
عربي
رغم أن منصب الرئيس الإسرائيلي، هو منصب رمزي أو شرفي، إلا أن إحدى وظائفه الهامة، هي صلاحيّته القانونيّة في العفو عن المُجرمين وتسهيل عقوبتهم من خلال تخفيض العقوبة أو استبدالها بعقوبة أخرى، ومن هنا كان توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال خطابه في الكنيست أمس الاثنين، بشكل مفاجئ إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ للعفو عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المتهم بعدة قضايا فساد عالقة في المحاكم منذ سنوات، منها تلقي رشى.
وطُرحت قضية العفو مراراً في إسرائيل في السنوات الأخيرة، من قبل شخصيات عدة، منها رئيس المحكمة العليا الأسبق أهارون باراك، ولكن بشروط معينة، وبما يكفل المصلحة العامة لإسرائيل. وفي حال تطبيقها لاحقاً فلن تكون بسبب طلب ترامب، ولكن لحسابات واعتبارات إسرائيلية داخلية، ورهناً بإقرار نتنياهو بالذنب، وفق تصريحات سابقة لهرتسوغ. ومن غير المتوقع أن يوافق هرتسوغ على طلب ترامب، وفق ما أفاد موقع "واينت" العبري اليوم الثلاثاء. وأوضح هرتسوغ عدة مرات في السابق، أن المسألة ليست مطروحة حالياً، رغم أنه لم يستبعد تماماً إمكانية منح العفو في المستقبل.
وفاجأ ترامب، الرئيس الإسرائيلي، خلال خطابه الطويل، الذي استمر لأكثر من ساعة، حين توجه إليه فجأة وسأله: "لدي فكرة، سيادة الرئيس، لماذا لا تمنحه (أي نتنياهو) عفواً؟". وبدا هرتسوغ، الذي كان جالساً إلى جانبه، مندهشاً لكنه ابتسم، وكذلك فعل نتنياهو من مكانه. وبدأ الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي بالتصفيق. وقلل ترامب من شأن الاتهامات الموجّهة إلى نتنياهو، كما فعل في مناسبات سابقة، قائلاً: "هذا لم يكن في الخطاب المكتوب، لكنني أحب هذا الرجل (نتنياهو). سيغار وشمبانيا، من يهتم بذلك أصلاً؟ إنه أحد أفضل القادة الذين كانوا هنا في زمن الحرب". وخاطب ترامب نتنياهو قائلاً: "أنت شخص يتمتع بشعبية كبيرة، لأنك تعرف كيف تنتصر"، وفق زعمه.
سبق أن عبّر ترامب عن موقفه غير المعتاد تجاه محاكمة نتنياهو، وطالب مراراً بإلغائها. ففي يونيو/ حزيران الماضي، دعا في منشور على منصته "تروت سوشيال" إلى إلغاء محاكمة نتنياهو أو منحه عفواً. وادّعى ترامب أن المحاكمة تُجرى "لدوافع سياسية وتتناول السيغار ودُمية باغز باني"، واعتبر في سياق حديثه عن العدوان على إيران أن نتنياهو يتعرض لما وصفه بأنه "مطاردة ساحرات ضد رجل قدّم الكثير (أي لإسرائيل). لم يكن هناك مقاتل مثله، ويستحق (تقديراً) أكثر من ذلك بكثير. الولايات المتحدة أنقذت إسرائيل، والآن سننقذ بيبي (التسمية الأميركية المختصرة لنتنياهو)".
موقف هرتسوغ
وبعد عدة أيام، عاد ليتطرق إلى المحاكمة الجارية ضد نتنياهو، وكتب في منشور آخر: "هذا جنون، ما يفعله المدّعون الخارجون عن السيطرة بنتنياهو". وأضاف في نفس المنشور: "إنها مطاردة ساحرات سياسية، تشبه كثيراً تلك التي اضطررت أنا إلى مواجهتها. لن نقف مكتوفي الأيدي". بعد ما نشره ترامب في يونيو، دعا هرتسوغ، الأطراف المعنية إلى الدخول في مفاوضات مكثّفة بهدف محاولة التوصل إلى تسوية. مع ذلك أشارت صحيفة "معاريف" اليوم، إلى أن موقف هرتسوغ، من إمكانية إنهاء المحاكمة من خلال عفو رئاسي عن نتنياهو، منوط أولاً بتقديم طلب من قبل الشخص المعني، والاعتراف بالذنب، مما يعني أن الكرة في ملعب نتنياهو، في حين أن هرتسوغ نفسه يبدو داعماً لهذا المسار من حيث المبدأ، في ظل الأزمات التي تعصف بإسرائيل.
