“من يمتلك شاشة لا يجوع؟”.. برنامج الأغذية يثير الجدل بـ “الغذاء المشروط” في مناطق الحكومة اليمنية
أهلي
منذ 20 ساعة
مشاركة

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:

أثار المسح الميداني الذي يجريه برنامج الأغذية العالمي (WFP) في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية موجة انتقادات واسعة وشكاوى من المواطنين والجهات المحلية، على خلفية اعتماده معايير استبعاد “مجحفة ” تهدد بإسقاط آلاف الأسر المسجلة سابقًا من قوائم المساعدات الغذائية، وذلك بهدف تحديث البيانات وتقليص عدد المستفيدين خلال المرحلة المقبلة، في خطوة تتناقض مع تقارير البرنامج نفسه التي تؤكد اتساع دائرة الاحتياج.

وكشف “يمن مونيتور” عن تفاصيل المعايير الجديدة التي يطبقها البرنامج الأممي، والتي تتضمن بنوداً مثيرة للجدل، مثل استبعاد الأسر التي تمتلك “جهازاً إلكترونياً ذا قيمة مرتفعة” أو “ثلاجة أو غسالة أو شاشة” أو منزل أو راتب من جهة حكومية أو خاصة.

هذه المعايير اعتبرها مستفيدون وناشطون “تعجيزية وغير منطقية”، لا سيما وأن امتلاك بعض هذه الأجهزة قد لا يعكس بالضرورة الحالة المادية، وقد تكون الأسر قد حصلت عليها قبل سنوات طويلة أو بجهود شاقة لا تتناسب مع وضعها الحالي.

يأتي هذا التوجه لتقليص أعداد المستفيدين في مناطق الحكومة بعد تأخر توزيع المساعدات لعدة أشهر –يعزوها البرنامج لـ “ضعف التمويل”– ما فاقم من معاناة المواطنين في ظل الانهيار الاقتصادي، وتردي قيمة العملة الوطنية، وعدم انتظام صرف الرواتب، وارتفاع معدلات البطالة التي تلامس أغلب الأسر اليمنية.

 

تناقض صارخ: التقليص يتزامن مع تحذيرات الجوع

يزداد الجدل حول إجراءات برنامج الأغذية العالمي لكونها تأتي في توقيت حرج، إذ أصدر البرنامج في يونيو/حزيران الماضي تقريرًا أكد فيه أن 4.95 مليون شخص في المحافظات الجنوبية يواجهون حالة “أزمة أو ما هو أسوأ”، متوقعاً ازدياد عدد المتضررين بنحو 420,000 شخصًا إضافياً في الفترة ما بين سبتمبر 2025 وفبراير 2026 إذا لم تُضخ مساعدات عاجلة.

هذا التناقض بين التقارير الميدانية للبرنامج التي تؤكد ارتفاع الحاجة واتساع دائرة الفقر، وبين قراره بتقليص التدخلات واعتماد معايير استبعاد مجحفة، يثير تساؤلات حول أولويات البرنامج وتأثره بأزمة التمويل التي برر بها أيضاً إيقاف نشاطه في مناطق سيطرة الحوثيين، ليصبح جل تركيزه في مناطق الحكومة الشرعية ولكن بمظلة استهداف ضيقة.

وأكد رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، نجيب السعيدي، أن برنامج الأغذية العالمي لم ينسّق مع الوحدة في عملية المسح الميداني، متهماً المنظمات الأممية بأنها “تتجنب الجهات الرسمية المختصة حتى لا تُناقش معاييرها وآلية عملها”.

وأضاف السعيدي لـ”يمن مونيتور” أن قرار رئيس الوزراء بحصر المسوحات في اختصاص الجهاز المركزي للإحصاء، رغم اتفاق سابق يمنح الوحدة التنفيذية اختصاص النازحين، ترك النازحين “بلا جهة تحميهم”، مشيراً إلى أن ذلك ساهم في تمرير قرارات فردية، كما حدث في استبعاد مديرية القاهرة من المسح أو إيقاف عمليات المسح في المخا بعد شكاوى المواطنين.

وتشير اللقاءات التي جرت بين البرنامج ووزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى أن الأخيرة ناقشت تأثير خفض المساعدات، لكنها لم تمنع المسح الذي بدأ في عدن منذ شهر. هذا التنسيق “الباهت” يثير تساؤلات عن مدى الرقابة الحكومية على معايير المسح الجديدة، وعن سر موافقة الجهات الرسمية على إجراءات قد تزيد من معاناة المواطنين في المحافظات التي تواجه بالفعل أزمة إنسانية كبرى.

استعباد مناطق كاملة

واستبعد برنامج الأغذية مديرية القاهرة في محافظة تعز (وسط) من عملية المسح والاستهداف في المرحلة المقبلة، البرنامج وعبر الشريك المنفذ أبلغ ابناء المديرية استبعادهم من المسح الجديد بمبرر عدم ارتفاع مؤشرات الجوع داخل المديرية، غير أن ناشطين طالبوا بإعادة مراجعة المؤشرات، مؤكدين أن الواقع الإنساني لا يمكن اختزاله في أرقام، وأن القرار سيحرم مئات الأسر من حقها في الغذاء.

في مديرية المخا، أوقف مكتب شؤون المنظمات في مكتب المقاومة الوطنية التابعة لطارق صالح في سبتمبر/أيلول المنصرم عمليات المسح التي تنفذها المؤسسة الطبية الميدانية، الشريك المحلي للبرنامج، بعد شكاوى المواطنين من “المعايير المجحفة” واستبعاد مستحقين.

