عيسى عمرو... من مواجهة رواية إسرائيل إلى ترشيح لجائزة نوبل للسلام
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة
يقف الفلسطيني عيسى عمرو (45 عاماً) بوصفه أحد أبرز الوجوه الحقوقية في مواجهة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (الأبرتهايد)، ليس في مدينة الخليل التي نشأ فيها جنوب الضفة الغربية فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً، إذ حاز عشرات الجوائز والتكريمات في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، كان آخرها اختياره ضمن قائمة "100 شخصية مؤثرة" لمجلة التايم الأميركية. كان عمرو مرشّحاً لنيل جائزة نوبل للسلام، وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حصل على "جائزة نوبل البديلة" التي يرعاها البرلمان السويدي، ويشرف عليها مجلس يضم أكاديميين وسياسيين من مختلف دول العالم، وتُعد من أبرز الجوائز الممنوحة في مجال حقوق الإنسان. يسكن عمرو في حي تل الرميدة المحاصر داخل المنطقة H2 الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة، وهناك يوثّق اعتداءات المستوطنين، ويعمل على حشد الدعم الدولي عبر استقدام نشطاء ومؤسسات مؤثرة إلى الخليل كما يقول في حديث مع "العربي الجديد". بدأ مسيرته الحقوقية من قلب المواجهة اليومية مع الاحتلال، إذ إنه في عام 2003، وبينما كانت جامعة بوليتكنك فلسطين في الخليل مغلقة بأوامر عسكرية إبّان الانتفاضة الثانية، تحدّى عمرو رفقة زملائه الإغلاق وفتحوا أبواب الجامعة، وبدأ بالتواصل مع نشطاء دوليين ووسائل إعلام أجنبية لينقل للعالم واقع مدينته. يقول عمرو: "أسّست حينها حركة التضامن الدولي مع الخليل، وأدركت أن قصة الفلسطيني بحاجة لمن يحملها خارج الحدود"، في عام 2004، امتد نشاطه إلى مسافر يطا جنوب الخليل المهدّدة بالترحيل وأحياء البلدة القديمة من مدينة الخليل المغلقة، إذ ساعد مع متضامنين أجانب عشرات العائلات على العودة إلى بيوتها ووضع قضيتهم أمام الإعلام الدولي. وفي عام 2005، أسس لجنة "الحقوقيين في تل الرميدة" لدعم العائلات المحاصرة، واستخدم النشطاء أجسادهم درعاً بشرياً أمام هجمات المستوطنين، لتصبح هذه الخطوة نواة نشاط مستمر في مواجهة الاحتلال، يقول عمرو: "حرصتُ على تحويل مدينة الخليل إلى نموذج يُستشهد به عند الحديث عن الاحتلال، وعنف المستوطنين، وسياسات الفصل العنصري، وأنظمة المراقبة. في السابق، لم يكن الأجانب على دراية واسعة بالمدينة، وفق عمرو، مضيفاً: "اخترتُ الخليل لتكون مثالاً لما يسعى الاحتلال لتطبيقه في باقي مناطق الضفة الغربية". مواجهة الاحتلال عبر الكاميرات عام 2006، ابتكر عمرو وسيلة جديدة لمواجهة الاحتلال عبر "الكاميرات"، يقول: "بدأت بتوزيع الكاميرات على الأهالي في المناطق المهددة، بعد أن جمّعتها من نشطاء أجانب، ولم تقتصر المبادرة على الخليل فحسب، بل وصلت إلى القدس، وسلّمت أول كاميرا لعائلة الكُرد في الشيخ جراح، قبل نحو 15 عاماً، ذاك الحيّ الذي تحوّل إلى رمز عالمي للمقاومة الشعبية"، يتابع: "أحدثت الكاميرات علامة فارقة في مناطق الصمود بالخليل المغلقة، ومسافر يطا، ومناطق (ج)، إذ درَّبتُ نشطاء من مختلف مناطق الضفة، حتى أصبحت العائلات نفسها توثِّق الانتهاكات، لقد بدأنا نتفوق بالرواية والسردية". ومع بداية عام 2007، أخذ التحدي طابعاً شخصياً، حين حاول المستوطنون الاستيلاء على منزل عائلة عمرو في حي تل الرميدة، ورغم خطورة الموقع وسط محيط متطرف وعنيف، اختار عمرو الصمود والعودة للعيش فيه، يقول: "حين كان الجميع يضطر لمغادرة الأحياء المغلقة، كنت أول من يعود إليها". ومن هنا وُلدت مبادرة "شباب ضد الاستيطان"، التي أسسها عمرو لتكون خط دفاعٍ مدني يرافق أحياء الخليل المغلقة من خلال مساعدة السكان في صيانة المنازل، وتأمين منح جامعية لأبنائهم، وتقديم دعم متواصل. وفي عام 2008 وسّع من دائرة نشاطه إلى مسافر يطا، وبحلول 2009، توسعت جهود تدويل قضية الخليل التي يقودها عمرو، مع وصول نشطاء من جنوب أفريقيا لمواجهة سياسات الأبرتهايد، وإقامة فعاليات ومسيرات أسبوعية في البلدة القديمة ضد الاستيطان. وفي العام ذاته، أطلق حملة "شارع الشهداء" لإحياء ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي عام التي وقعت في 25 فبراير/ شباط 1994، يقول: "لم تكن هناك أي صورة جماعية للشهداء. بفضل الحملة، أصبح 25 فبراير/ شباط مناسبة عالمية تُحيى سنوياً في أكثر من 200 فعالية حول العالم"، ويستدرك "رفضت السلطة حينها أن تعلن هذا التاريخ يوماً للتضامن العالمي مع الخليل". في تلك الفترة، يوضح عمرو أنه بدأ استخدام مصطلح "أبارتهايد" تعبيراً رئيسياً عن ما تتعرض له الخليل في كل لقاء مع مسؤولين وسياسيين أجانب، إذ كان يشرح لهم الفرق بين الفلسطيني والمستوطن الذين يعيشون في تلك المنطقة، قائلاً: "في المبنى نفسه بالخليل القديمة يعيش الفلسطيني تحت الاحتلال وحكمه العسكري، في المقابل يعيش المستوطن ويخضع للقانون المدني الإسرائيلي، وهذا نموذج صارخ على وضوح الفصل العنصري في الخليل". بحسب عمرو، بدأت تقارير منظمات حقوقية دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"بتسيلم" الإسرائيلية و"العفو الدولية" تستشهد بالخليل بوصفها نموذجاً حياً لسياسة التمييز والفصل العنصري التي ينتهجها الاحتلال، كما أن مداخلات دبلوماسيين غربيين في الأمم المتحدة والبرلمانات الأوروبية باتت تشير إلى الخليل عند الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين. يروي عمرو عن مواجهة بارزة ضد الاستيطان شرق الخليل، حين حاول مستوطنون من مستوطنتي "كريات أربع" و"جيفعات هآفوت"، الاستيلاء على أرض عائلة الجعبري عبر نصب خيام ومنع أصحابها من دخولها. جلب عمرو متضامنين دوليين وأزالوا الخيام وحرثوا الأرض مع أصحابها، لتصبح ساحة فعاليات أسبوعية، يقول: "بقينا ثلاث سنوات نعمل هناك، وهزمنا قائد هجمات المستوطنين آنذاك، الوزير المتطرف إيتمار بن غفير". اعتداءات واعتقالات تعرّض عمرو لعشرات الاعتداءات والاعتقالات، كان أخطرها في 2018 حين وُجّهت له 18 تهمة من أصل 50، بينها التحريض والاعتداء على مستوطنين. وعرض الاحتلال عليه امتيازات "VIP" أو بطاقة BMC المخصصة كتسهيلات لبعض المسؤولين الفلسطينيين، مقابل التراجع عن نشاطه، أو السجن عشر سنوات، لكنه رفض كل العروض واختار المحاكمة وتدويل قضيته. في تلك الفترة، تحركت موجة تضامن برلمانية واسعة مع عمرو؛ 36 عضواً من الكونغرس الأميركي بقيادة بيرني ساندرز وقعوا عريضة دعما له، إلى جانب 50 نائباً بريطانياً، 40 دنماركياً، و30 سويدياً، كما صنفته منظمة العفو الدولية (أمنستي) ناشطاً مهدداً بالخطر، فيما كان عشرات النشطاء الأجانب يحضرون جلسات محاكمته بانتظام. يروي عمرو أن الضغوط لم تقتصر على الاحتلال، بل شملت الأجهزة الأمنية الفلسطينية. في عام 2017 اعتُقل عمرو لدى الأمن الفلسطيني بسبب نشاطه الحقوقي، وتلقى عرضاً من إقليم فتح بالخليل: إما إغلاق مركز "شباب ضد الاستيطان" والحصول على منصب سياسي أو سفير، أو الاستمرار تحت التهديد والملاحقة. رفض العرض، فبدأت حملة تشهير ضده، وأُبعد عدد من زملائه الذين حصلوا على امتيازات، وصدر بيان رسمي اتهمه بـ"استفزاز المستوطنين"، استخدمه المستوطنون لاحقاً لتشويه صورته، ومنع من التعامل مع أي مؤسسة رسمية، حتى حُرم من عضوية "مجلس أولياء أمور ابنه في المدرسة". وبعد توقف "بعثة الوجود الدولي المؤقت في الخليل" عام 2019، أسس عمرو مجموعات الحماية، لتشكل مظلة للعمل التطوعي في رصد الانتهاكات ومرافقة الأهالي وتوفير وسائل دفاع سلمية. لكن بعد سنوات، تراجع دوره في العمل الإنساني داخل المناطق المحاصرة نتيجة التحريض عليه وتهديد المتعاونين معه، وفق قوله. ويشير عمرو إلى أن أحداث ما بعد أكتوبر 2023، شكلت محطة فارقة في حياته، حين تعرض للاعتقال القاسي والاعتداء الجنسي أثناء التحقيق، واختطف تحت أشد أنواع التعذيب من المستوطنين يوم بدء الحرب على غزة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ طُرد من منزله في تل الرميدة تحت ضغط المستوطنين وحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنه رفع قضية في المحكمة الإسرائيلية وحصل على قرار يسمح له بالعودة، ويوقف إجراءات الاحتلال بحقّ الحي. معركة قانونية دولية في موازاة نشاطه الميداني، يخوض عمرو معركة قانونية دولية، إذ قدّم في مايو/أيار الماضي، ملفاً كاملاً إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الاستيطان في الخليل، بصفته الشاهد الرئيسي. ويقول إنه التقى المدعي العام للمحكمة في العاصمة الأردنية عمّان وسلّمه التفاصيل الموثقة، رافضاً محاولات إغرائه مالياً أو استقطابه سياسياً، بما في ذلك من تيارات مثل "تيار محمد دحلان".  "خلال مسيرتي، حصلت على عشرات الجوائز في العمل الحقوقي، وكتبت مقالات عديدة في الصحف الأجنبية، وشاركت في أكثر من ثلاثين فيلماً وثائقياً يوثق الانتهاكات. ومع ذلك، لم أتلق أي تقدير من وسائل الإعلام التابعة للسلطة الفلسطينية، وأُمنع من الظهور فيها، وحتى الجوائز التي أنالها لا يُسلَّط عليها الضوء".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية