هل انتهت حرب غزّة؟
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
قد يبدو السؤال أعلاه غير ذي معنى أمام التطوّرات المتسارعة بهذا الخصوص، منذ منتصف الأسبوع المنصرم، فقد وافق الطرفان، دولة الاحتلال وحركة حماس، على الإطار العام للاتفاق الذي وضعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزّة. وجاءت قمّة شرم الشيخ لتشكّل ترسيماً إقليمياً ودولياً للمرحلة الأولى من الاتفاق، التي تضمّنت إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، والإفراج عن أسرى فلسطينيين، والانسحاب الجزئي لجيش الاحتلال من قطاع غزّة. لم يكد يمرّ يومٌ على انتهاء أشغال قمّة شرم الشيخ، حتى انتهكت دولة الاحتلال الاتفاق، بعد أن أعلنت (الثلاثاء الماضي) إغلاقَ معبر رفح وتقليص المساعدات الإنسانية الموجّهة إلى القطاع، بذريعة عدم تسليم "حماس" جثث المحتجزين القتلى لديها، هذا إضافة إلى مواصلتها قصف المدنيين العزّل في أكثر من موقع في القطاع. ومع الأخذ بالاعتبار القضايا المفصلية العالقة بين الطرفَين، وفي مقدّمها مستقبل سلاح المقاومة، وغياب ضمانات ملموسة بعدم استئنافها حربها على غزّة، فالقولُ إن الحرب قد انتهت قد يكون سابقاً لأوانه. كان ترامب واضحاً في خطابه في الكنيست الإسرائيلي (الاثنين الماضي) حين تحدّث عن ''السلام بالقوة''، في رسالة لا تخلو من دلالة إلى الفلسطينيين ودول الإقليم. في المقابل، لم يأتِ على ذكر الحقوق الفلسطينية، لم يتحدّث عن الضفة الغربية التي تتعرّض إلى إعادة احتلال كامل وممنهج، ولا عن حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة على ما تبقى من أرضه. حتى في كلمته التي ألقاها في قمّة شرم الشيخ، اكتفى بعمومياتٍ فضفاضة. في ضوء ذلك، تبدو الخطّة الأميركية مرتبطةً في جوهرها بفكّ العزلة عن دولة الاحتلال، مع التحوّل العميق الذي حصل في الرأي العام الدولي بعد سنتين من حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزّة. بمعنى أن ما قدّمه ترامب ليس خطّة عملٍ بأجندة واضحة، لإنهاء الحرب والصراع في الوقت نفسه. ولعلّ ذلك ما يجعل تنفيذ المراحل المقبلة من الاتفاق أكبر تحدٍّ أمام الوسطاء لإنجاحه برمّته. بالموازاة، يدرك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن ترامب قطع عليه الطريق قبل أن ينعطف بالحرب إلى مآلات تنسف ما يتطلّع الأخير إليه من إعادة رسم التوازنات الإقليمية والدولية، والتحكّم في دينامياتها بما يعزّز الهيمنة الأميركية. ولذلك، سعى داخلياً إلى تسويق اتفاق وقف إطلاق النار، ليس باعتباره مكسباً أميركياً، بل مكسباً إسرائيلياً يحقّق معظم الأهداف التي سطّرها مع بداية الحرب، سيّما في مواجهة اليمين الديني المتطرّف، الذي لا يزال غير مقتنع بأن الاتفاق حقّق هذه الأهداف، وعلى رأسها نزع سلاح المقاومة ونفي قياداتها إلى خارج غزّة، وإخراج السلطة الفلسطينية من معادلة اليوم التالي. أمّا إقليمياً، فيسعى إلى توظيف الاتفاق في ترتيب الأوراق في الإقليم وإعادة رسم خريطته وفق الرؤية الإسرائيلية، خاصّة بعد تفكّك محور المقاومة، وانكفاء إيران، وتراجع وزن حلفائها وأدوارهم. في المقابل، أدركت حركة حماس، حتى قبل أن يطرح ترامب خطّته لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، أنّ المحتجزين الإسرائيليين باتوا عبئاً سياسياً عليها أمام حالة الدمار الهائل التي أصبح عليها القطاع بعد سنتَين من القصف الوحشي، وأنّ هامشَ المناورة أمامها لم يعد كبيراً للالتفاف على بعض بنود خطّة ترامب، وبالأخصّ ما يرتبط بتسليم سلاحها ومصير قياداتها. وفي الوقت نفسه، تدرك أن قبولها بنود المرحلة الثانية من الاتفاق، كما هي في الخطّة، يعني خروجها من معادلة غزّة والمعادلة السياسية الفلسطينية برمّتها، كما أن رفضها يعني انهيار الاتفاق واستئناف دولة الاحتلال حربَها على غزّة بدعم أميركي. ما يعني في المحصلة أن الحركة أمام اختبار غير مسبوق في مسارها حركةَ تحرّر وطني. يُؤمل أن تُفضي مساراتُ تنفيذ الاتفاق، في النهاية، إلى سحب كل الذرائع من دولة الاحتلال، حتى لا تستأنف حربها على الشعب الفلسطيني، لأن استئنافها الحرب (لا قدّر الله) سيعيد ''مخطّط التهجير'' إلى الواجهة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية