
عربي
وسط تواصل الأزمة البيئية الصحية في محافظة قابس التونسية، خاض الأهالي، اليوم الأربعاء، جولة جديدة من الاحتجاجات ضدّ التلوّث الكيميائي المتفاقم في المنطقة الواقعة جنوب شرقي تونس، مطالبين السلطات بإنقاذ البشر كما الحياة البحرية وتلك البرية هناك من تداعيات النفايات السامة التي تفرزها مصانع الأمونيا ووحدات تحويل الفوسفات التونسية.
وجاب آلاف المواطنين شوارع مدينة قابس نحو منطقة شطّ السلام الأكثر تضرّراً من التلوّث، رافعين شعارات "يا قابس يا مظلومة من التلوّث والحكومة" و"الشعب يريد تفكيك الوحدات". وقد اتّشح عدد من المحتجين بالسواد، في إطار المسيرة الشعبية، تعبيراً عن الغضب الذي يسيطر على المنطقة منذ أسابيع، بعد تكرّر حالات الاختناق بين الناس، مع العلم أنّ نحو 100 مواطن نُقلوا إلى وحدات صحية أمس الأربعاء، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ الذين أُصيبوا بصعوبات في التنفّس.
وأفاد شهود عيان "العربي الجديد" بأنّ السلطات حاولت تفريق المتظاهرين، وتصدّت للمسيرة السلمية بالغاز المسيل للدموع، الأمر الذي تسبّب في حالات اختناق في صفوف المحتجين. والتسجيلات التي جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت بوضوح كيفية تعاطي القوى الأمنية مع مواطنين يطالبون بحمايتهم من التلوّث. يُذكر أنّ الحراك البيئي في قابس يطالب بتفكيك الوحدات الملوثة، علماً أنّ حراك اليوم أتى متزامناً مع الذكرى 62 للجلاء ولخروج آخر جندي فرنسي من الأراضي التونسية بعد الاستعمار.
يقول الناشط في حراك "ستوب بليوشن" (أوقفوا التلوّث)، الذي يخوض تحرّكات احتجاجية للمطالبة بتفكيك المصانع الكيميائية التي تبثّ سمومها في المنطقة منذ 50 عاماً، فراس الناصفي إنّهم ينفّذون "منذ نحو ثمانية أعوام احتجاجات متواترة ضدّ التلوّث الذي أصاب مدينة قابس في مقتل، بعد الأضرار الواسعة التي طاولت الواحات البحرية وإصابة آلاف المواطنين بأمراض ناجمة عن استنشاق الغازات السامة".
ويبيّن الناصفي لـ"العربي الجديد" أنّ "حالة الغضب وصلت إلى حدّها في الأسابيع الأخيرة، مع بروز أعراض خطرة للتسمّمات التي تصيب المواطنين وتسجيلها في وقت قياسي"، مشدّداً على أنّ "قابس لم تعد تحتمل مزيداً من التلوّث بعدما استنشق المواطنون لمدّة 50 عاماً الغازات التي تخرج من مداخن المجمّع الكيميائي التونسي، وبعدما تحوّلت شواطئ المحافظة إلى مقابر للحيوانات البحرية نتيجة الكميات الهائلة من الفوسفوجيبس التي تُحوَّل يومياً نحو البحر".
ويؤكد الناشط التونسي أنّ "قابس صارت منكوبة بيئياً، ولا بدّ من توفير العلاج لها من خلال التفكيك الشامل لوحدات المجمّع الكيميائي التونسي"، بالإضافة إلى "إطلاق مسار لمعالجة الآثار المدمّرة التي تسبّب فيها على مدى خمسة عقود".
وبالتوازي مع المسيرة الشعبية التي شهدتها مدينة قابس، نفّذ ناشطون وقفة احتجاجية في العاصمة تونس تعبيراً عن مساندتهم مطالب أهالي محافظة قابس. وبينما تحوّل ملفّ التلوّث في قابس إلى قضية رأي عام تشغل التونسيين، ولا سيّما في الأيام الأخيرة، يبدو أنّ السلطات تسعى إلى استيعاب غضب الأهالي وإيجاد حلول سريعة للأزمة عبر تشكيل لجنة لمعاينة وضع المجمّع الكيميائي التونسي.
لكنّ حراك "ستوب بوليوشن" أعلن مقاطعته اجتماع اللجنة المعنية بذلك، واصفاً ذلك بأنّه موقف مبدئي يتّخذه للتشديد على "ضرورة تفعيل قرار تفكيك الوحدات الملوثة الصادر في 29 يونيو/ حزيران 2017". وعبّر الحراك، في بيان نشره أمس الثلاثاء، عن "استغرابه اجتماع هذه اللجنة مع ممثلي المجتمع المدني في الوقت الذي يتواصل فيه نشاط الوحدات الملوثة إلى هذه اللحظة، مع تسبّبها في حالات اختناق جماعي جديدة".
وشدّد الحراك، في بيانه نفسه، على أنّ الاجتماعات التي تُقام مع مثل هذه اللجان، لطالما مثّلت "وسيلة لتعويم التحركات واحتواء المجتمع المدني طوال سنوات"، مؤكداً أنّ أهالي قابس لم ينالوا منها "سوى استهلاك مزيد من الوقت من أجل مواصلة الإبادة البيئية والجرائم".
بدوره، دعا الاتحاد الجهوي للشغل في قابس وكذلك فرع قابس في الرابطة التونسية لحقوق الإنسان جميع المنضوين في إطارهما والقوى الحيّة والمنظمات وناشطي المجتمع المدني وكلّ أهالي قابس إلى "يوم غضب جهوي، للوقوف موحّدين من أجل قابس"، وذلك يوم غدٍ الخميس. وطالبت الجهتان، في بيان أصرتاه أمس الثلاثاء، إدارة المجمّع الكيميائي التونسي والسلطات الجهوية والمركزية إلى وقف الوحدات الملوثة فوراً، مع التشديد على أنّ ذلك "كان واجباً فعله منذ حادثة التاسع من سبتمبر/ أيلول 2025"، أي عندما سُجّلت حالات اختناق في معتمدية غنوش بسبب انتشار كثيف للأبخرة السامة.
في الإطار نفسه، أعلن الفرع الجهوي للمحامين في قابس نيّته رفع دعوى قضائية عاجلة لوقف الإنتاج في عدد من الوحدات الصناعية التابعة للمجمّع الكيميائي التونسي "المهترئة والمتسبّبة في انبعاثات غازية خطرة"، بحسب وصفه.
تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير بيئية أخيرة بيّنت أنّ نسبة الغازات السامة المنبعثة في قابس هي الأعلى على الصعيد الوطني التونسي، الأمر الذي أدّى إلى انتشار أمراض تنفسية وسرطانية بين السكان. كذلك يُسجَّل تدهور في الثروة السمكية عند خليج قابس، على خلفية سكب آلاف الأطنان من مادة فوسفوجيبس ونفايات صناعية مختلفة في البحر، وقد انعكس ذلك مباشرة على الصيادين ومعيشتهم.

أخبار ذات صلة.

العرابي بطل «درفت السعودية»
الشرق الأوسط
منذ 12 دقيقة