
عربي
تتنامى في العراق ظاهرة الألعاب المحرضة على العنف، وسط تحذير خبراء اجتماعيين وتربويين من خطورتها على البناء الثقافي والنفسي للأطفال، في حين تتواصل الجهود الحكومية للحدّ من الظاهرة لكن من دون نتائج ملموسة حتى الآن في ظل وجود شركات تستفيد من بيع هذه الألعاب في الأسواق المحلية.
وتعد ظاهرة استخدام المفرقعات وأسلحة الأطفال والألعاب النارية غير المرخصة من الظواهر الخطيرة التي ينتشر استعمالها في محافظات العراق، لا سيما خلال الأعياد والمناسبات، وهي تتسبب غالباً في عشرات الإصابات، وأيضاً في إزعاج كبير للأهالي.
وسبق أن اتخذت وزارة الداخلية إجراءات لملاحقة باعة المفرقعات والألعاب النارية التي يستخدمها الأطفال، لكن حملاتها لم تكن جدية، ولم تنه الظاهرة. وخلال الأيام الماضية، اتخذت الوزارة سلسلة إجراءات للحدّ من الظاهرة التي باتت جزءاً من ثقافة اللعب في المجتمع العراقي، ما يجعل التخلص منها تحدياً يتجاوز البعد الأمني إلى الثقافي والتربوي، ويتطلب تعاون المؤسسات التعليمية والأسر لضمان تنشئة جيل أكثر وعياً وسلاماً في سلوكه اليومي.
وقال مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة اللواء منصور علي سلطان إن "لجنة متخصصة في الوزارة عقدت بالتنسيق مع هيئة الإعلام والاتصالات ورش عمل أوصت باتخاذ إجراءات قانونية في حق شركات تفعّل تطبيقات خاصة بالألعاب المحرضة على العنف، كما جرى التنسيق مع الجهات القضائية لملاحقة مروجي التطبيقات الخاصة ببيع الأسلحة النارية عبر المنصات الإلكترونية".
وأكد أن "الوزارة نسقت مع وزارتي التجارة والمنافذ الحدودية لمنع دخول مواد تخالف شروط السلامة، وثبتت خطورتها الكبيرة على المجتمع، وهي تنفذ بالتعاون مع الجهات المعنية حملات شهرية لتفتيش محلات وأماكن لبيع الألعاب النارية من أجل تأكيد مطابقتها المعايير المقررة، مع السماح بالإبقاء على المواد المخصصة للزينة فقط".
في أحياء بغداد والبصرة ومدن محافظات أخرى لا تخلو الأزقة من مشاهد تباري الأطفال في "حروب صغيرة" بأسلحة تشبه الحقيقية، ويصدر بعضها أصواتاً تشبه إطلاق النار، وكرات معدنية أو بلاستيكية قد تتسبب في إصابات خطيرة.
يقول الخبير التربوي ميثم البياتي لـ"العربي الجديد": أصبحت الظاهرة جزءاً من ثقافة اللعب لدى أطفال العراق، إذ تربط الرجولة بالقوة والهيمنة منذ سنوات العمر الأولى، وهذه ثقافة مجتمع، والخطر لا يقتصر على الجانب السلوكي، بل يمتد إلى تشكيل الهوية والخيال الجماعي للأطفال. حين تتكرر مشاهد القتل والانفجار في بيئة اللعب التي تعتبر من أساسيات ترسيخ المفاهيم عند الطفل، يصبح العنف مشهداً مألوفاً، والخصم هدفاً مشروعاً، ما يعزز ميول العدوان وينميه في المجتمع مقابل إضعاف قيم التسامح".
ورغم التحذيرات المتكررة من خطورة الظاهرة، لا تزال الإجراءات الحكومية لمواجهتها ذات تأثير محدود، فوزارة الداخلية تصدر سنوياً تعميمات بحظر استيراد أو بيع الألعاب التي تشبه الأسلحة النارية، لكن الأسواق تغرق بها، وأيضاً مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن الربح هو أساس عدم الحدّ من استيراد هذه الألعاب، وتشير تقارير إلى أن تجارة الألعاب النارية تحقق أرباحاً سنوية بملايين الدولارات، ما يجعلها سوقاً مربحة يصعب السيطرة عليها، كما أن غياب التنسيق بين وزارتي التجارة والداخلية ونقص التشريعات الخاصة بسلامة الألعاب يزيد تعقيد المشكلة.
يقول الأكاديمي وعد السامرائي لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة تتعامل مع القضية بسطحية كبيرة رغم أنها خطرة على تنشئة الأطفال، ولا يوفر المنع أو حملات المصادرة الموسمية لهذه الألعاب حلاً جذرياً للظاهرة، لأن جذورها ثقافية واقتصادية. ثقافة العنف في ألعاب الأطفال، سواء النارية أو الإلكترونية، تساهم في تطبيع السلوك العدواني، وتغذي قيم الانتقام والتحدي بدلاً من الحوار والتعاون. استمرار تداول هذه الألعاب في الأسواق من دون رقابة فعّالة يعكس ضعف الوعي المجتمعي، وتقصير المؤسسات التربوية والإعلامية في التوعية بمخاطرها".
ورغم الإجراءات الحكومية المتكررة، لا تزال الألعاب المحرضة على العنف تنتشر بين الأطفال والمراهقين، وتشكل تحدياً ثقافياً وأمنياً يستدعي وضع رؤية متكاملة تجمع بين القانون والتربية لحماية الأجيال من ثقافة العنف التي باتت تتغلغل في تفاصيل حياتهم اليومية. وتتلقى وزارة الداخلية العراقية سنوياً مئات الشكاوى من مواطنين متضررين نتيجة استعمال المفرقعات النارية، والتي تتسبب أيضاً في مشاكل عائلية وعشائرية أحياناً نتيجة الإصابات والمخاطر الناتجة منها.
