تونس نحو احتكار السلطة قرار زيادة الرواتب وإلغاء دور النقابات
عربي
منذ يوم
مشاركة
تتجه السلطات التونسية إلى صرف زيادات الرواتب لموظفي القطاعين الحكومي والخاص خلال السنوات الثلاث المقبلة من دون إجراء مفاوضات مع النقابات العمالية، وذلك لأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد أدرجت الحكومة، ضمن مشروع قانون الموازنة الذي أُحيل على البرلمان، بندًا يتعلق بالزيادات في الرواتب وجرايات المتقاعدين لسنوات 2026 و2027 و2028، سيتم تحديد قيمتها بموجب أمر حكومي يصدر بعد المصادقة على قانون الموازنة ودخوله حيّز التنفيذ مطلع العام المقبل. وكشف البند المتعلق بزيادة الرواتب في القطاعين الحكومي والخاص أن السلطات تنوي احتكار قرار الترفيع في الأجور من دون إبرام اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، خلافًا لما جرت عليه العادة في جولات المفاوضات الاجتماعية السابقة. وبحسب الأعراف المعمول بها، تُفتح جولة مفاوضات اجتماعية كل ثلاث سنوات بين السلطات واتحاد الشغل، تُناقش خلالها نسب الزيادات في الرواتب، وروزنامة صرفها، وتعديل الاتفاقيات القطاعية، وتنتهي بتوقيع اتفاق يُنشر في الجريدة الرسمية لتفعيله. ويُعد التوجه نحو إلغاء المفاوضات الاجتماعية وتفرّد السلطة بقرار زيادة الرواتب فصلًا جديدًا من تحجيم الدور الاجتماعي للنقابات، التي انتقدت بدورها محاولات السلطة إلغاء الحوار الاجتماعي وفرض القرارات الأحادية. في هذا الصدد، يقول الخبير في الأنظمة الاجتماعية، بدر الدين السماوي لـ"العربي الجديد"، إن إقرار زيادات في الرواتب وجرايات المتقاعدين من دون مفاوضات اجتماعية يُعد سابقة في تاريخ العمل النقابي في تونس. وأكد السماوي أن جولات المفاوضات الاجتماعية، التي تُعقد كل ثلاث سنوات، استمرت منذ عام 1972، تاريخ توقيع الاتحاد العام التونسي للشغل أول اتفاق إطاري مع الاتحاد العام للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال). وأشار إلى أن مشروع قانون المالية بعث برسائل واضحة مفادها أن السلطة التنفيذية تتجه نحو الإمساك بزمام الأمور في مسألة الزيادات، عبر إصدار أمر حكومي يُعمم الترفيع في الأجور على جميع العمال والمتقاعدين خلال السنوات الثلاث المقبلة، في إطار ما تسميه الدولة "الدور الاجتماعي". وقال: "تحاول السلطة الحالية تطبيق سياساتها في استعادة الدور الاجتماعي للدولة، حيث سبق أن أعلنت عن زيادة في الأجر الأدنى المضمون دون المرور باتفاق مع اتحاد الشغل". ورجّح السماوي أن يكون تعثّر المفاوضات في القطاع الخاص، وعدم توصل اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة إلى اتفاق بشأن زيادة أجور 1.5 مليون عامل لسنة 2025، من أسباب قرار السلطات التنفيذية استعادة دورها في حماية حقوق العمال، بفرض انتظامية صرف الزيادات كل ثلاث سنوات. وخلال السنة الجارية، طالبت المركزية النقابية باستئناف الحوار الاجتماعي مع هياكل الدولة، في إطار العقد الاجتماعي الذي دأبت الحكومات السابقة على اعتماده. ومنذ توقيع اتفاق الزيادة في أجور الموظفين في سبتمبر/أيلول 2022، أغلقت الحكومة باب المطالب أمام النقابات، كما علّقت تنفيذ اتفاقيات ذات مفعول مالي. وكانت الحكومة التونسية قد توصلت حينها إلى اتفاق مع الاتحاد العام للشغل لزيادة أجور القطاع العام بنسبة 3.5%، يغطي سنوات 2023 و2024 و2025. ويرى السماوي أن السلطة الحالية تسعى إلى تطبيق استراتيجيتها في تعزيز الدور الاجتماعي للدولة، وهو ما يفسر إمكانية إلغاء المفاوضات الاجتماعية ودور النقابات في صياغة اتفاقيات الزيادة في الرواتب. ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أدان اتحاد الشغل، في بيان أعقب اجتماع هيئته الإدارية، ما وصفه بـ"انتهاك السلطة التنفيذية للحق النقابي، ورفض الحوار الاجتماعي، وضرب التفاوض الجماعي بعدم تنفيذ الاتفاقيات المبرمة". وطالب الاتحاد بـ"استئناف المفاوضات في الوظيفة العمومية والقطاع العام فورًا، والتنفيذ العاجل للاتفاقيات المبرمة، ومنها الرفع في الأجر الأدنى، وعقد جلسة تقييمية بناءً على مؤشرات التضخم وانزلاق الدينار وغيرها من المؤشرات". وكان اتحاد الشغل، الذي أيّد في البداية خطوات الرئيس للإصلاح وإنهاء منظومة الحكم السابقة التي استمرت لعشر سنوات، قد حاول التصعيد ضد السلطة في أكثر من مناسبة، عبر إقرار إضرابات في قطاعات حساسة. ومع تصاعد حملة التوقيفات ضد النقابيين، ورفض السلطة استئناف التفاوض مع النقابات، انتقل الاتحاد العام التونسي للشغل من المراوحة بين التصعيد والمهادنة إلى التصعيد المباشر، ملوّحًا بالعودة إلى الشارع لإثبات وجوده. لكن الاتحاد يواجه أيضًا تراجعًا في قدرته على التعبئة العمالية، بسبب اتهامات بالفساد من قبل شريحة واسعة من التونسيين، إضافة إلى تأثير الخلافات الداخلية التي تعصف بمكتبه التنفيذي على أداء هياكله ودوره الأساسي في الدفاع عن حقوق العمال وحماية قدرتهم الشرائية. ويُحاصر الغلاء وضعف الرواتب الموظفين في تونس، حيث كشفت بيانات رسمية صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي أن معدل الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف موظف في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1387 دينارًا للفرد، أي ما يعادل 478 دولارًا شهريًّا، يُنفق منها 40% على الأكل والتنقل. وأظهرت الدراسة أن حجم الزيادات في الرواتب التي حصل عليها الموظفون خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2022 بلغ 471 دينارًا، أي نحو 162 دولارًا. وخلال السنوات الماضية، عانى التونسيون آثار التضخم، الذي بلغ ذروته في فبراير/شباط 2023 بنسبة 10.4%، قبل أن ينخفض إلى 5% الشهر الماضي. لكن التونسيين لا يشعرون بأي أثر لهذا التراجع على معيشتهم اليومية، حيث توسع الفقر ليشمل نحو 4 ملايين تونسي، كما يُرهق التداين أكثر من 34% من الأسر التي تعتمد على الاقتراض لتغطية نفقاتها. ويتوقع البنك المركزي التونسي استمرار الضغوط التضخمية، مؤكدًا في آخر بيان لمجلس إدارته نهاية يوليو/تموز الماضي أن "مخاطر ارتفاع مسار التضخم لا تزال قائمة، ومن الضروري مواصلة دعم عملية انكماش التضخم الجارية، وإعادة التضخم إلى مستواه المتوسط على المدى الطويل عبر تثبيت سعر الفائدة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية