السماء والتجارة... جبهتان في الصراع الأميركي الصيني
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
تصاعدت حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين هذا الأسبوع على جبهتين تعكسان عمق الأزمة الاقتصادية والسياسية بين القوتين الأكبر في العالم. ففي حين تواجه شركات الطيران الصينية اعتراضًا أميركيًّا على استمرارها في التحليق عبر المجال الجوي الروسي في رحلاتها إلى أميركا، لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف استيراد زيت الطهي الصيني، في خطوة تُعد امتدادًا لحرب تجارية طويلة الأمد بين البلدين. هذه التطورات لا تعبّر فقط عن خلافات في السياسات التجارية أو النقل الجوي، بل تكشف عن تحوّل استراتيجي في إدارة التنافس الاقتصادي العالمي، حيث تتقاطع المصالح التجارية مع الحسابات الجيوسياسية في أجواء مشحونة بالضغوط والعقوبات وردات الفعل المتبادلة. شركات الطيران الصينية تحتج على خطة أميركا لحظر طيران وذكرت وكالة أسوشييتد برس، أن أكبر شركات الطيران الصينية المملوكة للدولة ردّت على اقتراح أميركي بمنعها من التحليق في المجال الجوي الروسي في أثناء السفر من وإلى الولايات المتحدة. ويقول الجانب الأميركي إن مثل هذه الرحلات تمنح شركات الطيران الصينية ميزة غير عادلة من حيث التكلفة مقارنةً بشركات الطيران الأميركية، التي لا يمكنها عبور المجال الجوي الروسي. وكانت موسكو قد أغلقت مجالها الجوي أمام شركات الطيران الأميركية ومعظم الشركات الأوروبية في عام 2022، ردًّا على العقوبات الغربية على خلفية غزو روسيا لأوكرانيا. وتعد شركات إير تشاينا وإير تشاينا إيسترن وإير تشاينا سوذرن من بين ست شركات طيران صينية تقدّمت بشكاوى الأسبوع الماضي بشأن المقترح الأميركي الذي يقضي بحظر عبور الطائرات الصينية للأجواء الروسية في طريقها من وإلى الولايات المتحدة. في السياق، قالت شركة إير تشاينا إيسترن في الملف الذي قدّمته هذا الأسبوع إلى وزارة النقل الأميركية إن الحظر المقترح سيضر بالمصلحة العامة وسيسبّب إزعاجًا للمسافرين من كلا البلدين. وأضافت أن وقت الرحلة الإضافي سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف وأسعار التذاكر، مما يزيد العبء على جميع المسافرين. وحذّرت شركة إير تشاينا سوذرن من أن حظر الطيران عبر المجال الجوي الروسي سيؤثر سلبًا على آلاف المسافرين، بينما قالت إير تشاينا إنها تتوقع تضرّر ما لا يقل عن 4400 راكب إذا تم تطبيق الحظر خلال موسم عطلات عيد الشكر ورأس السنة. وفي الأسبوع الماضي، علّق جيو جياكون، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، على الحظر الأميركي المقترح بالقول إنه سيكون عقابًا للمسافرين حول العالم. وقال ديفيد يو، خبير صناعة الطيران في جامعة نيويورك بشنغهاي، إن عدم قدرة شركات الطيران الأميركية على التحليق فوق المجال الجوي الروسي زاد من طول مسارات بعض الرحلات بين الولايات المتحدة والصين بمقدار ساعتين إلى ثلاث ساعات، ما يتطلب وقودًا أكثر ويضغط على ربحية شركات الطيران الأميركية. وأضاف يو: "لطالما كان الطريق بين الولايات المتحدة والصين مصدر ربح لشركات الطيران في كلا الجانبين. ومن وجهة نظر الشركات الصينية، إذا تمكنت من المرور عبر روسيا، فإن تكاليفها ستنخفض". وذكرت وزارة النقل الأميركية في اقتراحها أن قدرة شركات الطيران الصينية على عبور المجال الجوي الروسي سبَّبت اختلالات تنافسية بين الشركات الأميركية والصينية. وأضافت الوزارة في بيان الأسبوع الماضي: "إن القدرة على استخدام المسار الأكثر كفاءة توفر ميزة تنافسية، إذ عادةً ما تؤدي إلى أقصر مدة للرحلة، مما يوفر خيارًا أكثر جاذبية للمسافرين." كما اشتكت شركات طيران أوروبية، من بينها الخطوط الجوية الفرنسية الهولندية (إير فرانس – كي إل إم)، من الوضع ذاته. ترامب يلمّح إلى وقف استيراد زيت الطهي الصيني  في السياق