
عربي
عاد الحديث عن مستقبل الطاقة في سورية إلى الواجهة مجدداً عقب التصريحات التي أدلى بها عبد الحميد الخليفة، مدير صندوق أوبك للتنمية، وأكد فيها وجود خطة متكاملة لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء في سورية. وشدد خليفة في التصريحات التي نشرها موقع "سي أن أن" الاقتصادية الصادر بالعربية أمس السبت، على أن البداية ستكون بإصلاح المحطات القائمة، تمهيداً لتطبيق مشاريع أكبر تعتمد نموذج المنتج المستقل للطاقة، الذي يسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في الإنتاج.
لكن هذه التصريحات تثير الكثير من الأسئلة بالنظر إلى الحالة المتردية التي وصلت إليها شبكة الكهرباء السورية، وما لحق بها من أضرار خلال سنوات الحرب والعقوبات الاقتصادية. فواقع الحال يؤكد أن المحطات تعمل بطاقة محدودة وانقطاع الكهرباء تحول إلى روتين يومي، لا تقتصر أضراره على الاحتياجات الشخصية، لكنها تمتد لتؤثر على دورة الإنتاج للمصانع والمشاريع الصغيرة والخدمات الأساسية.
ويرى المهندس طارق العيد، خبير الطاقة والعضو السابق في هيئة تنظيم الكهرباء في سورية، أن خطة صندوق أوبك "تمثل فرصة نادرة لإعادة ترتيب القطاع، لكنها تواجه تحديات كبيرة على الأرض"، مضيفاً أن إصلاح المحطات "يجب أن يقابله تحديث شامل للشبكات الكهربائية، وإلا فإن الكهرباء المنتجة ستظل غير مستقرة ولن تصل إلى المواطنين والمصانع بالشكل المطلوب".
ويؤكد خبير الطاقة لـ"العربي الجديد" أن نجاح نموذج المنتج المستقل للطاقة يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية هي "بيئة استثمارية مستقرة وشفافة، وحماية قانونية للمستثمرين، وضمان الدفع المنتظم للكهرباء المنتجة. وبدون هذه العناصر، فإن مشاركة القطاع الخاص ستظل محدودة كما هو الحال حالياً بسبب المخاطر الاقتصادية والسياسية".
ويضيف العيد أن "تحسين الطاقة لن يكون مجرد مسألة فنية، بل عاملاً محركاً لكل القطاعات الاقتصادية. الكهرباء المستقرة ستخفض تكاليف الإنتاج في المصانع، وتدعم المشاريع الصغيرة، وتزيد فرص التشغيل، لكنها لا تحل مشاكل الطاقة إذا لم تصاحبها سياسات تنظيمية واضحة واستثمارات مستمرة".
ويحذر مهندس الطاقة من المخاطر المحلية التي قد تواجه أي خطة، مثل تقلب أسعار الوقود، وضعف الصيانة الدورية، والانقطاعات المفاجئة، ونقص الكوادر الفنية المدربة. ويشدد على ضرورة تصميم الخطط بشكل مرن، يربط بين الإصلاح الفني والتحفيز الاقتصادي، لضمان استدامة أي مشروع جديد.
وقالت مصادر مطلعة في قطاع الطاقة لـ"العربي الجديد" إن خطة الصندوق تعتمد على تقييم شامل للوضع الحالي وتحديد أولويات الإصلاح، بما يضمن الاستفادة القصوى من المحطات القائمة. كما تهدف الخطة إلى تهيئة البيئة الاستثمارية لاستقطاب استثمارات محلية ودولية مستقبلية، خصوصاً عبر مشاريع المنتج المستقل للطاقة.
التحديات المستمرة
ورغم الطموح الواضح في خطة الصندوق، يبقى الطريق نحو تحسين قطاع الطاقة في سورية مليئاً بالتحديات. فالعقوبات الاقتصادية، وضعف البنية التحتية، والقيود الأمنية تمثل عوامل مؤثرة على استمرارية أي مشروع. يضاف إلى ذلك، أن الفجوة بين الاحتياجات الكبيرة للقطاع وموارد التمويل المتاحة تجعل من الضروري اعتماد خطط مرنة ومراحل تنفيذية واضحة لتجنب الانهيار الجزئي أو الكامل لأي مشروع.
وبالرغم من التصريحات المتفائلة في الآونة الأخيرة بخصوص إعادة تأهيل شبكة الكهرباء السورية، يرى المراقبون أن قطاع الطاقة السوري يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة المؤسسات الدولية على التأثير في بيئة معقدة، تجمع بين الفقر الهيكلي وغياب الاستقرار، وأن الرهان في الوقت الحالي يتعلق بما إذا كانت هذه الخطط ستتحول إلى واقع ملموس، ينعكس على حياة المواطنين والاقتصاد.