وهي أقوال مشابهة للتصريحات التي أدلى بها هرتسوغ، في مقابلة مع الصحيفة ذاتها في إبريل/ نيسان الماضي. وقال حينها، "في ما يتعلق بمحاكمة نتنياهو، فإن 90% من الإجراءات الجنائية في إسرائيل تنتهي باتفاق ادعاء. وأعتقد أن الجهات المعنية يجب أن تجلس وتتحدث لإيجاد حل". وقبل نحو أسبوعين، أشار هرتسوغ في معرض رده على سؤال خلال مقابلة مع إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى إمكانية منح عفو لرئيس الحكومة، مبرراً ذلك بأن "محاكمة نتنياهو تُثقل وتُرهق المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير".
وأوضح أنه في حال كان هنالك توجه، أي من قبل نتنياهو، "فأنا ملزم بالنظر فيه بجدية. وسبق أن أوصيت بمحاولة التوصل إلى تسوية. أنا مستعد للقيام بدوري من أجل دولة إسرائيل، وإذا وصل إلي طلب فسأنظر به. سأشارك الجمهور وأعمل بشفافية، وآخذ بعين الاعتبار مصلحة الدولة والجمهور وعدة عوامل قبل أن أقرر، ولكن هذا ليس مطروحاً الآن لأنه لم يكن توجه (أي لطلب عفو)".
في موقع رئيس إسرائيل، الذي طالعه "العربي الجديد"، لمعرفة الاعتبارات التي تقف من وراء العفو أو رفضه عن شخص ما، في السياق العام، كُتب أن "الرئيس يبلور قراره بالنسبة للعفو اعتماداً على المعلومات والتقارير اللازمة لاتّخاذ القرار، من بينها تقارير وزير القضاء أو وزير الأمن. التاريخ الرئاسيّ يبيّن أن مؤسّسة العفو تعكس رؤيا الرئيس وقِيَمه، التي تؤثّر على قراره بمنح العفو أو عدم منحه".
خلال مشاركته في مؤتمر للتربية والتعليم، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي قال هرتسوغ عند طرح قضية العفو: "هناك قواعد معيّنة لن أبدأ بتفصيل كيفية تطبيقها. سأقوم دائماً بتقييم الأمور وفقاً لضميري والقواعد الأساسية. يجب على الناس أن يطلبوا ويرغبوا، لكن حالياً هذا ليس مطروحاً. لم يحدث ولم يُطلب. ليس من الصواب أن أتحدث عن ذلك علناً بينما المحاكمة لا تزال جارية". وأضاف: "إنه مسار معقد يشارك فيه العديد من الأطراف. حالياً هناك محاكمة، والمحاكمة جارية. أنا أؤمن بواجب احترام سيادة القانون، ولا أحد فوق القانون. لم أشعر أن ذلك كان يوماً سعيداً، فلم يكن من المفرح رؤية رئيس الوزراء في المحكمة، ولا ينبغي أن يكون ذلك مفرحاً لأي أحد".
في السياق، أعربت عدة شخصيات أخرى، عن دعمها التوصّل الى تسوية، كان من بينها القاضي آشر كولا، الذي شغل منصب نائب رئيس المحكمة المركزية في الناصرة، وقال قبل نحو عام في حديث لإذاعة "كان ريشت بيت"، التابعة لهيئة البث الإسرائيلي: "لا شك أنه كان ينبغي التوصل إلى صفقة ادعاء في قضية نتنياهو، ولا يزال بالإمكان التوصل إليها. في نهاية المطاف، هناك دولة تجب إدارتها، وليس من الجيد للدولة أن يكون رئيس وزرائها متهماً في قضية جنائية وأن تستمر محاكمته من 6 إلى 8 سنوات".

أخبار ذات صلة.

هزات عنيفة تلاحق اتفاق غزة
الشرق الأوسط
منذ 12 دقيقة