ذاته، لمّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، إلى أن الولايات المتحدة قد تتوقف عن استيراد زيت الطهي من الصين، وهو إجراء انتقامي في ظل التوترات التجارية المستمرة بين البلدين. وقال ترامب على منصة تروث سوشال إن الولايات المتحدة يمكنها بسهولة إنتاج زيت الطهي محليًّا ولا تحتاج إلى شرائه من الصين، بحسب "أسوشييتد برس". وأضاف أن بكين ترفض عمدًا شراء فول الصويا الأميركي، مما يخلق صعوبات للمزارعين، وهي شريحة أساسية من مؤيدي الرئيس. وكان المزارعون الأميركيون قد فقدوا منذ فترة طويلة أحد أكبر المشترين بعدما توقفت الصين عن استيراد فول الصويا الأميركي. وفي المقابل، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على وصول الصين إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة المستخدمة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن يلتقي ترامب الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) المقررة في كوريا الجنوبية نهاية أكتوبر/تشرين الأول. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، في مقابلة مع قناة فوكس بيزنس يوم الاثنين، إن اللقاء ما زال مدرجًا على جدول الأعمال، وذلك بعد أن أثار ترامب، يوم الجمعة الماضي، شكوكًا حول احتمال عقده. تصاعد الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين تأتي الخلافات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين حول قضايا الطيران والتجارة في سياق حرب اقتصادية متشابكة الجوانب، تتجاوز الرسوم الجمركية التقليدية إلى صراع على النفوذ الاستراتيجي وسلاسل الإمداد العالمية. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، أعادت واشنطن وبكين رسم خريطة العلاقات الاقتصادية وفق اعتبارات سياسية وأمنية، جعلت من السماء والرقائق والطاقة أدوات ضغط متبادلة أكثر من كونها عناصر تعاون اقتصادي. في ملف الطيران المدني، بات المجال الجوي الروسي ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوتين؛ فالشركات الأميركية تجد نفسها مقيدة بالقيود المفروضة على التحليق فوق روسيا، ما يجعل رحلاتها إلى آسيا أطول وأكثر تكلفة، بينما تستفيد نظيراتها الصينية من حرية العبور، فتحقق ميزة تنافسية في الأسعار والوقت. هذه الفجوة تعيد إلى الأذهان المنافسة غير المتكافئة في قطاعات أخرى كأشباه الموصلات والطاقة النظيفة، حيث تسعى واشنطن لتقويض أي تفوق صيني محتمل في البنى التحتية العابرة للقارات. أما على صعيد التجارة الزراعية والغذائية، فإن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف استيراد زيت الطهي الصيني يعكس انتقال الصراع التجاري إلى قطاعات أكثر ارتباطًا بالمستهلكين الأميركيين وبالقاعدة الانتخابية الجمهورية. في المقابل، تحاول واشنطن تقليص الاعتماد على الواردات الصينية، في إطار استراتيجية إعادة التصنيع وإزالة المخاطر. من جهة أخرى، يرتبط الملفان؛ الطيران والتجارة، بمفهوم أوسع يتمثل في إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تقييد استخدام المجال الجوي الروسي، وتحجيم تدفق التكنولوجيا والسلع من الصين، في مسعى لبناء نظام اقتصادي أكثر تحكمًا جيوسياسيًّا. هذا التوجه يهدد بتحويل الاقتصاد العالمي إلى نظام مزدوج القطبين، تتراجع فيه مبادئ التجارة الحرة لصالح سياسات الأمن الاقتصادي والسيادة الإنتاجية. ولم يعد الصراع الاقتصادي بين واشنطن وبكين محصورًا في ميادين الاقتصاد الرقمي أو التكنولوجيا المتقدمة، بل امتد إلى السماء والمطابخ والأسواق اليومية. فكل مسار طيران وكل شحنة باتا جزءًا من معادلة النفوذ العالمي. وبينما تسعى الولايات المتحدة لتقليص اعتمادها على الصين وتحجيم قدراتها، ترد بكين بسياسات مرنة تحافظ على تفوقها التجاري. في نهاية المطاف، لا يبدو أن الحرب الاقتصادية بين القوتين في طريقها إلى التهدئة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية