السيادة المطبوعة في موسكو
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
في عامي 2018 و2019، كشفت تقارير دولية عن طباعة كميات من الدينار الليبي في مطابع روسية عبر فرع المصرف المركزي في بنغازي، الذي كان آنذاك خاضعاً لسلطة خليفة حفتر. رفض كثيرون تلك الروايات ورأوها استهدافاً سياسياً لمشروع "بناء الجيش الوطني" الذي كان حفتر يتحرك تحت شعاره، وطالبوا بالأدلة القاطعة على صدقية ما نشر، معتبرين أن الأمر لا يعدو كونه حملة ضد الرجل الذي يرفع شعار مكافحة الإرهاب واستعادة الدولة. هذه المرة لم تأت الوقائع من الخارج بل من داخل المؤسسة المالية نفسها، إذ أصدر مصرف ليبيا المركزي، الثلاثاء الماضي، بياناً لافتاً، كشف فيه عن رصده نحو عشرة مليارات دينار ليبي (1.6 مليار دولار) يتم تداولها عبر فرعه في بنغازي منذ ما قبل عام 2021، مؤكداً أن هذه الكمية "لم ترد في السجلات الرسمية للمصرف فرع بنغازي، كما أنها لم تطرح للتداول عبر القنوات القانونية للمصرف"، وهو ما يعني أن كميات ضخمة من النقد طُبعت وتسللت إلى السوق خارج الرقابة القانونية للدولة، وصحيح أن البيان لم يذكر حفتر صراحة، غير أن التوقيت (ما قبل 2021) والمكان (بنغازي) يجعلان الإشارة إليه واضحة، فالواقعة حدثت في زمن هيمنته المطلقة على مؤسسات الشرق الليبي، وهو ما يؤكد أن الحديث عن "المال الروسي" لم يكن شائعة. الواقع أن بيان المصرف المركزي لا يقف عند حدود كشف تزوير نقدي، بل يفتح باباً واسعاً على طبيعة الصراع الدولي في ليبيا الذي كان حفتر سببه الرئيس. فالتوغل الروسي من بوابته، الذي بدأ بطباعة الدينار واستقر في المال والمؤسسات، من الواضح أنه استدعى بالمقابل انخراطاً أميركياً في السياقات نفسها، إذ بدت واشنطن تتحرك بلغة الاستثمار في قطاعي النفط والغاز لمنافسة موسكو على النفوذ، ما يكشف عن أشكال التزاحم الدولي داخل مفاصل الدولة الليبية. المرحلة الجديدة من التدخل لم تعد تحتاج إلى جيوش أو مرتزقة، بل إلى اتفاقات مالية وشركات تنقب بعناوين الاستثمار وتستحوذ على القرار من بوابة الاقتصاد. والمفارقة أن حفتر الذي كان قبل أيام يعلن رفضه لخريطة الطريق الأممية بذريعة أن "خيوطها نسجت في الخارج" ودعا الليبيين الى صيانة "السيادة الليبية"، هو نفسه من فتح للأجانب أبواب البلاد، فيندد بالتدخل في العلن ويستدعيه في الخفاء.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية