
عربي
"قديمك.. نديمك"، هكذا تبدو صورة الوضع الراهن في سوق السلع الفاخرة التي تنتجها أكبر دور الأزياء العالمية. فالحاصل أنّ الإقبال يزيد على الموضات القديمة من هذه السلع على حساب الجديد منها، مما يؤثر بالسلب على دور المصممين العالميين، ويعود بالربح على المواقع الإلكترونية المتخصصة في بيع السلع القديمة.
وبالرغم من أنّ ظهور تلك المواقع ارتبط أساساً بمساعدة الناس على التخلص من أغراضهم القديمة واستخدام عائدها لشراء سلع أحدث، إلا أنّ الأرقام الحديثة وفق ما تنقله صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، الأحد، تفيد بالعكس، وهو ما عزز سوق السلع القديمة الفاخرة لتبلغ قيمته في العام الماضي 56 مليار دولار عالمياً.
شركة "ذا ريل ريل" (The RealReal)، وهي أكبر منصة إلكترونية في العالم لإعادة بيع السلع الفاخرة، حققت نمواً في المبيعات بنسبة 10% في المتوسط خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، وقفز سهمها المدرج في بورصة نيويورك أكثر من 200% خلال عام واحد. كذلك الأمر بالنسبة لشركة فاشن فايل (Fashionphile)، وهي واحدة من أكبر الشركات المتخصصة في هذا المجال، فمبيعاتها تنمو أكثر من 10% خلال العام الجاري.
وفي المقابل، ظل الطلب على السلع الفاخرة الجديدة ثابتاً في المتوسط لستة فصول متتالية بين كبريات العلامات الأوروبية. وقد وظفت أكثر من اثنتي عشرة علامة تجارية مصممين جدداً في محاولة لجذب المستهلكين مجدداً إلى المتاجر وتشجيعهم على الإنفاق.
وقد أحرز تحالف شركات؛ لوي فويتون- مويت شاندون- هانسي (LVMH)، الذي يعتبر أكبر مجموعة للسلع الفاخرة في العالم من حيث القيمة السوقية، تقدماً مبكراً؛ إذ أعلن الأسبوع الماضي أنّ مبيعاته ارتفعت بنسبة 1% في الربع الثالث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع سهم المجموعة بحدة وسط آمال بحدوث انتعاش.
غير أنّ هناك رياحاً معاكسة تواجه هذه الشركات؛ إذ يبدو أن سوق إعادة البيع تحوّلت من عامل مساعد يروج للعلامات الفاخرة إلى منافس مباشر لها. ففي السابق، كان المتسوقون يستخدمون مواقع إعادة البيع لتصفية مقتنياتهم غير المرغوب فيها، فيبيعون ملابسهم القديمة ويستفيدون من العائد لشراء سلع جديدة من السوق الأساسية، مما كان يعزز مبيعات العلامات الفاخرة. غير أن السلوك تغيّر خلال العامين الماضيين، وفقاً لشركات إعادة البيع ومحللي سوق السلع الفاخرة، إذ أصبح مزيد من الناس ينفقون الأموال التي يحصلون عليها من إعادة البيع على سلع مستعملة أخرى، متجاوزين السوق الأساسية تماماً.
وهذا السلوك يزداد انتشاراً بين المتسوقين الشباب، ويضع العلامات الفاخرة في منافسة مع مليارات الدولارات من السلع الموجودة أصلاً في خزائن الناس.
سعر السلع الفاخرة هو المشكلة
المستهلكون من جيل زد وجيل الألفية هم الأسرع نمواً بين عملاء "ذا ريل ريل"، وقد بدأ هذان الجيلان في الابتعاد عن السوق الأساسية. ووفقاً لبيانات من شركة الاستشارات "بين" (Bain)، أنفق جيل زد في عام 2024 ما يقل بنسبة 7% على السلع الفاخرة الجديدة مقارنة بالعام السابق، بينما تراجع إنفاق جيل الألفية بنسبة 2%. لكن ذلك لا يعني أنّ المتسوقين أصبحوا عازفين عن السلع الفاخرة، فاستطلاعات الرأي تثبت العكس، ولكن السؤال يتعلق بالسعر. فالقائمة التي تتصدرها "فاشن فايل" لأكثر الحقائب مبيعاً تشمل "لوي فويتون" و"شانيل" و"غوتشي".
