أفريكوم تطلق تمرين "فلينتلوك 2026" في سرت بمشاركة ليبية وأوروبية
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا إطلاق القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) تدريباتٍ لقوات ليبية مشتركة في مدينة سرت، ضمن تمرين "فلينتلوك 2026" الذي تنظمه القيادة بمشاركة أوروبية على رأسها إيطاليا. وأوضحت السفارة، في بيان لها، أن هذا التمرين، الذي تجريه أفريكوم سنويًّا، "سيكون له موقع رئيسي في ليبيا، بمشاركة قوات أمنية من جميع مناطق البلاد، بالإضافة إلى إيطاليا وشركاء رئيسيين آخرين"، مشيرة إلى أن سرت "مدينة شهدت سابقًا تعاونًا أمنيًّا قويًّا بين الولايات المتحدة وليبيا في مجال مكافحة الإرهاب، وستواصل دعم جهودنا المشتركة في التدريب المهني وتعزيز التزامنا المشترك بالاستقرار والسلام والازدهار في المنطقة". ولم يتضمن بيان السفارة موعدًا محددًا لانطلاق التدريب. وجاء في البيان أن التمرين يهدف إلى "تعزيز التنسيق والقدرات المشتركة بين الحلفاء والشركاء من خلال القيادة والسيطرة المشتركة في عمليات مكافحة الإرهاب"، مشيرة إلى تطلع واشنطن "إلى استمرار التعاون مع شركائنا الليبيين من جميع أنحاء البلاد لتحقيق أهدافنا المشتركة للسلام الإقليمي والازدهار المتبادل". يأتي هذا الإعلان في سياق انخراط أميركي متزايد في الملف الأمني والعسكري الليبي، بدأ منذ العام الماضي، عبر سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولي أفريكوم وقادة الشرق والغرب، في إطار مشروع أميركي لبناء "قوة ليبية موحدة" من ضباط المعسكرين. وخلال العام الجاري زار نائب قائد أفريكوم، جون برينان، طرابلس وبنغازي وسرت في فبراير/شباط الماضي، والتقى فيها عددًا من القادة العسكريين الليبيين. وفي إبريل/نيسان الفائت استضافت واشنطن لقاء جمع صدام حفتر ممثلًا لما يعرف بـ"القيادة العامة للجيش الوطني" واللواء عبد السلام الزوبي عن حكومة الوحدة الوطنية، وفي الشهر ذاته، رست السفينة الأميركية "يو إس إس ماونت ويتني" في طرابلس وبنغازي، حيث عقد وفد أميركي رفيع اجتماعات متوازية مع القادة العسكريين في الجانبين. وخلال كل هذه الزيارات واللقاءات تصدر البيانات الأميركية مضمون موحد يبرز مساعي واشنطن لمساعدة ليبيا في توحيد المؤسسة العسكرية، ودعم التكامل الأمني بين الشرق والغرب. وكانت مصادر ليبية مقربة من لجنة (5+5) العسكرية الليبية المشتركة قد كشفت في تصريحات سابقة النقاب عن تسليم برينان لأعضاء اللجنة، أثناء لقائه بهم في سرت في فبراير الماضي، مقترحًا عمليًّا يقضي بإنشاء نواة قوة مشتركة، تبدأ من اختيار ضباط من الجانبين، والبدء في برامج تدريبية عسكرية مكثفة. وتعليقًا على الخطوة الأميركية، يلفت ناجي بوسيف، الخبير في الشأن العسكري والأمني، إلى أن التحركات الأميركية المتتابعة شكّلت ملامح رؤية أميركية جديدة "يمكن القول بأنها ترسي معادلة التوازن المتوازي الليبي، من خلال التعامل مع جانبي البلاد معًا، وتوجيههما نحو مشروع أمني يحمل في عمقه مشروعًا أميركيًّا متصلًا بالمنطقة كاملة، ولذا جاء من خلال قوة أفريكوم التي تتجاوز أنشطتها ليبيا". وعليه، يرى بوسيف أن إعلان السفارة عن تمرين "فلينتلوك" لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق الزيارات السابقة التي بدأت منذ العام الماضي، مضيفًا: "هذا يقع في تسلسل واضح، لكن الجديد هنا يتعلق باختيار سرت موقعًا رئيسيًّا لهذا التمرين". ويشرح بوسيف أهمية سرت بأنها كانت مسرحًا لأول شراكة ميدانية بين واشنطن والقوات الليبية، عندما دعم الطيران الأميركي قوات حكومة الوفاق الوطني السابقة في حملتها على تنظيم داعش عام 2016، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى جوانب أخرى تحيط بأهمية سرت، منها أهميتها الجغرافية والأمنية، لوقوعها في قلب شبكة التوازنات الليبية، إذ شكّلت منذ عام 2020 خط تماس بين قوات حفتر المنسحبة من طرابلس وقوات غرب البلاد، كما أنها تقابل جغرافيًّا القواعد الروسية الأشد نشاطًا في الجفرة "ما يجعلها نقطة ارتكاز رمزية واستراتيجية في آن واحد، فبالنسبة لواشنطن، التي ترى في الوجود الروسي المتنامي على الساحل الليبي تهديدًا مباشرًا للتوازن مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي يوجد في قواعد بعرض المتوسط مقابل سرت، فإن تحويل سرت إلى موقع تمرين رئيسي هو خطوة لإعادة تثبيت موطئ قدم أطلسي في منطقة كانت موسكو تراهن عليها لترسيخ نفوذها، ولا يمكن إغفال أن إبراز مشاركة إيطاليا في التمرين يضيف بعدًا أوروبيًّا، فروما على رأس العواصم الأوروبية القلقة من النشاط الروسي". لكن اللافت، بحسب بوسيف، هو المضمون الذي حمله بيان السفارة الأميركية منطلقاً لمحاربة "الإرهاب"، مشيرًا إلى أن "المهام التي يجريها هذا التمرين على صلة بمكافحة الإرهاب، وسرت رمزية للانتصار على داعش، تضع سؤالًا حيال الهدف الحقيقي لهذا التحرك الأميركي، فحركة الإرهاب تراجعت بشكل كبير في ليبيا، إلا أنه يظل مبررًا قويًّا لتوحيد الجهود وخلق بيئة تدريب مشتركة، وهو غطاء أمني وسياسي في الوقت نفسه لإطلاق مشروع توحيد المؤسسة العسكرية تحت إشراف دولي". ويضيف بوسيف: "هذا التمرين لا يقف عند تزويد القوات الليبية بالمهارات المتقدمة، بل ربما رسالة ردع ناعمة موجهة إلى موسكو، مفادها أن واشنطن قادرة على العمل ميدانيًّا في ليبيا عبر شراكات رسمية مع حكومة طرابلس، وبانفتاح محسوب على الشرق، لتجفيف أي ذريعة لتوسع روسي في الموانئ أو القواعد الجوية. فواشنطن ليس في برامجها إقامة قواعد عسكرية في ليبيا، لكنها تسعى لتحويل ليبيا إلى فضاء تدريب متكامل يربط قواتها الخاصة بشركائها المحليين والأوروبيين، ما يمنحها وجودًا مرنًا وفاعلًا من دون كلفة سياسية". ومن جانبه، يبرز أستاذ العلوم السياسية، أرحومة الطبال، قراءة سياسية للبيان الأميركي، معتبرًا أنه يعكس "تحولًا استراتيجيًّا في المقاربة الأميركية تجاه ليبيا، يقوم على الجمع بين الأداتين السياسية والعسكرية". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "بدل الاكتفاء بدعم الوساطة عبر الأمم المتحدة، يبدو أن واشنطن تذهب لتبني نفوذ ميداني، عبر تدريب القوات وخلق مصالح مهنية مشتركة تربط ضباط الشرق والغرب تحت إشرافها، فالتهديدات الإرهابية في ليبيا وخلاياها نائمة ويمكن أن تستهدف أي مصلحة أميركية، خاصة أنها تطمح لإطلاق شراكات استثمارية في مجالات الطاقة". ويضيف الطبال: "يجب قراءة الأنشطة الأميركية في سياق المتغيرات في منطقة المتوسط، فما تهدف إليه واشنطن سلام إقليمي، السلام الليبي جزء منه، إذ تعي واشنطن أن ليبيا باتت ساحة تنافس على المتوسط، وأن الاستقرار فيها يعني تأمين الخاصرة الجنوبية لأوروبا ومنع تموضع روسي دائم على الساحل المقابل لقواعد الناتو، والقوة الليبية المشتركة ذات الطابع الأمني وبمشاركة إيطالية وأوروبية دليل واضح على ذلك". ويلفت الطبال إلى أهداف أخرى تقع في قلب الاستراتيجية الأميركية في ليبيا، فبخلاف موسكو التي لا تملك اتصالًا بالحكومة الشرعية في طرابلس مقابل توغلها الكبير في جانب سلطة خليفة حفتر، فإن واشنطن من خلال مشروع بناء القوة المشتركة تهدف إلى أن تكون الطريق الأكبر للتواصل بين الطرفين، مضيفًا: "التوازن المتوازي يمكّن واشنطن من امتلاك قدرة التأثير التي تفتقدها القوى الأوروبية وروسيا أيضًا، فهي تعيد إدماج الشرق في مشروع تدريبي مشترك يرفع من احترافية قواته، ويقلل اعتمادها على موسكو، وفي الوقت ذاته تمنح طرابلس غطاءً دوليًّا، في صيغة تضمن لها التحكم في المسارين في وقت واحد، المسار العسكري من خلال الإدماج، والمسار السياسي من خلال دعم الاستقرار عبر بوابة الأمم المتحدة". ويرى الخبير السياسي أن استحضار الحرب على الإرهاب في البيان الأميركي لا يهدف فقط إلى مواجهة أي خطر متبقٍ للإرهاب، بقدر ما يعكس هدف إعادة ترتيب الخريطة الأمنية تحت مظلة أطلسية، تمنح المشروع الأميركي شرعية إقليمية، مضيفًا: "دلالة سرت تتمثل في أنها رمزية لإنهاء الإرهاب، ومرتكزًا للفصل بين الحرب والسلم، وبديلًا عن بقائها خط ضعف في مواجهة الوجود الروسي في الجفرة، فهي تسعى لتحويلها إلى منطقة لبناء قوة ليبية مشتركة مدعومة من حلف الأطلسي".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية