
عربي
كشفت لجنة الموارد الدولية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عن ضمّ الجزائر والمغرب لثروات معدنية (معادن حرجة) خاصة تلك التي تكتسب اليوم أهمية غير مسبوقة في سباق العالم نحو الطاقة النظيفة.
وبحسب أحدث التقديرات الأممية، باتت الجزائر والمغرب، معنية مباشرة بالتحول العالمي نحو "المعادن الحرجة" مثل النيكل (عنصر كيميائي يستخدم بشكل واسع في صناعة السبائك مثل الفولاذ المقاوم للصدأ) والكوبالت (يستخدم في صناعة بطاريات الليثيوم)، والنحاس والمنغنيز (يستخدم في إنتاج الطاقة)، وهي العناصر التي تمثل العمود الفقري لصناعة البطاريات والسيارات الكهربائية والألواح الشمسية.
وجاءت هذه المعطيات في تقرير اللجنة الصادر في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025 بعنوان "تمويل الإمداد المسؤول من معادن التحوّل الطاقوي لتحقيق التنمية المستدامة"، وهو تقرير يرصد التمويل العالمي لقطاع المعادن الحيوية والحرجة ويحلل توازناته الجغرافية والبيئية. ورغم أن الأرقام تشير إلى مساهمة محدودة لدول شمال أفريقيا في هذا القطاع مقارنة بدول أخرى في القارة، إلّا أنها تعد جزءاً من مشهد استراتيجي أوسع يجعل من القارة بأكملها محط أنظار الأسواق العالمية والجهات الممولة.
الجزائر: نشاط استكشافي متزايد
أشار التقرير إلى أن الجزائر تسهم بنسبة 0.2% من إنتاج أفريقيا من النيكل، واعتبر حضورها في السوق ما زال محدوداً، لكنه قابل للتوسع مع ازدياد مشاريع الاستكشاف الجارية. وجاء في التقرير أن تنويع القاعدة المعدنية الجزائرية يمكن أن يشكّل رافعة اقتصادية إذا جرى استقطاب تمويل مستدام يربط الاستثمار بالحوكمة البيئية والاجتماعية، كما شدّد على ضرورة تطوير القدرات الوطنية في الجيولوجيا والمعالجة المعدنية لربط النشاط الاستخراجي بالصناعة التحويلية داخلياً.
المغرب: من الفوسفات إلى معادن التحول
وذكر التقرير المغرب، ضمن المنتجين الصغار للنحاس والمعادن الحرجة بنسبة 0.2% من إنتاج القارة، مشيراً إلى أن المملكة بدأت توسّع نشاطها نحو المعادن المستخدمة في الطاقة النظيفة. ويرى أن خبرة المغرب الطويلة في إدارة واستغلال الفوسفات قد تمهد لتجربة ناجحة في قطاع المعادن الحيوية إذا ما جرى دمجها في الاقتصاد الأخضر على نحو يحقق توازناً بين الربحية وحماية البيئة، خصوصاً في ظل المشاريع الطاقوية الكبرى كمحطة نور ورزازات للطاقة الشمسية.
170 مشروعاً منجمياً في أفريقيا
ويوسع التقرير رؤيته ليؤكد أنّ أفريقيا ككل أصبحت مركزاً رئيسياً لمعادن التحول الطاقوي، إذ تنتج القارة أكثر من 90% من الكروم (معدن كيميائي يستخدم في الصناعة) و97% من البوكسيت (خام طبيعي وهو المصدر الأساسي للألمنيوم)، إضافة إلى 80% من معادن البلاتين و39% من المنغنيز، كما تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، جنوب أفريقيا، غينيا ومدغشقر من كبار الموردين للمعادن المستخدمة في الصناعات النظيفة.
ويذكر التقرير أن هناك 170 مشروعاً منجمياً قيد التنفيذ أو التطوير في 25 دولة أفريقية، ما يجعل القارة "أحد أعمدة التحول الطاقوي المقبلة"، لكنه يحذّر من أن هذه الطفرة قد تتحول إلى "استغلال جديد" إذا لم تُصحح أنماط التمويل والتنظيم التي تحكم القطاع، فمعظم الاقتصادات الأفريقية، "لا تزال تعتمد على تصدير المواد الخام دون تصنيع محلي، ما يحرمها من فرص التنمية والتشغيل".
إصلاح القوانين المنجمية
ودعا التقرير الحكومات الأفريقية إلى تبنّي سياسات تمويل مسؤولة تستند إلى معايير البيئة والحوكمة والشفافية وإلى إصلاح القوانين المنجمية والضريبية لضمان الاستقرار التشريعي وجذب الاستثمارات طويلة الأمد، كما حثّ على تفعيل الدعم الإقليمي عبر البنك الأفريقي للتنمية ومركز تطوير المعادن الأفريقي لبناء القدرات الوطنية في الرقابة والمفاوضات والعقود.
وختتم التقرير بالتأكيد أن التحول الطاقوي العالمي لن يكون عادلاً ما لم يكن التمويل نفسه عادلاً، مشدداً على أن القارة الأفريقية بما فيها دولها العربية تمتلك فرصة لإعادة صياغة موقعها في النظام الاقتصادي العالمي، شريطة أن تربط استثماراتها بالتنمية المستدامة لا بالاستخراج فقط. وورد في نصه الختامي: "أفريقيا ليست مجرد مستودع للمعادن، بل يمكن أن تكون شريكاً فاعلاً في صياغة مستقبل الطاقة النظيفة إذا أعيد بناء قواعد التمويل لخدمة الإنسان والبيئة معاً".
