عن انكسار القلوب في الحب
عربي
منذ يوم
مشاركة
تمر حياة الإنسان بتجارب عديدة، لكن بين كل هذه التجارب، تظل تجربة الحب من أعمق التأثيرات على النفس وأشدها. فالحب لا يقتصر فقط على لحظات الفرح والسعادة، بل يشمل أيضاً الفقد، والألم، والنمو. وعندما تنتهي علاقة حب، قد نعتقد أن كل شيء انتهى، وأن صفحة من حياتنا أُغلقت نهائياً، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. في عالمنا المعاصر، نميل إلى تصنيف العلاقات إلى بداية ونهاية، وكأن الحب هو قصة تُروى مرة واحدة فقط، وتنتهي عند لحظة الانفصال. لكن تجربة الحب تتجاوز هذا الإطار الضيق، فهي ليست فقط حدثاً عابراً، بل هي سلسلة من اللحظات التي تشكل شخصياتنا وتعيد تشكيلها باستمرار. الحب يترك أثراً لا يُمحى فينا، حتى وإن انتهت العلاقة نفسها. أحد أجمل الطرق التي يمكن للإنسان أن يعبر بها عن حبه أو فقده، هي الكتابة. فالكتابة لا تقتصر على تسجيل الذكريات، بل هي عملية تأمل عميقة تساعد على إعادة ترتيب المشاعر وتفسيرها. عندما نكتب عن شخص أحببناه، لا نحاول فقط استرجاع الماضي، بل نفتح نافذة جديدة نطل منها على أنفسنا وعلى علاقتنا مع الحياة. هذه العملية تجعلنا نرى العلاقة من منظور مختلف، حيث يتحول الحزن إلى مصدر إلهام، والذكريات إلى طاقة إبداعية تدفعنا إلى الأمام. بعض الأشخاص يمرون في حياتنا كي يعلمونا، لا كي يمكثوا. يشبهون تلك الفصول العابرة التي لا تبقى، لكنها تترك أثراً لا يُمحى تعتبر الكتابة عن تجربة الحب أداة فنية تتيح للإنسان التعبير عما لا يمكن قوله بصوت عالٍ. من خلال الكلمات، يستطيع الإنسان أن يفرغ مشاعره المكبوتة، ويحول ألم الفقد إلى جمال فني، ربما من خلال الشعر، أو الرواية، أو حتى مجرد مقالة بسيطة. وهذا ما يجعل الكثيرين يكتشفون أن علاقتهم المنتهية لم تكن فقط مصدر حزن، بل كانت مصدر قوة تدفعهم إلى النمو والتطور. وعلى الرغم من أن الفقد مؤلم، ليست تجربة الفقد دائماً نهاية، بل قد تكون بداية لتجربة حب جديدة، أكثر نضجاً ووعياً. فالذي يمر بألم الفقد، إذا ما استطاع أن يتجاوز حواجز الحزن، يجد نفسه أكثر قدرة على فهم الحب بمعناه الحقيقي، لا بوصفها عاطفة عابرة، بل بوصفها ارتباطاً أعمق يتطلب احتراماً وتفهماً. وهذا هو الحب الذي يُبنى على التفاهم، والاحترام، والنضج، وليس فقط على الانجذاب أو العاطفة السطحية. من عمق التجربة كان حباً. وكان ألماً. بدأ كل شيء بلحظة صدق. رسالة لم تكن مخططة، وحديث خفيف تحول إلى دفء لا يُقاوَم. كبرت العلاقة مثل شجرة برية، في البداية كنت أؤمن أننا سنبقى للأبد، كنت أرى فيها الوطن، والسكينة، والضوء الذي ينير قلبي. لكن الحقيقة أن الحب وحده لا يكفي. تعلمت هذا الدرس بالطريقة الصعبة. تعلمته حين صار صوتها بعيداً، وحين أصبحت غريباً عنها. لم نعد نرى العالم بالعين نفسها، ولا الحياة بالحلم نفسه. صار الاختلاف خلافاً، وصار القرب اختناقاً، وصار كلانا يجر الآخر نحو الهاوية، ونحن نظن أننا نحاول النجاة. لم تكن النهايات يوماً سهلة، خصوصاً حين تأتي بعد حب عميق. كنت أظن أنني حين أفقدها، سأفقد نفسي. وأن الحياة بعدها ستكون باهتة، فارغة، كأن كل ألوانها قد سُرقت. لكن العجيب في القلب البشري، أنه رغم هشاشته، يعرف كيف يرمم نفسه، ويعود من جديد أقوى. بعض الأشخاص يمرون في حياتنا كي يعلمونا، لا كي يمكثوا. يشبهون تلك الفصول العابرة، التي لا تبقى، لكنها تترك أثراً لا يُمحى. والجميل أنني لا أكرهها. على العكس، ولم أنسَها، ولن أنساها. لكنني لم أعد أعيش فيها. فكلانا لم يكن سيئاً. كلٌّ منا فقط لم يكن مناسباً للآخر في تلك المرحلة. فالإنسان قادر على تحويل تجارب الفقد إلى بداية جديدة، إلى قصة حب جديدة أقوى، لكن هذه المرة بحكمة أكبر ووعي أعمق، لأن الحب ليس مجرد شعور عابر، بل هو مدرسة حياة تعلمنا كيف نكون أفضل نسخة من أنفسنا.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية