“حتى الأبقار تُجمرك”.. الحوثيون يحوّلون طريق “عدن – صنعاء” إلى منافذ ابتزاز جديدة
أهلي
منذ أسبوع
مشاركة

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص

لم يكد اليمنيون يلتقطون أنفاسهم بعد إعادة فتح الطريق الحيوي الرابط بين عدن وصنعاء، حتى تحوّل الأمل بانفراجة إنسانية إلى كابوس جديد من الجبايات. ففي محافظة الضالع وسط البلاد، نصبت جماعة الحوثي نقاطًا جمركية على الطرق الداخلية، لتفرض رسوماً غير قانونية على السلع والمواشي والغاز، في خطوة تعكس سعيها لتعويض خسائرها العسكرية والمالية من جيوب المواطنين المنهكين.

يقول المواطن محمد مبخوت (35 عامًا) من أبناء مديرية دمت بمحافظة الضالع، إنه فوجئ، بإجباره على دفع رسوم جمركية على قطيع من الأبقار كان ينقله من منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية إلى منطقته الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي.

يضيف مبخوت في حديثه لـ”يمن مونيتور”: “ذهبت إلى مريس لشراء ثورين بسبب انخفاض أسعارها هناك، لكنني تفاجأت بعناصر الجماعة في نقطة جمركية جديدة استُحدثت جنوب مدينة دمت، تطالبني بدفع رسوم قدرها 200 ريال سعودي مقابل إدخال الثورين، رغم أن التنقل بين المناطق اليمنية شأن داخلي لا يخضع لأي رسوم جمركية قانونًا”.

وأشار إلى أن تلك الرسوم كانت تمثل كامل الفارق المالي الذي وفّره من شراء الأبقار من مريس، مؤكدًا أن الجماعة تتعمد إحباط المواطنين حتى في أبسط محاولاتهم لتحسين معيشتهم.

وفي 7 يونيو 2025، وصلت قيادات حوثية إلى المدينة برفقة قوات أمنية وطاقم فني، لبدء إنشاء النقطة الجمركية الجديدة، حيث تم تركيب معدات وفرض رسوم على السلع والبضائع وحتى على المتعلقات الشخصية للقادمين من مناطق الحكومة الشرعية.

ويكشف المواطن محمد كمال، وهو من أبناء دمت، عن جانب آخر من المعاناة، قائلاً لـ”يمن مونيتور”: “كنت أدفع 2000 ريال يمني رسومًا جمركية على كل دبة غاز أدخلها من مريس إلى دمت، رغم أنها مادة استهلاكية أساسية. وبعد فترة، تم منع استيراد الغاز من مريس نهائيًا، ما ضاعف الأزمة أكثر”.

ويضيف كمال أن سعر دبة الغاز في دمت اليوم يعادل ثلاثة أضعاف سعرها في مريس، موضحًا أن الأهالي كانوا يعتمدون على مريس لتوفير احتياجاتهم الأساسية بأسعار معقولة، لكنهم باتوا اليوم مجبرين على الشراء بأسعار مرتفعة جدًا، مما زاد من معاناتهم اليومية.

من جانبه، يقول المواطن محمد المنتصر لـ”يمن مونيتور”: “طُلب مني دفع جمارك على ماطور ماء اشتريته من قعطبة لاستخدامه في مزرعتي الصغيرة، رغم أنه للاستخدام الشخصي. لسنا تجارًا ولا نستورد بضائع من الخارج، ومع ذلك تُفرض علينا رسوم وكأننا أصحاب شركات”.

ويتابع المنتصر: “حتى أبسط المعدات التي نحتاجها للزراعة أو للشرب أصبحت وسيلة جديدة للجباية”.

في السياق، علّق القائد في قوات الحزام الأمني (قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي) بمحافظة الضالع، نصر جعوال، على هذه الممارسات بالقول لـ”يمن مونيتور”: “كنا نأمل أن يكون فتح الطريق الرابط بين مريس ودمت أو بين عدن وصنعاء خطوة إنسانية تخفف من معاناة المواطنين، لا وسيلة للنهب والسلب كما يحدث في مناطق الحوثيين”.

وأكد جعوال أن أي عمليات جباية أو ضرائب أو جمارك ممنوعة تمامًا في محافظة الضالع، مشددًا على ضرورة أن يظل الطريق ممرًا إنسانيًا خاليًا من أي رسوم، وأن تمر عبره الشاحنات إلى جميع المحافظات دون عوائق.

وأضاف أن فرض تلك الرسوم ينعكس مباشرة على أسعار السلع ويضاعف من معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع الرواتب وانعدام الخدمات الأساسية.

