
عربي
أكّدت الهند، اليوم الخميس أن أولوية سياستها في مجال الطاقة هي "الدفاع عن مصالح المستهلك الهندي"، بعدما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن نيودلهي تعهّدت وقف استيراد النفط الروسي. وأصدرت وزارة الخارجية الهندية بيانا جاء فيه أن "أولويتنا هي حماية مصالح المستهلك الهندي. سياستنا بشأن واردات الطاقة تُسترشد بهذا الهدف الوحيد".
ووفقاً لـ"إنديان إكسبرس"، قال المتحدث باسم الوزارة راندير جايسوال إن "الهند مستورد كبير للنفط والغاز، وأولويتنا الدائمة هي ضمان أسعار مستقرة وحماية مصالح المستهلك الهندي في ظل بيئة طاقوية عالمية متقلبة". وأضاف جايسوال أن بلاده "تسعى منذ سنوات إلى تنويع مصادر الطاقة وزيادة وارداتها من الولايات المتحدة"، مشيرًا إلى أن السلطات الأميركية أبدت اهتمامًا واضحًا بتعزيز التعاون في مجال الطاقة مع الهند، والمباحثات لا تزال مستمرة. من جانبها، أكدت روسيا، اليوم الخميس، ثقتها باستمرار شراكتها في مجال الطاقة مع الهند، رغم تصريحات الرئيس الأميركي، التي قال فيها إن نيودلهي وعدت بوقف شراء النفط الروسي.
وفرض ترامب في نهاية أغسطس/ آب رسوما بنسبة 50% على الصادرات الهندية إلى بلاده ردّا على شراء نيودلهي النفط الروسي الذي تعتبره واشنطن مصدرا أساسيا لتمويل الحرب التي يخوضها الكرملين في أوكرانيا. وبعد الصين، تعدّ الهند أكبر مشتر للنفط الروسي الذي مثّل في عام 2024 حوالى 36% من وارداتها، مقارنة بنحو 2% قبل بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، وفق بيانات وزارة التجارة الهندية.
ضغوط أميركية بشأن النفط الروسي
وكان ترامب قد فرض، في نهاية أغسطس/ آب الماضي، رسومًا جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، ردًّا على استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي. وتُعد الهند ثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي بعد الصين، إذ شكّل النفط الروسي نحو 36% من إجمالي وارداتها النفطية في عام 2024، مقارنة بنحو 2% فقط قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، وفق بيانات وزارة التجارة الهندية، وفق "رويترز".
وبحسب مصادر مطلعة، بدأت بعض شركات التكرير الهندية التحضير لتقليص وارداتها من النفط الروسي تدريجيًا تحت الضغط الأميركي، فيما أكدت شركة (MRPL) أنها ستواصل شراء النفط الأرخص سعرًا، بما في ذلك الروسي، طالما كان ذلك مجديًا اقتصاديًا. في المقابل، أشارت تقارير لوكالة "أسوشييتد برس" إلى أن الهند تنظر في زيادة وارداتها من النفط والغاز الأميركي بوصفها خياراً بديلاً، شريطة أن تبقى الأسعار مناسبة للمستهلك المحلي.
وتأتي التطورات الأخيرة في ظل تحوّلات أعمق في خريطة الطاقة العالمية، حيث تحاول الولايات المتحدة إعادة تشكيل مسارات التجارة النفطية بعد الحرب في أوكرانيا، في وقت تواصل روسيا البحث عن منافذ بديلة لتصريف نفطها في الأسواق الآسيوية، خصوصًا بعد القيود الغربية والعقوبات المفروضة على صادراتها. وتشكل الهند، إلى جانب الصين، أحد أهم شرايين الاقتصاد الروسي منذ عام 2022، إذ ساهمت مشترياتها المتزايدة في تخفيف أثر العقوبات على موسكو ودعم إيراداتها النفطية.
ورغم الضغوط الأميركية المتصاعدة، فإن للهند مصلحة اقتصادية واضحة في الإبقاء على العلاقات مع روسيا في مجال الطاقة. فالعقود الروسية تمنحها تخفيضات سعرية تتراوح بين 10% و20% مقارنة بالأسعار العالمية، ما يتيح لنيودلهي تقليص فاتورة استيرادها من النفط والحفاظ على استقرار الأسعار المحلية، وهو عامل أساسي في ضبط التضخم الداخلي الذي تجاوز 6% خلال العام الماضي، بحسب "إنديان أكسبرس". كما تعتمد الحكومة الهندية على إمدادات مستقرة لتلبية الطلب المتزايد في بلد يتجاوز عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، ويُعد ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد الصين والولايات المتحدة.
من الناحية الجيوسياسية، تحاول الهند الحفاظ على توازن دقيق بين مصالحها مع واشنطن، التي تُعد شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في مجالات التكنولوجيا والدفاع، وبين علاقاتها التاريخية مع موسكو التي وفّرت لها لعقود طويلة الدعم العسكري والطاقة بأسعار تفضيلية. هذا التوازن يُشكّل ركيزة في سياسة نيودلهي الخارجية المعروفة باسم الاستقلال الاستراتيجي، والتي تسعى من خلالها إلى تجنّب الاصطفاف الكامل مع أي محور دولي.
اقتصاديًا، يمكن القول إن الهند تستفيد من التنافس الأميركي–الروسي، إذ تتيح لها هذه المعادلة الحصول على صفقات طاقة أكثر مرونة. فبينما تضغط واشنطن لتقليص المشتريات الروسية، فإنها في المقابل تعرض تعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام إلى السوق الهندية، في محاولة لملء الفراغ المحتمل. وقد أظهرت بيانات وكالة الطاقة الدولية أن واردات الهند من الغاز الأميركي ارتفعت بنسبة 24% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، مقابل انخفاض طفيف في الشحنات الروسية، ما يعكس إعادة توزيع تدريجية لمصادر الطاقة دون قطيعة تامة.
لكن هذا التحول ليس بلا تكلفة، فالتخلي عن النفط الروسي سيعني ارتفاعًا في متوسط تكلفة الاستيراد بنحو 8 إلى 10 دولارات للبرميل، وفق تقديرات شركات التكرير المحلية (MRPL)، وهو ما قد ينعكس مباشرة على أسعار الوقود في السوق الداخلية ويزيد الضغط على المالية العامة. لذلك، تبدو نيودلهي مصممة في الوقت الراهن على الإبقاء على جزء معتبر من وارداتها الروسية، مع العمل على تنويع مصادرها وتوسيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الخارج على المدى الطويل.

أخبار ذات صلة.

حرية الصحافة في أميركا
العربي الجديد
منذ 15 دقيقة