقوانين النافذة.

في محصلة الاستهداف الحوثي للقضاء حين يقوض سلطة القانون إلى سلطة جماعة، لا تبقى الدولة قائمة إلا في الشكل — أما روحها، وهي العدالة، فقد تم الإجهاز عليها تمامًا، واستمرار هذا المسار يعني عمليًا إنتاج قضاء بلا قضاة حقيقيين، وأحكام بلا شرعية قانونية، وعدالة فقدت معناها ومكانتها.

The post عدالة على مقاس “الحوثي”.. “دورة الولاء” تحلّ بدلاً من “شهادة القانون” في محاكم صنعاء appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية