"من الألف إلى الزين" معرض عن الخط العربي المعاصر وتداخلات الهوية
عربي
منذ يوم
مشاركة
"أردتُ أن يرى الجمهور كيف تتشابك الهويّات، وأن يجد نفسه فيها" بهذه العبارة تلخّص الفنانة الفرنسية من أصل مغربي سارة أسمهان جوهر التجربة التي يقترحها معرض "من الألف إلى الزين: فن الخط العربي في حركة"، المقام حالياً في البيت العربي بمدريد، ويتواصل حتى مطلع العام المقبل. في فضاء المعرض، لا يتعامل الفنانون مع الحرف العربي بوصفه رمزاً زخرفياً أو أثراً من الماضي، إنما بوصفه كائناً حيّاً ينبض بالذاكرة، ويقاوم النسيان، ويعيد تعريف العلاقة بين الشكل والمعنى، بين اللغة والهوية. يُشرف على المعرض توفيق دويب، القيّم الجزائري المقيم في لندن، الذي جمع تحت سقف واحد عشرة فنانين من العالم العربي والشتات، هم: المصري حامد عبد الله، والألماني من أصل مغربي إدريس أزوقاي، والجزائري نصر الدين بن ناصر، والسوداني أكرم إدريس، والفرنسية-الجزائرية أنيسة لالهوم، والإيطالي المصري موسى وان، والفلسطيني شريف سرحان، والمصرية اللبنانية بهية شهاب، والفرنسية المغربية سارة أسمهان، والتونسي هيثم زكريا. ونتج عن هذا اللقاء مختبر ثقافي فني يستكشف الحرف العربي باعتباره أفقاً مفتوحاً للتفكير في المكان والانتماء والتعدد. يعيد الفنانون المشاركون في المعرض إلى الحروف حياة جديدة؛ يجعلونها تتنفس في فضاءات رقمية وتجريدية ومعاصرة، من دون أن تفقد بعدها الروحي. هنا، يتقاطع القديم مع الجديد، والحنين مع التجريب. تقول أسمهان إن أعمالها تحاول ترجمة ما تسميه "هوية ما بين"، أي الهوية التي تعيش على الحدود بين ثقافتين، ولغتين، وذاكرتين. في لوحاتها تمزج بين الخط والصورة الفوتوغرافية والمرايا، لتخلق تجربة بصرية تُعيد للزائر صورته داخل العمل نفسه. كأنّ كل متفرج يُصبح هو أيضاً جزءاً من النص، والذاكرة، والشتات. تتحوّل الكتابة إلى تأمل في معنى الانتماء والاغتراب القيّم توفيق دويب يرى في اللغة العربية مادة للوصال بقدر ما هي مساحة للالتباس. فهي، كما يقول "سيف ذو حدّين: توصل وتوحّد، لكنها أيضاً قد يساء فهمها". ومن هنا تأتي رغبته في تحويل المعرض إلى مساحة استماع متبادل، إلى فعل تواصلي يتجاوز منطق الفهم إلى منطق الإنصات. الحروف في المعرض تتحرك، وتتنفس، وتتموضع في الفضاء كما لو كانت أجساداً تؤدي رقصة الهوية. إنّها ليست كتابة بل أداء. ومع أن الزائر قد لا يعرف معنى الكلمة المكتوبة، لكنه يشعر بها. تلك الطاقة غير اللغوية هي ما يجعل من الخط العربي، في صيغته المعاصرة، فنّاً عالمياً بلا ترجمة. في كثير من الأعمال، تتقاطع الخطوط العربية مع اللاتينية والأمازيغية، لتؤكد أن الهوية ليست نقاءً بل تداخل، وأن اللغة لا تحدّد الذات بل تفتحها. هذا التداخل يحوّل المعرض إلى نوع من "الكاليغرافيا الوجودية"، حيث تتحول الكتابة إلى تأمل في معنى الانتماء والاغتراب. تبدو رسالة المعرض أكثر إلحاحاً في ظلّ ما يحدث في غزة والعالم العربي. فكما يشير دويب، عرض أعمال لفنانين فلسطينيين ليس مجرّد قرار جمالي، بل فعل إنساني وسياسي في زمنٍ يعاد فيه إنتاج الصمت. "إنه تذكير بحقّ كل إنسان في أن يعيش ويُسمع صوته".  

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية