سادتنا والسادات: السنوار مرّ من هنا 
عربي
منذ يوم
مشاركة
"إذا خسرنا مصر فإن كلّ الإنجازات التي تحقّقت في التخلّص من حسن نصر الله ويحيى السنوار ستذهب أدراج الرياح. مصر نقطة ملتهبة، فكلّ ما تحقق لنا في المنطقة، مثل التخلّص من السنوار ونصر الله وغيرهما، قد ينقلب رأساً على عقب لو خسرنا مصر". ... هذا ما تحدّث به مبعوث إدارة ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مارس/ آذار الماضي، وهو يحتفل باغتيال الشهيدين يحيى السنوار، زعيم حركة حماس الذي دخل التاريخ واحداً من الأبطال الأسطوريين في الكفاح والمقاومة، وحسن نصر الله زعيم حزب الله الذي يسميه العارفون بفضله وقيمته في الوطن العربي "سيّد المقاومة"، وهو بالفعل أحد سادتها العظام. كانت خمسة أشهر كاملة قد مرّت على استشهاد الزعيمين في لحظةٍ لم يكن فيها أحد يعرف اسم ستيف ويتكوف، إذ لم يكن دونالد ترامب قد عاد إلى البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة، غير أنّ مبعوثه اليميني الصهيوني الصريح لم ينسَ، وهو في بداية عمل إدارته بديلةً لإدارة جو بايدن، أن يُشير إلى أهم منجز حققه التحالف الإسرائيلي في العدوان على غزّة ولبنان: اغتيال نصر الله والسنوار، وكان لافتاً ومهيناً في آن واحد أن يساوي بين جريمة اغتيال المقاومين الكبيرين واحتفاظ المحور الصهيوأميركي بمصر مكسباً أو هدفاً استراتيجيّاً لازماً للحفاظ على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وهي العقيدة المستقرّة في العقل الأميركي/ الإسرائيلي منذ انقلاب أنور السادات على مُقتضيات التاريخ والجغرافيا بالمنطقة العربية، وتطوّر المسألة لاحقًا إلى مفهوم "الكنز الاستراتيجي" الذي يضمن استمرار السلام على الطريقة الإسرائيلية، ويبقى ركيزة أساسية لتمدّد مشروع التطبيع في العواصم العربية التي لم تلتحق بـ"العملية" كما كان يسميها حسني مبارك كنز الكنوز الاستراتيجية الأوّل على مرّ عصور التطبيع، من وجهة نظر واشنطن وتل أبيب اللتين تعتبران وجود هذا النموذج مسألة لا تقلّ أهمية عن امتلاك السلاح النووي. حين استشهد يحيى السنوار قبل عام بالتمام، وبعد أسابيع من استشهاد حسن نصر الله وشهور من استشهاد إسماعيل هنية، تنفّس الصهاينة والأميركان الصعداء، وشعروا بأنّهم حقّقوا نصراً تاريخيّاً، وأدركوا أنّ الوقت قد حان لدمج المنطقة كلّها في الشرق الأوسط الإسرائيلي، كما حلم به نتنياهو ورسم خطوطه دونالد ترامب، فيما امتنعت الأنظمة العربية المُحيطة بالكيان الصهيوني عن نعي الشهيدين أو التعزية فيهما، إذ لم يصدُر بيان واحد يرثيهما أو حتى يدين العمليات الإرهابية الإجرامية التي أودت بحياتهما، وكأنّهم قد غلبهم الحنين إلى زمن الكنوز الاستراتيجية ودفء التطبيع الذي أطاحها طوفان الأقصى الفلسطيني بقيادة يحيى السنوار، والتحاق المقاومة اللبنانية بقيادة حسن نصر الله به على قاعدة وحدة الساحات، ثم انضمام الرجال النبلاء في اليمن والمقاومة العراقية، لتصحو الأمة على واقعٍ جديدٍ يتمرّد على حالة الاسترخاء على مقاعد انتظار قطار التطبيع. كان ابتلاع الحكومات العربية ألسنتها عقب استشهاد نصر الله ثم السنوار واحداً من أغلى المكاسب التي حصل عليها الكيان الصهيوني، وسجّلت وقتها أنّه لو خُيّرت إسرائيل بين انضمام قوات عربية إليها في الحرب على غزّة ولبنان والامتناع عن نعي يحيى السنوار وحسن نصر الله، لاختارت الثانية، إدراكاً منها أنّ عدم الاعتراف العربي بالمقاومة ورموزها يفيدها أكثر من دعمها بالسلاح والمال، ذلك أنّ أكثر ما يطمح إليه المحتل أن يتخلّص من تعريفه مُحتلّاُ ويصبح جزءاً من البيئة التي تُحيط به. كان الصهيوني يشعر بسعادة بالغة، وهو يجد ما يشبه الإجماع الرسمي العربي على التخلّف عن نعي قائد الفصيل الأكبر في قوى المقاومة العربية، بل إطلاق وسائل الإعلام النظامية ضدّ اعتباره شهيداً أو بطلاً شعبيّاً، وربّما كان ذلك أهم مسبّبات شعور الاحتلال بالطمأنينة لتنفيذ ما يقوم به، في حماية قوى الاستعمار القديم، ذلك أن لا شيء أغلى عنده من أن تبقى المنطقة العربية سجينة المنطق الساداتي، الذي ورثه حسني مبارك، وعاش له وعليه فيما بعد، ثم أصابه عطل مؤقّت بوصول محمد مرسي إلى رئاسة مصر ومجاهرته بمعادلة جديدة حيال غزّة وفلسطين، أثارت القلق في صفوف محور السلام الصهيوني، فَجَرَتْ عملية التخلّص منه والقضاء على تجربته، لتنتعش من جديد بضاعة "الكنز الاستراتيجي" وتستعيد شرم الشيخ دورها الوظيفي الذي أُنشئت من أجله: مركز تأهيل وإنعاش لمشروع التطبيع العربي، كما تريده واشنطن وتل أبيب، ويُعاد إحياء نموذج أنور السادات، المكسب الإسرائيلي الأميركي الأهم في تاريخ القضية، في مواجهة النموذج المُضاد، سادة المقاومة الشهداء الذين تحفظ فضلهم جماهير الأمة التي تعرف الفرق بين السادة والسادات. 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية