
سبتمبر نت/ مقال – نايف البكري – وزير الشباب والرياضة
في تاريخ الشعوب، تبقى الثورات علامات فارقة في مسيرة الكفاح من أجل الحرية والكرامة. ومن بين هذه العلامات الخالدة، تبرز ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 كحدثٍ مفصلي أنهى حقبة استعمارية امتدت لأكثر من قرن، وفتح الباب أمام فجر الاستقلال الوطني الذي طال انتظاره.
في مثل هذا الشهر من كل عام، يستعيد اليمنيون ذكرى تلك الثورة المجيدة التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشامخة، لتكتب أولى صفحات المجد في سجل التحرر الوطني.
إنها ليست مجرد ذكرى تمرّ في التقويم، بل محطة للتأمل والعبرة، وتجديد العهد مع الوطن والشهداء الذين صنعوا فجر الحرية بدمائهم.
تمرّ السنوات وتبقى ثورة أكتوبر حيّة في وجدان الأمة؛ ذكرى أولئك الذين آمنوا أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.
لقد علمتنا هذه الثورة أن الاستعمار مهما طال، فإن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن التضحية هي الطريق الوحيد إلى النصر.
من راجح بن غالب لبوزة إلى آخر فدائي، تظل العبرة خالدة: أن الكفاح لا يعرف المستحيل.
لم تكن ثورة أكتوبر مجرّد مواجهة للاستعمار البريطاني، بل كانت ثورة من أجل وطنٍ حرٍّ وكريم. كانت حلمًا بوطنٍ يُدار بإرادة أبنائه، لا من خلف البحار.
واليوم، رغم ما يعصف بالوطن من تحديات، يبقى الأمل متجدّدًا بأن يعود اليمن كما أراده شهداؤه: وطنًا للجميع، لا مكان فيه للفرقة أو التبعية.
الوفاء للشهداء لا يكون بالكلمات وحدها، بل بالفعل: أن نحفظ دماءهم، ونصون تضحياتهم، ونكمل المسيرة التي بدأوها، أن نعلّم أبناءنا أن الحرية ثمنها غالٍ، وأن من ضحّى لأجلها يستحق أن يُخلَّد في ذاكرة الوطن.
ثورة أكتوبر كانت بداية لا نهاية؛ والوطن اليوم بحاجة إلى ثورة من نوع آخر — ثورة في الفكر، في البناء، في الوعي، في التعايش والوئام، في تجاوز جراح الماضي نحو مستقبل يليق بتضحيات الأبطال، فلتكن الذكرى وقودًا للأمل، والعِبرة منارةً للطريق، والوطن هدفًا لا يُساوَم عليه.
وبعد مرور اثنين وستين عامًا على انطلاقتها، ما زالت ثورة أكتوبر تحتفظ ببريقها، وقد تجاوزت كونها حدثًا تاريخيًا لتغدو رمزًا حيًا يتجدّد مع كل جيل، لقد كانت لحظة فاصلة في تاريخ الوطن، حين انتزع الشعب حريته من استعمارٍ دام أكثر من 128 عامًا، لتغدو رمزًا خالدًا ومصدر فخرٍ واعتزازٍ دائم.
وكلما مرّ اليمنيون بتحدياتٍ سياسية أو اجتماعية، عادوا إلى روح أكتوبر يستلهمون منها القوة والإرادة، وكأنها تقول لهم:
“لقد انتصرنا من قبل… وسننتصر من جديد.”
فهي ليست مجرد ذكرى، بل طاقة متجددة، كلما اشتدّت الظلمة، أضاءت الطريق نحو الحرية والكرامة.
وهكذا، بعد أكثر من ستة عقود على اندلاعها، لا تزال جذوة ثورة الرابع عشر من أكتوبر متقدة في وجدان اليمنيين، تتوارثها الأجيال وتستمد منها العزة والإصرار.
لم تكن تلك الثورة حدثًا عابرًا، بل كانت وعدًا متجددًا بأن هذا الوطن لا ينكسر، وأن إرادة أبنائه أقوى من كل استعمارٍ أو استبداد، ولا تزال جبال ردفان تردد صدى أول طلقة، ولا تزال دماء الشهداء تنبت فينا الكبرياء والكرامة.
إن استحضار هذه الذكرى ليس مجرد وفاءٍ للتاريخ، بل هو تجديد للعهد، وغرس للأمل، وتأكيد أن الوطن سيظل حرًّا شامخًا كما أراده من ضحوا لأجله.
المجد للثوار، والخلود للشهداء، والنصر للوطن.