
عربي
لا يزال النازحون السوريون في مخيم "وطن" بمحافظة إدلب يقاسون ظروفاً مريرة رغم تحرير البلاد، وسط انعدام مقومات الحياة وعجزهم عن العودة إلى قراهم وبلداتهم.
كانت عشرات الآلاف من العائلات السورية النازحة تقيم في مخيمات المنطقة الجبلية الواقعة غربي إدلب، سواء المخيمات العشوائية أو المنظمة، قبل تحرير شمال غربي سورية من قوات النظام السابق، ومن بينها مخيم "وطن"، غربي بلدة كفر جالس، والذي شكل لسنوات ملاذاً آمناً لآلاف النازحين.
بلغ عدد النازحين في المخيم نحو 3500 عائلة، وقد جمع شتاتهم وحماهم من مخاطر الحرب والتهجير، ومن برد الشتاء وحرّ الصيف، ووفّر لهم الحد الأدنى من التعليم والرعاية الصحية. غير أنّه وبعد سقوط نظام الأسد، تبدّلت أحوال المخيم وظروفه المعيشية، حيث عادت كثير من العائلات السورية إلى بلداتها وقراها، فمن بين أفرادها من استطاع ترميم منزله للعيش بالحد الأدنى من مقومات الحياة، ومن نقل خيمته إلى مكان منزله المدمر، بينما لا تزال 250 عائلة تعيش في مخيم "وطن" وسط ظروف أقسى وأصعب من المعتاد في مخيمات شمال غربي سورية.
وتبرز في هذه المنطقة الخيام المهدّمة، وآثار الخراب على امتداد البصر، ما يجعلها منطقة مُوحشة يصعب العيش فيها، خصوصاً في ساعات الليل، لكن بعض سكان المخيم، ونظراً لضيق أحوالهم، ما زالوا يصارعون للبقاء أحياء رغم الدمار والخراب وانعدام سبل الحياة.
على مساحة لا تتجاوز بضعة أمتار، يعيش النازح السوري حمدو إبراهيم الديري مع زوجته وطفلتَيه في خيمةٍ وضع أمام بابها أسطوانات غاز، حاله حال عائلاتٍ أخرى ما زالت في المخيم، جراء الفقر وضيق الحال وعدم وجود مأوى يتيح لأفرادها العودة إلى قراهم وبلداتهم الأصلية. ويقول حمدو لـ"العربي الجديد": "احتسبتُ كلفة نقل الخيمة سواء لناحية أجرة السيارة أو تدعيم الأرضية بالإسمنت وغيرها من الأساسيات، فوجدتها تقارب 500 دولار أميركي، وأنا لا أملك شيئاً من هذا المبلغ. لديّ فقط بضع أسطوانات غاز هي مصدر رزقي الوحيد في هذه الحياة".
ويضيف "كانت تجارتي بأسطوانات الغاز جيدة قبل تحرير البلاد، نظراً لوجود عدد كبير من العائلات في المخيم، أما اليوم فقد باتت شبه معدومة. كما أنني فقدتُ الحياة الاجتماعية مع جيرانٍ عشنا معهم اللحظات الحلوة والمرّة"، متمنياً أن يجد أي منظمة أو جهة تدعمه من أجل العودة إلى قريته، قرية الدير الشرقي بمحافظة إدلب، والتي لحقها دمار كبير، حالها حال معظم قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، جراء معارك وادي الضيف التي انطلقت مع بداية الحرب السورية.
وتخبر فاطمة حسن إسماعيل "العربي الجديد" عن مأساتها، إذ أدت المعارك إلى وفاة زوجها، وهي اليوم تعيش في خيمة متهالكة مع ولدَيها يوسف وعائشة، بالقرب من خيمة حمدو، وتقول: "لا معيل لنا، ولا مكان نلجأ إليه، أعمل بالمياومة لإعالة ولديَّ". أما ابنها يوسف (14 سنة)، فقد ترك مقاعد الدراسة ليساعد والدته في العمل، لكنه اليوم طريح الفراش بسبب كسر في الساق وآخر في الفخذ وإصابة في الوريد بيده اليسرى، جراء انفجار قنبلة من مخلفات الحرب عند زيارته قريته لأول مرة بعد التحرير.
في الخيمة المجاورة يعيش شقيق فاطمة محمد إسماعيل ووالدته مريم فتوح، حيث اضطروا جميعهم للبقاء في مخيم "وطن" بسبب الفقر المدقع. ويقول محمد لـ"العربي الجديد": "لا أملك مالاً لتجهيز خيمة في قريتي، قرية الغدفة بمحافظة إدلب، ولا حتى لتجهيز أرضيتها، كما أن الخدمات والبنى التحتية شبه معدومة هناك". يجلس محمد بانتظار فرج يمكّنه من العودة مع عائلته، لكن لا أمل يلوح في الأفق، فالفقر يحاصره من كل الاتجاهات لدرجة أنه صار يتقشف قدر الإمكان في المواد الغذائية بهدف تأمين ثمن الدواء لابنته المُصابة بقصور في الغدة الدرقية.
وفي ظل الواقع المأساوي، يبقى مخيم "وطن" رغم تحرير البلاد شاهداً على معاناة آلاف السوريين، ولا سيما العاجزين منهم عن العودة إلى قراهم وبلداتهم، وسط انعدام أي بصيص أمل بحياة كريمة، ما يدفعهم باستمرار إلى مناشدة المنظمات الإنسانية والدولية كي تعيد لهم حقهم في التمتع بأبسط مقومات العيش، وفي تأمين عودتهم إلى ديارهم بعدما طالت مأساتهم.