ودعا جعوال المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين إلى تكثيف الضغط الإعلامي والحقوقي لوقف هذه الانتهاكات، مؤكدًا أن “العمل الإنساني يجب أن يُجرد من الحسابات السياسية، وإذا كانت هناك نية حقيقية لخدمة المواطن، فيجب أن تبدأ بوقف هذه الجبايات التي أثقلت كاهله”.

مصادرة أراضٍ واعتقالات

بالتوازي مع توسعة المنشآت الجمركية، قامت الجرافات الحوثية بجرف أراضٍ خاصة بمواطنين في منطقة الصدرين بمديرية دمت، دون إشعار مسبق أو أي سند قانوني.

ووفقًا لمصادر محلية تحدثت لـ”يمن مونيتور”، امتدت أعمال الجرف من خلف محطة الوقزة حتى مطاعم حضرموت على امتداد الشارع العام، ما أثار احتجاجات سلمية من الأهالي الذين فوجئوا بالخطوة.

وأشارت المصادر إلى أن الجماعة ردّت على تلك الاعتراضات بحملة اعتقالات طالت عددًا من المواطنين لمجرد رفضهم التعدي على أراضيهم، معتبرين ما جرى انتهاكًا صريحًا لحق التملك يجري تحت غطاء مشروع غير قانوني.

وقال علي اليعيسي، أحد المتضررين، لـ”يمن مونيتور”: “بسطوا على أرضنا واعتقلونا لأننا اعترضنا على المصادرة. هذه الأراضي ورثناها عن آبائنا، ولم نتلق أي إشعار أو تفسير، بل فوجئنا بمسلحين يرافقون الجرافات وكأننا غرباء في أرضنا”.

وأكد اليعيسي أن أهالي دمت لا يعارضون إقامة المشاريع العامة التي تخدم المصلحة العامة، لكنهم يرفضون انتزاع أراضيهم بالقوة ودون مسوغ قانوني، مشددًا على أن الاحتكام للقانون هو الضامن الوحيد لحقوق الجميع، لا سياسة فرض الأمر الواقع.

ذريعة “التسهيلات” وخلفيات اقتصادية

يرى مراقبون أن فتح الطريق لم يكن سوى محاولة حوثية لتعويض الخسائر الاقتصادية الناتجة عن تعطل ميناء الحديدة الذي تضرر مؤخرًا جراء استهداف الطيران الإسرائيلي، إلى جانب العقوبات الأمريكية التي أعاقت تدفق الوقود إليه.

ووفقًا لمصادر اقتصادية، تحاول الجماعة فتح منافذ بديلة لجباية رسوم جمركية مضاعفة لتعزيز مواردها المالية.

وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي فارس النجار لـ”يمن مونيتور” أن ما تقوم به مليشيا الحوثي من فرض جمارك على السلع والبضائع بين المحافظات إجراء غير قانوني يقوّض بنية الاقتصاد الوطني ويحول البلاد إلى مناطق نفوذ مالية متباعدة، ما يعمّق الانقسام الاقتصادي والإداري.

وأضاف النجار أن النظام الجمركي في اليمن يُطبّق قانونًا فقط على السلع المستوردة من الخارج عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، وليس على حركة البضائع داخل الدولة، معتبرًا أن ما يجري اليوم ابتكار لجمارك موازية هدفها تمويل المجهود الحربي والأمني للجماعة، وليس دعم الخزينة العامة أو تحسين الخدمات.

وأشار إلى أن هذه السياسات تتسبب بتضخم مصطنع في الأسعار، إذ تضاف الرسوم غير القانونية على كل سلعة تمر عبر تلك النقاط، مما يرفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بنسبة قد تصل إلى 40% في بعض المناطق.

كما تؤدي هذه الممارسات – بحسب النجار – إلى إضعاف ثقة التجار والمستثمرين المحليين ودفعهم إلى تقليص أنشطتهم، الأمر الذي يفاقم فوضى السوق ويزيد من تدهور الاقتصاد الوطني.

وتابع النجار: “الطريق الرابط بين الضالع وصنعاء لا يمتّ بصلة للجانب الإنساني كما يُروّج له الحوثيون، بل يخضع لاعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية، خصوصًا بعد العقوبات الأمريكية والضربات التي استهدفت موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، ما أدى إلى انخفاض كبير في إيراداتها”.

واختتم النجار حديثه بالتحذير من أن استمرار هذه الممارسات دون تدخل من السلطات الشرعية والمنظمات الدولية سيؤدي إلى حالة انفصال اقتصادي فعلي، حيث تتعدد الأنظمة الجمركية داخل الدولة الواحدة، ويصبح المواطن الضحية الأولى لاقتصاد الحرب.

The post “حتى الأبقار تُجمرك”.. الحوثيون يحوّلون طريق “عدن – صنعاء” إلى منافذ ابتزاز جديدة appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية