سبتمبر نت/ تقرير- مختار الصبري
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو التحركات السياسية على الصعيدين الاقليمي والدولي، الرامية إلى إحلال سلام مستدام في اليمن، تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية، المدعومة من النظام الإيراني، نهجها العدواني التصعيدي، الذي تجلى مؤخرا في محاولات هجومية فاشلة في الجوف وتعز، الامر الذي يعد تأكيدا جديدا على عدم جدية المليشيا في الانخراط بمسار السلام، ويكشف عن طبيعتها التي لا تؤمن إلا بلغة السلاح والعنف.
بعد نحو ثلاث سنوات من التهدئة الهشة، ما تزال القوات المسلحة في مختلف المناطق والمحاور العسكرية، تمارس ضبط النفس، إزاء انتهاكات المليشيا الحوثية الارهابية للتهدئة، إيماناً منها بضرورة إعطاء الفرصة كاملة للجهود السياسية والدبلوماسية، وإدراكاً منه لحجم المسؤولية الوطنية تجاه حقن دماء اليمنيين، ومؤكداً أن صبره هو جزء من استراتيجية وطنية أوسع هدفها استعادة الدولة وتحقيق السلام الشامل والعادل.
لكن هذه الاستراتيجية أغرت المليشيا الحوثية لتصعيد هجماتها العسكرية، مستهدفة مواقع الجيش في أكثر من جبهة، وهو ما قوبل برد قوي وحازم من قبل القوات المسلحة.
في أحدث المستجدات، شهدت جبهات القتال في محافظتي الجوف وتعز، خلال الأيام الماضية، موجة من التصعيد العسكري الحوثي، الذي يأتي في وقت تتصاعد فيه التحركات الدبلوماسية لتحقيق اختراق في مسار السلام.
في الجوف، أحبط أبطال القوات المسلحة، الإثنين، محاولة هجومية واسعة للمليشيات الحوثية الإرهابية استهدفت مواقع عسكرية في الجبهة الشرقية للمحافظة. ووفقاً لمصادر عسكرية، فقد تصدت وحدات الجيش الوطني المرابطة في قطاع جواس بصحراء الجوف ببسالة وشجاعة فائقة لمحاولة الهجوم الحوثية التي استهدفت عدة مواقع عسكرية في القطاع.
بحسب المصادر، استمرت هذه المعارك لساعات طويلة، استخدمت فيها القوات المسلحة مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وتمكنت من تكبيد المليشيا خسائر بشرية ومادية فادحة، وإجبار عناصرها على التراجع والفرار تحت وطأة النيران المكثفة.
التعامل الحازم مع التصعيد الحوثي، يأتي ليؤكد أن الجاهزية القتالية العالية لأبطال القوات المسلحة هي السد المنيع الذي أفشل كل محاولاتها العدائية على امتداد مسرح العمليات القتالية.
وفي تعز، التي تشهد حصاراً جائراً وتصعيداً مستمراً، أفشلت قوات الجيش بمحور تعز، في اليوم ذاته، عملية إنشاء مواقع قتالية للمليشيات الحوثية الإرهابية غرب المدينة.
وأوضح مصدر عسكري، أن الجيش استهدف آلية كانت ضمن تحركات تقوم بها مليشيا الحوثية في إطار تصعيدها المستمر في مختلف الجبهات بالمحافظة، حيث أصابتها إصابة مباشرة أثناء قيامها بإنشاء مواقع قتالية جديدة غرب المدينة.
ويؤكد المصدر أن قوات الجيش ترصد بدقة تحركات المليشيا وتتعامل بحزم مع أي خروقات أو محاولات تسلل أو استحداث مواقع جديدة، وهو ما يثبت أن عين الجيش لا تنام، وأن أي محاولة للمساس بأمن المواطنين ستقابل برد حاسم وفوري.
التصعيد الحوثي في تعز يتجاوز الجانب العسكري ليشمل استهدافاً ممنهجاً للمدنيين، وهو ما يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان، فمنذ أكثر من أسبوعين، تشهد المدينة تحشيداً حوثياً وقصفاً مدفعياً متجدداً يستهدف الأحياء السكنية ومواقع الجيش في جبهات شرق وشمال شرق المدينة.
يرى مراقبون أن التصعيد الحوثي ليس مجرد خرق عابر، بل هو سلوك ممنهج يهدف إلى خلط الأوراق، ومحاولة يائسة لفرض معادلات عسكرية جديدة على الأرض، والهروب من استحقاقات السلام التي تفرضها المبادرات الإقليمية والدولية.
تصعيد هستيري
وفي هذا السياق، أعرب العميد الركن منصور الحساني، أركان حرب اللواء 22 ميكا، أن مليشيا الحوثي الإرهابية صعدت من وتيرتها العدائية والعسكرية مستهدفةً الجبهات في تعز بمختلف الأسلحة، وكثفت من هجماتها وعززت من استحداثاتها في مواقع جديدة شرق وشمال وغرب تعز.
وأشار إلى أن المليشيا تعيش أنفاسها الأخيرة في ظل تصعيدها الهستيري ضد المدنيين، مستشهداً بإصابة الطفل هشام أحمد أمين الشميري (7 سنوات) بشظايا برصاص قناصتها الحوثية في حي كمب الروس بمديرية صالة شرق تعز، وهو دليل دامغ على وحشية هذه المليشيا وتجردها من أي قيم إنسانية.
وفقا لعسكريين في محور تعز، فإن رد الجيش الوطني على هذا التصعيد الحوثي لم يكن رد فعل عشوائياً، بل كان رداً استراتيجياً يوازن بين الحفاظ على الجاهزية القتالية وإعطاء الأولوية للسلام.
ورغم قدرة أبطال القوات المسلحة، على حسم المعركة عسكرياً، الا انه يختار بوعي وإدراك ممارسة ضبط النفس، وهو ما يعكس التزام القيادة الشرعية بالخيار السلمي كطريق لإنهاء الأزمة.
أكد عسكريون بمحور تعز لـ”صحيفة 26 سبتمبر” أن الاحترافية والمهنية العالية للقوات المسلحة هي التي أفشلت خطط المليشيا وكبدتها خسائر فادحة في العدة والعتاد، حيث يتم التعامل مع كل محاولات التسلل والتصعيد بحزم وقوة، مع الالتزام بقواعد الاشتباك التي تحافظ على أرواح المدنيين.
وفي هذا الصدد، أشار العميد الحساني إلى أن القوات المسلحة تعاملت بفاعلية مع اعتداءات المليشيا في شرق وشمال تعز، حيث أجبروها على التراجع والفرار تحت ضربات قاصمة، وكان آخرها مصرع القيادي الحوثي البارز في الجبهة الغربية للمدينة “أبو علي الريمي”، مشرف مفرق شرعب ومنطقة الستين.
ويرى الحساني، ان استهداف القيادات الميدانية البارزة للمليشيا يؤكد القدرة الاستخباراتية والقتالية للجيش الوطني على الوصول إلى أهدافها بدقة عالية.
وفي هذا السياق، أكد العميد مروان عاتق، قائد لواء العصبة بمحور تعز، أن التصعيد الحوثي، المتمثل في عمليات تحشيد مستمرة واستقدام تعزيزات بشرية وآليات قتالية، يأتي في محاولة يائسة لإرباك الوضع الأمني بعد فشل المليشيا في تحقيق أي اختراق ميداني.
وأضاف: أن قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في جاهزية تامة وتتابع التحركات بدقة، مؤكداً أن أي محاولات تسلل أو تصعيد سيتم التعامل معها بحزم ورد قوي.
وقود معركة الخلاص
التصعيد الحوثي، بدلاً من أن يحقق أهدافه، يتحول إلى وقود لمعركة الخلاص التي يخوضها الجيش الوطني، بحسب العقيد محمد العيد، قائد جبهة الأقروض بتعز، الذي أشار إلى أن تحركات المليشيا العسكرية الأخيرة أصبحت بمثابة وقود إضافي لمعركة الحسم المباشر، ولن تُقابل إلا برد عسكري مزلزل.
وأكد أن أبطال الجيش الوطني، يقفون على أهبة الاستعداد الكامل، وفي أتم الجاهزية المعنوية واليقظة العالية للتعامل مع كل حشود المليشيا وتحركاتها.
