كان على عبّاس ألا يذهب
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
ربّما كان الاثنين الماضي اليوم الأطول في الشرق الأوسط منذ سنوات، من حيث ساعات البث التلفزيوني على الأقلّ لحدث في المنطقة، أدّى طواله الرئيس الأميركي دونالد ترامب عرضاً متواصلاً (one man show). وعندما كان يغيب عن خشبة العرض، كانت الفضائيات العربية تعوّض ذلك بصور طائرته، أو أعلام الدول التي ينتظر قادتها وصوله إلى شرم الشيخ، أو بمحلّلين ومراسلين يجهدون لملء الفراغ ريثما تعود الكاميرات إلى متابعة المالك الحصري للعرض الطويل. وللإنصاف، بدا الرئيس السبعيني رائقاً وحافظ على حيويته طوال الوقت، وأضاف إلى ذلك فائض طرافةٍ يمكن وصفها من دون تحفّظ بالسمجة، خصوصاً في بعض تعليقاته القصيرة "المهينة"، التي ألقاها حين كان يصافح (أو يلتفت) إلى هذا الزعيم أو ذاك، فيسأل عن رئيس الوزراء البريطاني، ويطري جمال رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وهي "آخرُه" الأنثوي في عنصريتها وحركات وجهها ونظرات عينيها. وهذا شأنٌ ما يُسمى "ستاند أب كوميدي"، وهو من العروض التي عُرفت عن الأميركيين أكثر من غيرهم، وكانت تقدّم في النوادي الليلية والمسارح الصغيرة قبل أن تنتقل إلى المسارح الكبرى وشاشات التلفزيون، وينال مقدّموها نصيباً وافراً من الشهرة والمال، والأكثر أهمية "وهم السلطة"، الذي يخوّلهم إزالة الحواجز مع الآخرين والسخرية منهم. ... على أن الحدث نفسه كان أكثر تعقيداً من أسلوب ترامب في مقاربته، وإن احتفظنا للرجل بأنه حقّق إنجازاً كبيراً على نحو ما، فوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، وهو فعلياً إبادة وعدوان وحشي وغير مسبوق من طرف واحد، ما كان ليتحقّق لولا أن ترامب سئم، وتدخّل لإنقاذ إسرائيل من نفسها، فهي تخسر الرأي العام في العالم كما قال، وشعبيّتها تتراجع حتى في الكونغرس الأميركي، ثمّ إن ميلانيا (زوجته) نبّهته ذات مرّة إلى صور الأطفال الغزّيين وهم يتدافعون على منافذ توزيع الطعام، فعرف أن ثمّة مجاعة هناك، في تلك المنطقة التي يرى أنها مناسبة لإنشاء "ريفييرا"، بعد تنظيفها من الركام وإنهاء "القتال" بالضرورة. أمّا الحدث فهو نهاية مؤقتة للمقتلة الأسوأ في العالم، ما يتطلّب حلاً دائماً يضمن عدم تكرارها، وهو ما لا يتيسّر إلا بالعودة إلى بديهيّات الحلول في هذا النوع من الصراعات، أي العودة إلى الشرعية الدولية وقراراتها ومنها قرار التقسيم وإقامة دولتَين، وهو ما يرفضه بنيامين نتنياهو، ولا يراه ترامب نفسه مناسباً، فما يُعنى به الأخير اتفاقات أبراهام لا حلّ الدولتَين، أي القفز مجدّداً من فوق الحلّ الحقيقي، وتحويل ورطة نتنياهو إنجازاً جديداً يراكمه في سجلّه. وهنا، لافتٌ أن يتجنّب ترامب طوال عرضه الماراثوني في المنطقة أي ذكر لحلّ الدولتَين، فالمهم بالنسبة إليه أنه أنهى صراعاً يمتدّ ثلاثة آلاف عام (!). هل يتذاكى؟! أو لعلّه يرغب بإعادة كتابة تاريخ البشرية كلّها استناداً إلى تاريخ مزوّر لقبيلة صغيرة صادف أنّ رسالةً إلهيةً كبرى نزلت عليها، فاحتارت ماذا تفعل بها وبنفسها، منذ ذلك الوقت، ولم تتوصّل إلى نتيجة واحدة تقتنع بها سوى أنها مُصطفاة ومختارة من الربّ، ومفضّلة على بقية الأمم بالأمس واليوم وغداً. لكن ترامب الذي تجاهل أيَّ حديث عن دولة فلسطينية لم يجد بأساً في مصافحة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وهو يقيم في مدينة رام الله التي تقع في الضفة الغربية بالمناسبة. ولم يصافحه وحسب، بل بشّ في وجهه، وكان واضحاً أن عبّاس يريد أن يعاتبه وترامب يريد أن يصرفه. وكان واضحاً أكثر أن حضور عبّاس كشف غياب رجلٍ حضر العرس فبدا عبئاً عليه، بينما كان يُفترض أن يقام على شرفه. ولم يكن غيابه نتيجة مؤامراتٍ من أي نوع، بل لاستقالته من دوره المفترض زعيماً للفلسطينيين، وصمته المخزي والمديد عن إبادة شعبه في غزّة، أي داخل بيته هو، والأسوأ تحميله مسؤولية ذلك لشعبه، أو على الأقلّ لجزءٍ منه فاز بالانتخابات ولم يتوقّف عن سعيه إلى استعادة بلاده، بعد أن فشل عبّاس في استعادة مقهى أو حماية مطارد على بعد أمتار من مقرّ إقامته في رام الله. كان على عبّاس ألا يذهب إلى شرم الشيخ، من أجله هو لا من أجل شعبه.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية