
عربي
نفّذت طواقم استيطانية، اليوم الأحد، عمليات مسح هندسي لطرقات مختلفة في مناطق مسافر يطا جنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية، تمهيداً لتعبيد بعضها وإصلاح أخرى، في خطوة تُعدّ تمهيداً لمرحلة جديدة من الاستيلاء الكامل على الأراضي الفلسطينية هناك، ومنع الفلسطينيين من المرور عبر هذه الطرق. ويواصل المستوطنون في مسافر يطا تطوير أساليبهم في التوسع وفرض القيود على السكان الأصليين، عبر تنفيذ إجراءات ميدانية تستهدف سلب الأراضي وتقييد حركة الفلسطينيين بشكل متزايد.
وقال الناشط ضد الاستيطان في مسافر يطا، أسامة مخامرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "مهندسين إسرائيليين يتبعون للجماعات الاستيطانية شرعوا اليوم بأعمال مسح وتخطيط للطريق الواصل بين مناطق الركيز والتوانة والمفقرة وخلة الضبع، وصولاً إلى الفخيت والحلاوة والتبان وغيرها من قرى المسافر الموزعة شرقاً وجنوباً، وهي من أكثر المناطق المهددة بالتهجير بموجب قرار محكمة الاحتلال الصادر عام 2022".
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد أصدرت، في مايو/ أيار 2022، قراراً نهائياً يقضي بإخلاء وتهجير أكثر من 12 تجمعاً سكنياً فلسطينياً في مسافر يطا، بعد تصنيف مساحات شاسعة من أراضيهم، تُقدّر بنحو 30 ألف دونم، كمناطق إطلاق نار رقم 918 لصالح تدريبات جيش الاحتلال، ما مهّد لتنفيذ أوسع عمليات طرد قسري في الضفة الغربية منذ عقود، وما تزال تتواصل يومياً منذ نحو ثلاث سنوات.
وأوضح مخامرة أنّ الطريق الذي تُجرى عليه أعمال المسح "يُعد الشريان الحيوي الوحيد الذي يربط بين المفقرة وخلة الضبع وسائر التجمعات الفلسطينية في المنطقة"، محذراً من "نية المستوطنين السيطرة عليه بالكامل ومنع الفلسطينيين من استخدامه، كما حدث في شارع شعب البطم المؤدي إلى منطقتي الحلاوة والفخيت، حيث سيطر عليه قبل نحو ثلاثة أشهر، وأُقيمت بؤرة استيطانية بمحاذاة خلة الضبع".
وأضاف أنّ "الطريق الحالي يجري التمهيد للسيطرة عليه تدريجياً"، مشيراً إلى أن أي أعمال تعبيد أو صيانة فيه ستعني عملياً فقدان الفلسطينيين له نهائياً، لافتاً إلى أن الاحتلال قد يزعم لاحقاً أن السيطرة تمت بذريعة "وضع اليد"، خاصة أن المنطقة تُصنَّف ضمن مناطق إطلاق النار وفق تصنيفات جيش الاحتلال. وبيّن مخامرة أن هذا العمل "يحمل مؤشرات خطيرة، إذ إن أي تدخل استيطاني في صيانة الطريق سيمنع الفلسطينيين من استخدامه، كما حدث سابقاً في منطقة تل ماعين حينما قام المستوطنون بإصلاح الطريق ثم فُرض على الفلسطينيين حظر المرور منه وملاحقة من يحاول سلوكه، وذلك خلال فترة الحرب على قطاع غزة".
ووفق مخامرة، فإنّ طول الطريق قيد العمل لم يُعرف بدقة، لكنه يُقدّر بأربعة كيلومترات على الأقل، تبدأ من الشرق عند منطقة الركيز مروراً بالمفقرة وخلة الضبع وصولاً إلى مثلث الفخيت شمال يطا، ويخدم أكثر من ستة تجمعات سكنية يقطنها نحو ألف نسمة. وأشار إلى أن تنفيذ المشروع يعني ربط مستوطنتي "كرمئيل" و"ماعون" واحدتهما بالأخرى، وحرمان الفلسطينيين من الطريق الوحيد الذي يربط تجمعاتهم، رغم أنه غير مكتمل وغير مهيأ للحركة الآمنة، ما يجعله هدفاً استيطانياً استراتيجياً.
ولفت مخامرة إلى أن الاحتلال سبق أن استولى على عدة طرق في مسافر يطا بحجة "وضع اليد"، من بينها طريق واد الجوايا القريب من مستوطنة "ماعون"، الذي كان يستخدمه أهالي منطقة التوانة، إلى جانب طريق آخر شرق وادي ماعين يربط بمنطقة شعب البطم، فضلاً عن طرق تم الاستيلاء عليها في سوسيا وطريق آخر يمتد من الخروبة قرب التوانة وصولاً إلى مغاير العبيد.
وأوضح أن هذه الممارسات أدت إلى تقطيع أوصال مسافر يطا وعزل خربها وقراها، لتُستخدم الطرق حصراً من قبل المستوطنين، فيما يضطر السكان الفلسطينيون إلى سلوك طرق وعرة أو السير لمسافات طويلة للوصول إلى أراضيهم ومنازلهم. وأشار الناشط إلى أن الاعتداءات لم تتوقف اليوم، إذ أقدم المستوطنون على إطلاق مئات رؤوس الأغنام في أراضي الفلسطينيين الزراعية ومنعوهم من قطف الزيتون، في ممارسات أصبحت شبه يومية، كما نفّذوا أعمال صيانة وتمديد خطوط مياه بين البؤرة الاستيطانية "شمعون" الواقعة بين خربة أم الخير والزويدين، باتجاه بؤرة "حوارة" في الجهة الغربية، لمسافة تتجاوز كيلومترين، وتمر عبر أراضي المواطنين في بلدة الزويدين.
وبحسب مخامرة، فإن العمل جارٍ على توسيع بؤرة "حوارة" بشكل يومي منذ نحو شهرين، في إطار مخطط واضح لربط البؤر بعضها ببعض وتوسيع المساحات الاستيطانية على حساب الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أن هذا التوسع "يمثل جزءاً من مشروع شامل لتغيير معالم المنطقة ديمغرافياً وجغرافياً".
كما شهد اليوم اعتداءات أخرى طاولت المزارعين وأصحاب الأراضي في القواويس وشعب البطم وسوسيا، تمثلت في مطاردة الرعاة وسرقة أغنامهم، وهي اعتداءات متكررة إلى حد أن السكان لم يعودوا يوثقونها لكثرتها، وسط غياب أي تدخل رسمي أو دولي لوقفها. وختم مخامرة بتأكيد أن ما يجري في مسافر يطا هو مخطط استيطاني متكامل يبدأ بشق الطرق وتنفيذ أعمال هندسية ظاهرها "تحسين البنية التحتية"، لكنه في الحقيقة يهدف إلى فرض السيطرة الميدانية الكاملة على المنطقة، وعزل التجمعات الفلسطينية تمهيداً لتهجيرها القسري.