بيد أنّ الارتفاع الكبير في أسعار السلع الفاخرة الجديدة يدفع المشترين إلى مواقع إعادة البيع بحثاً عن خصومات، كما أنّ ضعف سوق العمل وتراجع التوقعات الاقتصادية يدفعان المتسوقين الذين لديهم القدرة الشرائية على اقتناء الجديد، إلى مزيد من الحذر في الإنفاق. وتقول رئيسة قطاع الأزياء والرفاهية في شركة بين كلوديا داربيتسيو، لـ"وول ستريت جورنال"، إنّ "الشهية لهذه العلامات والمنتجات لا تزال قوية، لكن الاستعداد لدفع الأسعار الحالية ضعيف".
بلغت قيمة سوق السلع الفاخرة المستعملة 56 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لتقديرات "بين"؛ أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف حجمها قبل عقد، وهي تعادل تقريباً إجمالي مبيعات العلامات الفاخرة في المتاجر الكبرى حول العالم عام 2024. وبهذا الحجم، بدأت إعادة البيع تؤثر على سلوك التسوق؛ إذ أصبح مزيد من المستهلكين يقارنون الأسعار في السوق المستعملة قبل الشراء الجديد لمعرفة كم يمكنهم استرداده من ثمن مشترياتهم الفاخرة بعد استخدامها قليلاً.
تُعد شفافية الأسعار في سوق السلع المستعملة سلاحاً ذا حدين بالنسبة للعلامات الفاخرة. فهي تعزز مكانة العلامات التي تحافظ على قيمتها مثل "لوي فويتون" و"بوتيغا فينيتا"، إذ تُظهر بيانات "ذا ريل ريل" أنّ حقائب هذه العلامات تباع في المتوسط بنسبة 89% من سعرها الأصلي عندما تكون بحالة ممتازة، أما العلامات التي لا تحافظ على قيمتها، فقد تصبح أقل جاذبية عندما يبدأ المستهلكون بموازنة فرص إعادة بيعها.
من غير المرجح أن تدخل العلامات الفاخرة سوق إعادة البيع بشكل مباشر في أي وقت قريب، رغم نموها السريع، لأن الجوانب اللوجستية معقدة. فهل يصطف من يبيعون حقائبهم القديمة إلى جانب من يشترون الجديد؟ كما أن إخبار العملاء بأن منتجاتهم تساوي جزءًا صغيرًا مما دفعوه أصلاً لا يناسب فلسفة هذه العلامات.
لكن العلامات بدأت تراقب سوق السلع المستعملة لتعرف أياً من منتجاتها القديمة يعود إلى الموضة. فخوارزميات مواقع إعادة البيع، التي تسعّر السلع بناءً على سرعة المبيعات ونشاط البحث وغيرها من العوامل، توفر مقياساً نقياً لاهتمامات المستهلكين وتكشف بسرعة عن أي سلعة تعود إلى رواجها.
فعلى سبيل المثال، قفز سعر حقائب "كلوي بادينغتون" المستعملة هذا العام إلى 724 دولاراً على موقع "ذا ريل ريل"، مقارنة بـ 217 دولاراً فقط في عام 2024. وقد أعادت علامة كلوي المملوكة لشركة الرفاهية السويسرية ريشمون، إصدار الحقيبة في السوق الأساسية للاستفادة من هذا الزخم. كما أعادت "لوي فويتون" و"بالنسياغا" إطلاق تصاميم قديمة لحقائب اليد هذا العام، في استجابة منها للطلب الملحوظ في سوق السلع المستعملة.
وتُعدّ المعلومات حول ما يبحث عنه المستهلكون في سوق إعادة البيع كنزاً للعلامات الفاخرة التي تحاول معرفة ما يرغب المتسوقون في شرائه الآن، لكن التحدي الأكبر يبقى في إقناع هؤلاء الزبائن بدفع السعر الكامل، بدلاً من اللجوء إلى الصفقات الأرخص على مواقع إعادة البيع.
