
عربي
نصح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس حكومته سيباستيان لوكورنو بالعمل "كل يوم بيومه"، بعدما تمكن لوكورنو، أول من أمس الخميس، وبدعم من الاشتراكيين، من تجاوز مذكرتين لحجب الثقة عن حكومته في البرلمان. وذكرت صحيفة ليبراسيون، أمس الجمعة، أن نصيحة ماكرون للوكورنو تأتي في وقت لا يزال الأخير يشعر بأنه يعمل في حقل مليء بالألغام، ولكن هناك اليوم بعض الوقت لـ"تنفس الصعداء"، قبل الموعد الأقصى المقرّر لإقرار ميزانية 2026، نهاية العام الحالي، والتي تتضمن "الإصلاحات" التقشفية، والتي لن يكون بمقدور الحزب الاشتراكي امتصاصها، رغم وعد رئيس الحكومة الفرنسية تجميد قانون التقاعد ومعاشاته. وبينما لا يرغب الاشتراكي بأخذ البلاد إلى انتخابات تشريعية مبكرة، إلا أن هناك من يشعر، من داخل فريقه وقوى اليسار والنقابات، بأن انتزاع التجميد، لم يأت من فراغ، بل بعد النزول إلى الشارع والتهديد بحجب الثقة، وهما ورقتان أثبتتا جدواهما، ويمكن استخدامهما مجدداً، خصوصاً إذا بقيت الميزانية مُستفزة وتمسّ بدرجة كبيرة بالضمانات الاجتماعية.
الحكومة الفرنسية تنجو من الحجب
وأول من أمس، أفلتت الحكومة الفرنسية بقيادة سيباستيان لوكورنو، والتي شُكّلت الأحد الماضي، من مذكرتين لحجب الثقة عنها، الأولى تقدم بها اليسار الراديكالي والخضر والشيوعيون، والثانية اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان. ويمهّد ذلك لنقاش برلماني محتدم حول الميزانية يبدأ يوم الجمعة المقبل. وكانت مذكرة اليسار الراديكالي تحتاج فقط إلى 18 صوتاً لتحصل على الأصوات الـ289 المطلوبة لإسقاط الحكومة. ويبدو أن 7 نواب من "الاشتراكي" (من أصل 69) صوّتوا لصالح إسقاط الحكومة.
صوّت 7 نواب من "الاشتراكي" لصالح إسقاط الحكومة
من جهته، أعرب لوكورنو بعد التصويت، عن "اقتناعه" بأن "المناقشات يمكن أن تبدأ"، بعدما كان دعا من داخل البرلمان إلى عدم أخذ الميزانية "رهينة". وجاء الدعم لرئيس الحكومة من الاشتراكيين، وفق وعد سابق منه بتجميد قانون التقاعد الذي كانت أقرّته حكومة إليزابيث بورن في 2023، بدون تصويت البرلمان، عبر المادة 49.3 من الدستور التي تتيح للحكومة تمرير مشاريع قوانين دون العودة إلى البرلمان.
وأجمع الإعلام الفرنسي، أمس، على أمرين: الأول، هو أن سيف "الاشتراكي" يبقى مسلطاً فوق رأس الحكومة، والثاني أن مهمة لوكورنو ستكون أصعب، نظراً لرفضه المبدئي اللجوء إلى المادة 49.3. هذان الأمران سيحملان معهما الكثير من القيود على عمله، فيما لا تزال ورقته بتجميد قانون التقاعد، "كلامية"، نظراً إلى وجوب تمرير الميزانية، حتى يدخل التجميد حيّز التنفيذ. وكان لوكورنو قد أكد الخميس، أن الحكومة الفرنسية ستُقدم اقتراح التجميد إلى النواب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من خلال تعديل على مشروع قانون ميزانية الضمان الاجتماعي. ويعني ذلك ضرورة إقرار التعديل أولاً، وأن يدعم الاشتراكيون نصّ الميزانية ككل لاعتمادها. هكذا، لم يتلاشَ نهائياً شبح عدم الاستقرار الذي يخيّم على فرنسا منذ يونيو/حزيران 2024 إثر حلّ ماكرون الجمعية الوطنية (البرلمان)، والتي باتت مشرذمة، بعد انتخابات مبكرة أفضت إلى برلمان تهيمن عليه 3 كتل، اليسار واليمين المتطرف والوسط، بدون أغلبية حاسمة.
وتبدأ مناقشة الميزانية الأسبوع المقبل، بهدف إقرارها قبل 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وسط توقعات بنقاشات محتدمة بين كتلة اليسار المنقسم، و"القاعدة المشتركة" (المعسكر الرئاسي واليمين) المُنقسمة أيضاً، وحزب التجمع الوطني بزعامة لوبان. وخلال جلسات الميزانية، قد يتعارض استعداد رئيس الحكومة الفرنسية المُعلن للتفاوض على تسويات، مع احتمال سعي بعض أحزاب المعارضة إلى تعطيل النقاش. من جهتهم، يعتزم الاشتراكيون خوض معركة حول سلسلة كاملة من التدابير المالية والاجتماعية والصحية. وقال زعيمهم في البرلمان، بوريس فالو، الثلاثاء الماضي: "نحن قادرون على إسقاط أي حكومة". وبينما أقرّ لوكورنو أن مشروع ميزانيته أوّلي، إلا أن حكومته مُلزمة بهدفها كبح العجز ووقف صعود الدين العام. ولا يحتمل اليسار أن يوافق على عدد من مقترحات ميزانية لوكورنو، خصوصاً أن فرنسا قد تذهب في أي لحظة مجدداً إلى انتخابات مبكرة، وتنتظرها العام المقبل انتخابات بلدية صعبة، علماً أن الانتخابات البلدية في فرنسا تمتاز بأهمية كبيرة للمواطنين، لارتباطها بالخدمات، التي تتربع على رأس أولويات الفرنسيين.
يرى معارضون لماكرون من اليسار أن تأجيل تطبيق قانون التقاعد لا يكفي
الاشتراكيون لوحدهم داخل معسكرهم
ويسود الغموض أيضاً، نيّات الحكومة، بشأن تجميد قانون التقاعد، إذ يرى قسم من اليسار، أن التأجيل وحده لا ينفع، مطالبين بـ"تعليق" مفتوح الأمد، ما يعني أن تنسى السلطة هذه المسألة، والسلطات التي تعقبها. وفي الواقع، بالنسبة إلى هؤلاء، فإن حكومات ماكرون المتعاقبة، خصوصاً منذ بدء ولايته الثانية في 2022، قامت بالكثير من "العمل القذر"، الذي تمّ تمريره من دون تصويت البرلمان، والذي كان يطالب به اليمين المتطرف، ويتصدر أجندته، لا سيما بالنسبة لقوانين الهجرة، وتحويل رهاب الإسلام في الجامعات والمدراس والمراكز العامة، إلى ما يشبه "الدين" بحّد ذاته. حتى أن هناك من اليسار، من يتساءل ما إذا كان هناك بعد ما يمكن لليمين المتطرف أن يقوم به، إذا ما وصل إلى السلطة، في ظلّ تماهي قسم كبير من "المعسكر الرئاسي" أو ما يعرف بـ"الركيزة الوسطية"، والذي يجمع حزب ماكرون والجمهوريين وحلفاء "النهضة" الوسطيين (موديم وأوريزون)، مع طروحات حزب لوبان، بل حتى يزايد عليها.
من جهته، لا يحتمل "الاشتراكي" الذي يشعر أن الانتخابات الماضية، أعادت إليه بعضاً من شعبيته التي تراجعت كثيراً في عهد فرانسوا هولاند، الموافقة على مزيد من القوانين التقشفية، رغم أن المركب الحكومي الحالي، يستبعد أي تبديل لناحية السياسة العامة، التي تقوم لدى ماكرون وحلفائه، على عدم فرض أو زيادة الضريبة على الأغنياء وعلى الشركات. وبحسب صحيفة لوموند، أول من أمس، يرى الاشتراكيون اليوم، أنفسهم، "معزولين" داخل معسكر اليسار، وسط اتهامهم من قبل اليسار الراديكالي، ممثلاً بحزب فرنسا الأبية، بـ"الخيانة". من جهتهم، يؤكد الاشتراكيون، أنهم لم يمنحوا أي ضمانة للوكورنو بأنهم سيصوتون على ميزانيتهم، مشدّدين على أن ميزانية 2026 يستحيل أن تمر بشكلها الحالي، ما يجعل فرنسا مقبلة على أسابيع صعبة، من المناقشات والتسويات، أو المزيد من التأزم.
