يمن مونيتور/ صنعاء/ خاص:
يشهد المشهد الإنساني في اليمن تحولاً كارثياً، حيث وصلت عمليات الإغاثة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي إلى “حالة شلل عملياتي كامل”، وفق تقارير برنامج الأغذية العالمي (WFP).
هذا التجميد الشامل للمساعدات الغذائية والإنسانية، الذي بدأ فعلياً بتعليق أنشطة البرنامج في نهاية أغسطس/آب 2025، بات يهدد بدفع الملايين من سكان شمال اليمن، الذين يعانون أصلاً من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي، إلى حافة مجاعة صامتة.
تؤكد بيانات برنامج الأغذية العالمي أن جميع مساعداته معلّقة حالياً في مناطق الحوثيين، نتيجة مباشرة لتصاعد الأزمة الأمنية واستهداف كوادر العمل الإنساني. هذا التصعيد بلغ ذروته مع الكشف عن احتجاز 29 من موظفي البرنامج من قبل الحوثيين في شمال اليمن خلال العام الجاري، وهي ممارسة وصفتها الأمم المتحدة بـ “الاحتجازات التعسفية المستمرة”.
هذا المناخ الأمني العدائي لم يؤدِ فقط إلى تجميد المساعدات، بل أدى إلى تعطيل فعلي لمكتب البرنامج القطري في صنعاء، مركز إدارة العمليات. وقال مسؤول في البرنامج لـ”يمن مونيتور” إن عمل المكتب “غير متاح” في الوقت الحالي.
وفي سبتمبر/أيلول 2025 وأكتوبر/تشرين الأول لم يقدم البرنامج أي مساعدات غذائية في مناطق الحوثيين، في حين استمر بتقديم مساعدات طارئة لحوالي 3 ملايين شخص في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، حيث أنجز الدورة الخامسة للمساعدة الغذائية العامة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول.
يُنظر إلى هذه الإجراءات الحوثية باعتبارها استخدام للمساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي لانتزاع تنازلات أو فرض سيطرة كاملة على عملية التوزيع، مما يطرح تحدياً خطيراً يمس بمبدأي الحياد والاستقلالية للعمل الإنساني.
- المعتقلون الأمميون كأوراق استراتيجية.. كيف أجبر الحوثيون الأمم المتحدة على شرعنة “مسار الابتزاز”؟ -تحليل خاص
- فخ الشرعية: كيف تدعم المؤسسات الدولية سيطرة الحوثيين على اليمن؟
تداعيات الشلل: تهديد الخدمات الحيوية وتفاقم الفقر الغذائي
إن التجميد المفروض على عمليات برنامج الأغذية العالمي تخطى المساعدات الغذائية ليصل إلى الخدمات اللوجستية والمساءلة، ما يهدد قدرة الشركاء الإنسانيين الآخرين على العمل، حيث أشار تقرير وضع لبرنامج الأغذية العالمي صدر نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أن مجموعة الخدمات اللوجستية التي يقودها البرنامج لم تتمكن من تقديم أي دعم للشركاء في شهر سبتمبر/أيلول بسبب التحديات العملياتية المستمرة.
كما تم تعليق الوقود الإغاثي، حيث أعلن البرنامج تعليق خدمة توفير الوقود عند الطلب في المناطق الخاضعة لسلطات صنعاء 6، وهو وقود حيوي يستخدم لدعم منشآت الصحة والمياه والإصحاح (WASH)، ما يضع هذه الخدمات الأساسية تحت ضغط كبير ويهدد بتوقفها.
وكشف التقرير عن توقفت آليات الرقابة والمحاسبة، حيث أصبح نظام التغذية الراجعة المجتمعية للبرنامج غير فعال بسبب القيود العملياتية. كما ظل تمرين إعادة استهداف وتسجيل المستفيدين، وهو إجراء حاسم لضمان وصول المساعدات لمستحقيها، معلقاً في مناطق سلطات الحوثيين.
ويؤكد هذا الانسداد أن الأزمة الإنسانية في اليمن لم تعد مجرد أزمة تمويل، بل هي أزمة وصول وحماية، حيث تحولت الكوادر الإنسانية إلى أهداف، وتستخدم المساعدات كأداة ضغط سياسي، ما يعرض ملايين السكان في شمال اليمن لخطر التدهور الغذائي مجدداً.
كان البرنامج الأممي قد أعلن في وقت سابق هذا العام عن إيقاف علاج سوء التغذية متوسط الحدة في مناطق الحوثيين بسبب نفاد الإمدادات، ما يهدد حياة نحو نصف مليون طفل كانوا يتلقون العلاج سابقاً. لكنه قال إن منظمة اليونيسف ستتولى تغطية الحالات الحرجة فقط، ما يعني أن آلاف الأطفال سيُتركون دون تدخل علاجي في الوقت المناسب. في أكتوبر/تشرين الأول أوقفت اليونيسف وكذلك الصحة العالمية تدخلاتها في مناطق الحوثيين؛ ما يجعل هؤلاء الأطفال في وضع سيء للغاية.
وقال المسؤول في برنامج الأغذية العالمي، الذي فضل المسؤول عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام، لـ”يمن مونيتور” إن الأزمة في شمال اليمن تحولت من أزمة تمويل إلى أزمة “وصول وحماية”، حيث أصبحت الكوادر الإنسانية أهدافاً مباشرة لسلطة الأمر الواقع (الحوثية).
ويرفض الحوثيون مناقشة إجراءات تغطية فراغ انسحاب وكالات الأمم المتحدة من مناطق سيطرتهم، على العكس من ذلك اقتحم الحوثيون مقرات 5 منظمات دولية جديدة في صنعاء يوم الأربعاء.
ويوجه الحوثيون اتهامات تجسس للموظفين اليمنيين الذين يعملون في وكالات الأمم المتحدة وجرى اعتقالهم، بينهم موظفة اعتقلها الحوثيون بعد أيام من وضع مولودها الذي توفي.
وقال مصدر أمني ومحام في صنعاء لـ”يمن مونيتور” إن الحوثيين أحالوا ملفات 42 من موظفي يونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي إلى النيابة العامة تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة “التجسس” والتي توصل إلى الإعدام.
وقال المسؤول في برنامج الأغذية: أدت حملات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري التي تستهدف العاملين في المجال الإنساني إلى خلق مناخ من الخوف يهدد قدرة المنظمات على العمل بحرية واستقلالية؛ بدء محاكمة الموظفين اليمنيين يفاقم الوضع السيء.
أزمة المجاعة في البؤر الساخنة
يشير التقرير إلى أن 61% من الأسر اليمنية كانت تكافح لتلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في سبتمبر، وأن الحرمان الغذائي الشديد يؤثر على ثلث الأسر (34%). وتكمن الكارثة في أن تعليق المساعدات يطال بؤر الجوع التي تسجل أعلى معدلات سوء الاستهلاك، مثل البيضاء وريمة والجوف، الواقعة جميعها تحت سيطرة صنعاء.
الفئات الأكثر ضعفاً، وعلى رأسها النازحون داخلياً (IDPs) المقيمون في مخيمات نزوح في مناطق الحوثيين، هم المتضرر الأكبر. مع إيقاف المساعدات الطارئة والتغذية المدرسية، يُتوقع تدهور حاد في أنماط استهلاك الغذاء، ما سيدفع المزيد من الأسر إلى استراتيجيات تكيف “قاسية” مثل التسول.
بفعل تقليص المساعدات يرجح أن يضطر السكان إلى اللجوء إلى آليات التكيف السلبية الأشد خطورة، والتي غالباً ما تشمل التسول وبيع الأصول والزواج المبكر وغيرها من الممارسات لتدبير لقمة العيش.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 75% من المساعدات التي دخلت اليمن منذ عام 2015 ذهبت إلى المناطق التي يسيطرون عليها، وتؤكد المعلومات أن جزءاً كبيراً منها يُنهب ويُباع في السوق السوداء لتمويل جهودهم الحربية وإثراء قادتهم.
شبح العجز التمويلي يفاقم الكارثة في الجنوب
في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ورغم استمرار المساعدات، فإن العملية الإنسانية تواجه تحدياً موازياً لا يقل خطورة: العجز التمويلي الشديد. تظهر الأرقام أن عمليات البرنامج لليمن تعاني من فجوة تمويلية هائلة بنسبة 91% للستة أشهر القادمة (نوفمبر /تشرين الثاني 2025 – أبريل/نيسان 2026)، مع صافي متطلبات تمويل يبلغ 434 مليون دولار أمريكي.
ويُحذر البرنامج من أن هذا النقص الدراماتيكي في المساهمات سيؤدي إلى تقليص كبير للمساعدات ابتداءً من أوائل عام 2026. هذا التقليص سيؤثر على 3.4 مليون شخص، وسيُنهي برنامج المساعدات الغذائية العامة (GFA) لينتقل إلى برنامج أكثر استهدافاً، مما يعني خروج ملايين المستفيدين السابقين من دائرة الدعم في وقت حرج.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن اليمن يتجه نحو مجاعة صامتة تتغذى على التسييس، الإهمال، والعجز الدولي. ما لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة لإعادة فتح قنوات الإغاثة وضمان حماية العاملين الإنسانيين، فإن الكارثة لن تكون فقط إنسانية، بل أخلاقية أيضاً
The post إغلاق أبواب “الأغذية العالمي”.. الحوثيون يشلّون الإغاثة ويُطلقون شرارة المجاعة الصامتة appeared first on يمن مونيتور.
أخبار ذات صلة.