وقال العقيد العيد: إن “أيام العبث قد ولت”، وإن أي محاولة للاقتراب من أطراف المدينة أو اختراق خطوط الدفاع ستقابل بـ”لهيب من نار”، مؤكداً أن تعز “لن تكون إلا مقبرة لمشروعهم الانقلابي”.
الحسم خيار وحيد
على الرغم من الالتزام بضبط النفس، فإن القوات المسلحة تدرك أن الحسم العسكري الشامل قد يصبح الخيار الوحيد في حال استمرار تعنت المليشيا ورفضها الجنوح للسلام.
وأكد العقيد نبيل الكدهي، مساعد مدير الأمن لشؤون الأمن، أن المعركة اليوم مع المليشيا حاسمة، لاستعادة الوطن وتحرير الأرض والإنسان، وأن الحسم العسكري الشامل هو الخيار الوحيد لهذه المليشيا التي لا تؤمن بالسلام ولا تلتزم بأي عهود أو مواثيق دولية.
واوضح أن القوات المسلحة ليست غافلة عن طبيعة المليشيا، بل هي تمنح الفرصة للسلام من منطلق القوة والمسؤولية.
إن التصعيد الحوثي، وفقاً للعقيد نبيل الأديمي، ضابط باللواء 22 ميكا، يراد منه إشعار المجتمع الدولي بأنهم موجودون وبمركز قوة للتفاوض، وهي أوهام وحالة تعيشها المليشيا التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، مؤكداً أن الجيش الوطني هو صمام أمان الوطن وسينتصر للمواطن.
المليشيا لا تعي الدروس
وفي تأكيد على الطبيعة المتكررة لسلوك المليشيا، أبدى النقيب عبدالرحمن غلاب من اللواء 22 ميكا، أن المليشيا لا تعي الدروس ولم تستفد منها سابقاً، مؤكداً أن المليشيا الحوثية كعادتها كلما ضاقت عليها الخناقات تفتعل أزمات وحروباً للهروب من استحقاقات الشعب والوطن.
وأشار إلى أن تعز اعتادت على ضيافة “فراخ الحوثي” في كل الأعوام السابقة، وهي على استعداد تام لاستقبالهم هذه الفترة لتذكيرهم بالدروس السابقة أيضاً.
رابعاً: نداء للمجتمع الدولي.. مسؤولية أخلاقية وقانونية
إن استمرار التصعيد الحوثي واستهداف المدنيين يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية لا يمكن التهرب منها.
رسالة الجيش
في الختام، يظل أبطال القوات المسلحة الحصن المنيع الذي يحمي الجمهورية، والقوة الضاربة التي توازن بين القدرة على الحسم والحكمة في ممارسة ضبط النفس الاستراتيجي.
يؤكد عسكريون أن رسالة الجيش واضحة: نحن جاهزون للسلام، ومستعدون للحرب، فإذا اختارت المليشيا طريق السلام، فستجد الجيش الوطني داعما، اما إذا اختارت طريق التصعيد، فستجد الجيش الوطني بالمرصاد، وسيكون مصيرها الهزيمة المدوية.
أخيرا، التصعيد الأخير للمليشيا الحوثية يحمل في طياته دلالات عميقة تكشف عن مأزقها الداخلي وتخوفاتها الاستراتيجية، فمن الواضح أن هذا التصعيد يأتي في ظل تغيرات إقليمية ودولية تضغط باتجاه الحل السياسي، وهو ما يثير قلق المليشيا التي بنت وجودها على استمرار حالة الحرب والفوضى.
يرى مراقبون ان المليشيا تدرك أن أي اتفاق سلام شامل سيعني بالضرورة تفكيك ترسانتها العسكرية، والانسحاب من المدن، والاندماج في مؤسسات الدولة الشرعية، وهي استحقاقات ترفضها المليشيا لأنها تهدد وجودها كقوة مسلحة خارجة عن القانون، ولذلك، تلجأ إلى التصعيد العسكري كـورقة ضغط في المفاوضات، أو كـمحاولة لعرقلة أي تقدم سياسي لا يخدم أجندتها.