
عربي
منذ أجواء حرب الأيام الاثنتي عشرة بين إيران وإسرائيل، هناك من يتحدّث داخل العراق أنّ التحوّلات المقبلة ليست في صالح "أصدقاء" إيران. وهو كلام يوحي بأن أطرافاً أخرى ستكون المستفيدة من النكبة التي ستحلّ بأصدقاء طهران، غير أنّ ثمة معطيات كثيرة تعزّز فكرة أن الأمر لن يكون نكبة ولا هم يحزنون، بل مجرّد تبديلٍ للبندقية من هذا الكتف إلى ذاك، وقفز من المركب الغارق إلى المركب الناجي. وفي النهاية، ستُجري القوى النافذة والفاعلة نفسها، لا أطراف جديدة، هذا التحوّل وتتكيّف معه.
أثناء اندلاع الموجة الأولى من احتجاجات أكتوبر 2019 (الشعبية) في العراق، كنت في مدينة ياش الرومانية، وهناك سمعتُ من المثقّفين الرومانيين حديثاً عن لحظتهم الفارقة، حين سقط نظام تشاوشيسكو الاستبدادي في ديسمبر/ كانون الأول 1989، وانتقلت البلاد من الاشتراكية المركزية إلى نظام الاقتصاد الحرّ.
كانت الشوارع الرومانية آنذاك تحتفي بأوروبا وأميركا، وتعوّل كثيراً على مساعدات "العالم الحرّ"، لكن الخصخصة السريعة للقطاع العام عجّلت بانهيار الأوضاع. والتفصيل الأهم هنا، أنّ الحيتان الذين كانوا يحيطون بتشاوشيسكو سرعان ما بدّلوا جلودهم، واستخدموا أموال الفساد لشراء المؤسّسات العامة، فتحوّلوا رأسماليين كباراً في النظام الجديد.
تصف الكاتبة الرومانية هرتا مولر (جائزة نوبل للآداب 2009) تلك المرحلة بأنها "انتقال من الخوف إلى الجوع"، أي من الخوف الأمني في عهد تشاوشيسكو إلى الفقر الاقتصادي في الرأسمالية غير المنضبطة، إذ تزايد البوْن ما بين طبقة صغيرة من الأثرياء في مقابل قطاعات واسعة من المحرومين. ذلك ما ولّد شعوراً عاماً بالخيبة من أميركا، التي لم تكن مهتمّة سوى بأن تجعل من رومانيا منطقة متقدّمة لمعسكراتها المطلّة على روسيا، على حدّ وصف الرومانيين أنفسهم.
وللمفارقة، تذكّرت مع هذا الكلام ما كنتُ أسمعه قبل سنوات في كواليس السلطة حديثة التكوين في بغداد ما بعد 2003، حين قلّلت إحدى الشخصيات النافذة من التأثير بعيد المدى لعمليات الفساد واسعة النطاق، التي وُلدت مع النظام الجديد، ولم تنبثق لاحقاً ظاهرة طارئة. قالت هذه الشخصية (بما معناه) إن هذه "الفوضى" خلّاقة، على حدّ تعبير كوندليزا رايس، وإنّ الفساد ربّما هو شكل من أشكال إعادة توزيع الثروة وتكوين رؤوس أموال جديدة في وقت وجيز. فلا بدّ (برأيها) للطبقة السياسية الجديدة، ولرجال الأعمال المرتبطين بها، من إمداداتٍ مالية منتظمة تتيح لهم تثبيت أقدامهم في النظام الوليد، لأنّ تورّط السياسي في المال يجعله حريصاً على بقاء النظام لا راغباً في هدمه أو الهرب منه.
في واقع الحال، الفساد الممنهج الذي اخترق مفاصل الدولة ومؤسّساتها، حتى صارت له أعرافه الخاصّة، أفرز، في النهاية، إمبراطوريات مالية يتربّع على عرشها بضعة زعماء سياسيين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، يحيط بهم جيش من السماسرة ورجال الأعمال والمقاولين، ثمّ دائرة أوسع من أصحاب الدرجات الوظيفية العليا: مديرون عامّون، وسفراء، ورؤساء أقسام، وهيئات، ومستشارون، جميعهم يرتبطون بمصير واحد، ورفاهيتهم تعتمد على استمرار تدفّق عائدات الريع النفطي. ولن يقف مبدأ أو عقيدة أو دين عائقاً دون هذه المصلحة العليا؛ بل إن دم الأبرياء لم يقف حاجزاً أمامها، حين سُفك في الشوارع والأرصفة، لحظة شعورهم بأنّ إمبراطورياتهم مهدّدة.
لذلك، لم يكن غريباً أن تُسمع تسريباتٌ عن توسّل بعض قادة الفصائل (في الكواليس) طلباً لرضا واشنطن، ولا تلك الشائعات التي تتناقلها الأوساط السياسية عن لقاءاتٍ سرّية أجرتها شخصيات نافذة، خلال السنوات الماضية، مع جهات دولية وإقليمية عدّة، تبدي استعدادها لقلب ظهر المِجنّ لإيران تماماً، مقابل البقاء في مواقعها وامتيازاتها السياسية والمالية. بل إنّ بعض الروايات تذهب إلى أبعد من ذلك، فتتحدّث عن مفاوضات أو تبادل رسائل حتى مع إسرائيل. فكلّ شيء في سبيل البقاء في المناصب والامتيازات.

أخبار ذات صلة.

بانيايا يراكم الفشل في منافسات "موتو جي بي"
العربي الجديد
منذ 10 دقائق

مقتل سبعة جنود في كمين لإرهابيين في نيجيريا
الشرق الأوسط
منذ 19 دقيقة

قطاع التبغ.. منصة حوثية سرية لتمويل الحرب
العين الإخبارية
منذ 20 دقيقة