وقال مدير المكتب عادل المسعودي لـ”يمن مونيتور” إن مديريات الساحل “تمر بحالة إنسانية استثنائية وتستضيف آلاف النازحين”، مطالبًا باستجابة أكثر مرونة تراعي الظروف المعيشية الصعبة.

أما في محافظة شبوة (وسط) قلّص برنامج الغذاء العالمي عدد المديريات المستفيدة من تدخله في محافظة شبوة إلى تسع مديريات فقط، ما دفع المحافظ عوض ابن الوزير للتواصل مع البرنامج والمطالبة بشمول جميع المديريات في خطط الدعم القادمة، وشدد على ضرورة إعادة النظر في آلية التوزيع بما يحقق العدالة ويلبي احتياجات السكان.

معايير مثيرة للجدل

تعتمد المعايير الجديدة التي وضعها البرنامج للاستبعاد على منطق إحصائي بحت، حيث يُحرم المستفيد من المساعدة إذا انطبق عليه معيار واحد أو أكثر من معايير الاستبعاد، مثل: امتلاك أجهزة منزلية (غسالة، ثلاجة، شاشة). والعمل براتب “منتظم” في القطاع الخاص أو منظمة. وامتلاك منزل ملك أو سيارة أو محل تجاري.

في المقابل، لكي تُضاف أسرة جديدة، يجب أن تنطبق عليها شرطان على الأقل من شروط الاستهداف، مثل: وجود شخص من ذوي الإعاقة أو مريض مزمن، وجود أطفال دون الخامسة أو كبار فوق الستين، أن تكون ربة الأسرة أرملة/مطلقة/زوجها غائب، أن يكون رب الأسرة عاطلًا عن العمل أو يعمل عملاً غير ثابت، أو أن تكون الأسرة نازحة أو متضررة.

وقال نازحون ومواطنون في مأرب وتعز وعدن إن هذه المعايير غير منصفة ولا تراعي الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون عمومًا والنازحون خصوصًا، في ظل تأخر صرف الرواتب المتدنية أصلًا، وانهيار العملة المحلية، وغياب فرص العمل.

يقول عبدالباسط علي، وهو أحد النازحين في مأرب (شمال شرق)، إن برنامج الغذاء العالمي “تنصّل من مهمته الأساسية في دعم الفئات الأشد ضعفًا”، مضيفًا أن الوقت الحالي “يفرض إضافة النازحين الجدد مع استمرار موجات النزوح إلى مأرب”، داعيًا السلطة المحلية إلى القيام بدورها في إدراج الأسماء الجديدة ضمن قوائم المستفيدين.

وكانت تقارير للأمم المتحدة أشارت إلى استمرار موجات النزوح إلى محافظات مأرب وشبوة وتعز.

تتجاهل السياق اليمني

أما علي حمود الحجوري (وهو نازح في مأرب) اعتبر أن المعايير التي وضعها البرنامج “تعجيزية وغير منطقية”، متسائلًا” هل ينتظر الغذاء العالمي أن يرى الناس يمدّون أيديهم في الشوارع حتى يعتبرهم مستوفين للشروط؟

هذه المعايير، رغم أنها تهدف ظاهرياً لـ “توجيه المساعدات للأشد احتياجاً”، إلا أنها تتجاهل السياق اليمني لـ: قد تكون بعض الأسر قد باعت جزءاً من ممتلكاتها أو رواتبها لامتلاك “جهاز أساسي” قبل سنوات، وهي الآن تعيش حالة فقر مدقع.

أما الراتب “المنتظم” في القطاع الخاص والعام أصبح بلا قيمة حقيقية مع انهيار العملة، ولا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية. كما أن استبعاد مناطق كاملة مثل مديرية القاهرة بتعز بحجة “عدم ارتفاع مؤشرات الجوع” يتعارض مع واقع الاحتياج في المدن المكتظة بالنازحين والمتضررين من الحرب.

 

مراحل طويلة ومعقدة

للرد على الانتقادات نشر برنامج الغذاء دليل شامل وفيديوهات توضح آلية المسح وخطواته، تبدأ المرحل الأولى بتشكيل لجان مجتمعية تحت اشراف شركاء البرنامج المنفذين، ثم تأتي مرحلة جمع البيانات الأولية والتحقق من البيانات عبر طرف ثالث مستقل لضمان الدقة، وتسجيل الأسر المؤهلة بعد مطابقة المعايير، ثم إعداد القائمة النهائية للمستفيدين بالتعاون مع الشركاء المحليين.

ويقول البرنامج أن تسجيل الأسر الجديدة اثناء المسح الميداني لا يعني بالضرورة أنها أصبحت ضمن قوائم المستفيدين، بينما يشدد في اجراءات الاستبعاد ما يضع الكثير من الأسر المحتاجة مهددة بإسقاط اسماءها من كشوفات البرنامج

ويؤكد البرنامج أنه يتبع عملية شفافة يقودها المجتمع، ويولي أهمية لسرية البيانات، كما خصص خطًا ساخنًا مجانيًا لتلقي الشكاوى والاستفسارات من المواطنين.

يبقى السؤال أين الجهات المختصة في اعتماد معايير موحدة وتضمن استهداف الأسر المحتاجة واستبعاد الأسر التي لا يمكن أن يؤثر حرمانها من التدخل في مفاقمة وضعها الانساني، وفرض معايير تضع الألوية لمناطق النزوح والأشد فقرا، مع تشديد الرقابة على المنظمات الأممية بحيث توظف التمويلات الخارجية في البرامج الغذاء وتوقيف البرامج غير الاساسية.

 

The post “من يمتلك شاشة لا يجوع؟”.. برنامج الأغذية يثير الجدل بـ “الغذاء المشروط” في مناطق الحكومة اليمنية appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية