ولاء مشطور... تمرد مجندي القبائل على قوات الجيش والأمن الباكستاني
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
- قطع العشريني الباكستاني عامر خان أفريدي إجازته المرضية على عجل، بعد اتصال في صباح الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 2024 من رؤسائه في مركز شرطة مدينة بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا الباكستانية المتاخمة للحدود مع أفغانستان، وذهب مسرعا غير مدرك أنه يسابق الزمن نحو غياب طويل. حضر عامر برفقة شقيقه ثمين خان أفريدي، الذي انتظر بمحاذاة بوابة المركز راجياً عودته سريعاً. لكن دقائق الانتظار امتدت طويلا، حتى انفتحت البوابة الرئيسية فجأةً عن سيارة دفع رباعي بيضاء تابعة لجهاز الاستخبارات العسكري كانت تقل عامر ولم يُسمح لثمين بالسؤال عن مصيره ولم يتلق تفسيرا سوى الصمت. يقول ثمين أفريدي لـ"العربي الجديد": "بعد خمسة عشر يوما من اختطاف أخي، اتصلوا بي من مركز الشرطة ذاته وذهبت مع عدد من أبناء قبيلتي البشتون، هناك أخبرني أحد ضباط الاستخبارات بأن عامر اعترف أثناء التحقيق بارتباطه بحركة طالبان الباكستانية ومشاركته في أعمال إرهابية"، لكن أخي بريء، يستدرك قائلا:" ليس له أي علاقة بالحركة ولا بأي جماعة مسلحة". ويضيف بصوتٍ متألم: "منذ ذلك اليوم لا نعرف أين يُحتجز عامر الذي التحق بسلك الشرطة عام 2018. العديد من أقاربنا ينتمون إلى قبيلة البشتون، ومن الطبيعي أن يكون هناك تواصل بيننا، لكن ذلك لا يعني أننا نقف إلى جانب طالبان، حتى وإن كانت عناصرها من القبيلة ذاتها".   تمرد ورفض القتال ضد طالبان يعزو أفريدي استدعاء شقيقه إلى توالي حلقات مسلسل التمرد في صفوف الشرطة وسائر التشكيلات العسكرية في المنطقة، في ظاهرة تعود إلى عام 2004، إذ "رفض 500 ضابط وجندي القتال ضد حركة طالبان الباكستانية وألقوا أسلحتهم بعدما شنّ الجيش هجوماً من مواقع تمركزه في منطقة وآنا، جنوب وزيرستان (جبلية في شمال غربي باكستان)، بمشاركة وحدات قتالية مختلفة، وقوات كوماندوز، وفيلق الحدود (قوة شبه عسكرية)، وتشكيلات عسكرية أخرى"، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة Jamestown (مركز أبحاث أميركي)، في مارس/ آذار 2007، بعنوان "تمرد القوات يهدد عمليات باكستان في المناطق القبلية". بدأ التمرد بعد رفض 500 ضابط وجندي القتال ضد حركة طالبان الباكستانية لاحقا تصاعدت الظاهرة، إذ تمرد 600 ضابط وجندي من قوات الجيش والشرطة الباكستانية بين أعوام 2015 و2018، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد" مسؤول سابق في وزارة الداخلية الباكستانية عمل في قسم العمليات للقوات شبه العسكرية خلال الفترة من عام 2002 حتى عام 2019، مضيفا: "في نهاية عام 2021 ارتفعت وتيرة الاحتجاجات من قبل ضباط وأفراد في الشرطة والقوات شبه العسكرية العاملة على حفظ الأمن الداخلي والحدود"، ووصلت حالات التمرد لذروتها في سبتمبر/ أيلول 2024، باحتجاج نفذه 100 ضابط وجندي من تلك التشكيلات العسكرية في منطقة بنو، جنوب غربي إقليم خيبربختونخوا، إذ أغلقوا الطرق الرئيسية وطالبوا الجيش بالخروج من المنطقة، معتبرين وجوده سببا في تدهور الوضع الأمني، بحسب إفادة ضابط الشرطة المتقاعد مرتضى خان مهمند، الذي عمل حتى عام 2019 في مقاطعة بمحاذاة الحدود الأفغانية، مشيرا إلى فصل جميع الضباط والأفراد من وظائفهم. وعقب يومين من الاعتقال أُطلق سراح 88 منهم بعد تدخل وتعهدات قبلية بعدم تكرار الاحتجاجات أو العمل على تقويض الأمن أو الإضرار بالجيش والمؤسسة العسكرية، حسبما يقول الزعيم القبلي في منطقة بنو، حبيب الرحمان ختك لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى الإبقاء على 12 جندياً وضابطاً في الحجز، منهم جمشيد خان، المتهم بقيادة الاحتجاجات، واتهموا بالتحريض ضد الجيش وحكومة بلادهم.   تغلغل الإرهاب في ثكنات الجيش في 29 يناير/كانون الثاني 2023، وقع انفجار إرهابي داخل مسجد في حرم مجمع بوليس لاينز في مدينة بيشاور، شديد التحصين، وراح ضحيته 101 شخص، بينهم 83 من عناصر الشرطة والضباط و18 موظفا مدنيا، وجرح نحو 250 آخرين، حسب ما ذكره أختر حيات خان كندابور، المفتش العام السابق للشرطة في إقليم خيبر بختونخوا، ومراقب الشرطة حاليا، قائلاً: "هذا الحادث أثار تساؤلات حول أداء أجهزة الأمن، وخاصة حول الكيفية التي دخل بها الانتحاري، والطريقة التي أدخل بها كماً هائلاً من المتفجرات إلى المجمع". بعد بحث عميق، توصلت التحقيقات في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 إلى أن عنصراً من الشرطة يدعى محمد ولي، كان قد انضم إلى جهاز الشرطة في عام 2019، تورط بشكل مباشر في الترتيب والتخطيط لعملية التفجير، وهو الذي زوّد الانتحاري بخريطة للمجمع وساعده قي دخول الموقع بزي عسكري، حسب كندابور، موضحاً في تصريحات صحافية، أن ولي الذي اعتقل وسط مدينة بيشاور، اعترف بأنه فعل ذلك بدافع الانتقام من سياسات الجيش تجاه أهالي منطقته القبلية، كما اعترف بالمساهمة في أعمال إرهابية أخرى، ولفت إلى أن أجهزة أمن الدولة تعمل على التفتيش الداخلي وتراقب الأوضاع الداخلية للشرطة عن كثب، خشية وقوع حوادث مشابهة. وفي 16 يناير 2025 مثُل ولي، الذي كان يعيش في منطقة مهمند، أمام القاضي في محكمة مكافحة الإرهاب بمدينة بيشاور، ليمدد سجنه، وفق الضابط المتقاعد مهمند، الذي قال: "تبين أن ولي انضم إلى جماعة الأحرارالمنشقة عن طالبان الباكستانية، في بداية عام 2021".   المظلومية القبلية تعزو مصادر التحقيق أسباب تمرد المجندين من أبناء القبائل على الجيش إلى ظهور حركات بشتونية، مثل جماعة الأحرار المسلحة وحركة حماية البشتون المدنية المحظورة حكوميا، التي أثارت روح المعارضة داخل القبائل لتتصادم مع الجيش والمؤسسة الأمنية، ورسخت في أذهانهم فكرة تحكم وسيطرة أبناء إقليم البنجاب في تلك المؤسسات، علاوة على الدعوة إلى إعلاء الحقوق العرقية، وهو ما يتبدى في تشكيل خطاب قبلي موحد ضد الجيش. علاوة على ذلك، زاد وصول حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان منسوب الأمل لدى أبناء القبائل، التي تتوزع بين البلدين الجارين، في إمكانية لحاق حركة طالبان الباكستانية بها وحكم بلادها، كما صارت الحدود مفتوحة والزيارات متبادلة والمقارنات فاعلة وقائمة بين وضع كل منهما، بحسب الضابط المتقاعد مهمند، الذي يقول: "تعتقد القبائل التي يوجد بعض من أبنائها في المؤسسات الأمنية، أن طالبان الباكستانية هي الطريق الوحيد للحصول على حقوقهم التي حرموا منها، جراء التهميش البادي في تردي قطاعات التعليم والرعاية الصحية، الأمر الذي ولّد الغضب في قلوب أبناء القبائل إزاء إقليم البنجاب، الذي يعتبرونه المسيطر على البلاد وعلى المؤسسات الرئيسية في الدولة"، مضيفاً أن القبائل البشتونية تتماسك لدى التصدي لعدو خارجي، فقد وقفت ضد الإنكليز والروس وأخيراً القوات الأجنبية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، لكن داخلياً تفور الانقسامات، إذ يشعر ضباط الجيش والشرطة من أبناء قبائل البشتون بالاستياء مما تقوم به القوات المسلحة في منطقة القبائل. يتمرد ضباط من أبناء قبائل البشتون انتقاماً من أفعال الجيش في مناطقهم بالمحصلة نمت ظاهرة، رفض عناصر في الجيش والشرطة القتال ضد طالبان الباكستانية، كما يقول الزعيم في قبيلة شينواري في مقاطعة خيبر باز محمد شينواري، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "ضابط من أقاربي في الجيش (لا يريد ذكر اسمه حتى لا يعرضه للمساءلة) عبّر لي عن نيته عدم إطلاق النار على طالبان، لأنهم أهله ولم يرتكبوا أي خطأ، ولا بد أن تنتهي هذه الأحداث، ودائماً سيظل هؤلاء لحمنا ودمنا".   نزيف لا يتوقف في مشهد يعيد إلى الواجهة توتر العلاقة بين القبائل البشتونية والمؤسسة العسكرية في باكستان، أوقفت قيادة شرطة مقاطعة أوركزاي، شمال غربي البلاد، في 21 يوليو/ تموز الماضي، 42 ضابطا وفردا، بحسب القرار الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، ويقول الزعيم القبلي نصيب الله خان أوركزاي إن سببه يعود إلى رفضهم القتال ضد مسلحين من حركة طالبان هاجموا نقطتين أمنيتين في منطقة غونده ميله الجبلية بالمقاطعة. ولم يقتصر الرفض على عناصر الشرطة، إذ أكد العميد المتقاعد شفاعت علي خان، الذي خدم في فيلق مدينة بيشاور حتى تقاعده عام 2015، أن عددا من كبار الضباط في الجيش رفضوا المشاركة في العمليات العسكرية الجارية في مقاطعة باجور الحدودية مع ولاية كنر، شرقي أفغانستان، وهي منطقة تقطنها قبائل يوسفزي وماموند وأتمانزاي البشتونية. وهو ما يصفه الباحث محمد فياض أتمانزاي، الحاصل على شهادة ماجستير في التاريخ، بـ"خرق" مستمر لاتفاق أُبرم بين القبائل والجيش عام 2001، التزمت بموجبه المؤسسة العسكرية بعدم التدخل في شؤون القبائل وفق بنود قانون موروث من الحقبة الاستعمارية البريطانية يسمى بالجرائم الحدودية (FCR - Regulation on Frontier Crimes) ويعود إلى عام 1901، ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "القبائل التي تحتكم إلى أعرافها الخاصة وتتمتع باستقلالية واسعة، فشل الاستعمار البريطاني في إخضاعها، وهو ما لا يزال ينعكس حتى اليوم في علاقتها المعقدة مع الدولة". ما أكد مخاوف القبائل أن الجيش بعد عام من الاتفاق دخل إلى منطقة القبائل وجعلها أثرا بعد عين، وهو ما استفادت منه طالبان الباكستانية لتؤجج الصراع في المنطقة، يقول أتمانزاي، مشيرا إلى أن الحكومة المركزية همشت مناطق القبائل، شمال غربي البلاد، الأمر الذي أدى في المحصلة إلى صراعات مدمرة للنسيج الاجتماعي، فالجيش يتعامل مع كل القبائل وكأنها حركة طالبان الباكستانية التي تستهدف قواته. ومع ذلك لا يمكن أن يقضي العمل العسكري على المسلحين بحكم امتدادهم القبلي في عمق الأراضي الأفغانية المتاخمة للحدود الباكستانية، يضيف أتمانزاي: "سيظل تمرد المجندين من أبناء القبائل مستمرا لأن أسبابه تذكيها أفعال الجيش".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية