
عربي
كشف تقرير لصحيفة "بيلد" الألمانية، أمس الأحد، استناداً إلى بيانات من وفد الاقتصاد الألماني في روسيا، أن حوالي 1400 شركة ألمانية لا تزال تواصل أنشطتها التجارية وتحقق أرباحاً في السوق الروسية، في وقت تشهد فيه العلاقات الدولية توتراً متزايداً بسبب الأزمة الأوكرانية. ووفقاً للتقرير، فإن العديد من هذه الشركات تبرر قرار البقاء بالشعور بالمسؤولية الاجتماعية تجاه موظفيها المحليين وعائلاتهم الذين عملوا معها سنوات طويلة. فعلى سبيل المثال، ذكرت شركة "هوشلاند" لإنتاج الجبن أن استمرارها في السوق الروسية مرتبط بمسؤوليتها تجاه 1800 موظف وعائلاتهم وشركائها في البلاد.
وفي السياق نفسه، أكدت شركة "بايرسدورف" المنتجة لماركات العناية بالبشرة الشهيرة مثل نيفيا ويوسيرين أن قرار تقليص أنشطتها لم يصل إلى حد الانسحاب الكامل، مشيرة إلى أن استمرار العمل يسهم في ضمان التوريدات ويحفظ حقوق العاملين، حيث سجلت روسيا 1.5% من إجمالي مبيعاتها العالمية خلال العام الماضي. كما أشارت مجموعة "مترو" للبيع بالجملة، التي تدير 91 فرعاً في روسيا، إلى أن مسؤوليتها تجاه 8 آلاف موظف تتصدر أولوياتها، إلى جانب الأهمية الاستراتيجية للأعمال الروسية ضمن محفظتها الاستثمارية، التي حققت إيرادات تجاوزت 2.4 مليار يورو في السنة المالية 2023/2024.
واتجهت شركات القطاع الصحي نحو تضييق نطاق عملها في روسيا، إذ أوضحت شركة "بي. براون" للمعدات الطبية أن أنشطتها تتركز حصرياً على تقديم الخدمات الصحية الأساسية للمدنيين والمرضى المصابين بأمراض مزمنة. من جانبها، قالت أناستاسيا إيفانوفا، الباحثة في الشأن الروسي، لـ"العربي الجديد": "استمرار هذا العدد من الشركات الألمانية في السوق الروسية مؤشر بالغ الأهمية على عدة مستويات. فعلى المستوى الاقتصادي، يؤكد أن التكلفة المرتفعة للانسحاب الكامل، بما في ذلك الخسائر المالية والتخلي عن أصول واستثمارات ضخمة، تفوق في كثير من الحالات الضغوط السياسية".
وأضافت إيفانوفا: "على المستوى السياسي، يرسل هذا الاستمرار رسالة ضمنية من برلين ومجتمع الأعمال الأوروبي مفادها أن فصل الاقتصاد عن السياسة لا يزال ممكناً إلى حد ما، أو على الأقل أن عملية الانفصال الاقتصادي عن روسيا ستكون طويلة ومعقدة ومكلفة للطرفين". وأوضحت الباحثة أن "الشركات الغربية تبرز ذريعة المسؤولية الاجتماعية واجهةً أخلاقيةً مقبولةً دولياً تسمح لها بتحييد جزء من النقد الموجَّه لها، لكن الجوهر هو أن العديد من هذه الشركات، خصوصاً في القطاعات غير الخاضعة للعقوبات المباشرة مثل السلع الاستهلاكية والمنتجات الطبية، تدرك أن الانسحاب يعني التخلي عن حصتها السوقية لمنافسين من دول آسيوية أو محليين، بشكل قد يكون غير قابل للاسترداد في المستقبل".
ويأتي هذا في وقت أعلنت فيه العديد من الشركات الغربية الأخرى عن انسحابها من السوق الروسية. فقد أظهرت إحصائيات لشركة "كبت" للتدقيق والاستشارات أنه مع نهاية عام 2024، غادرت حوالي 62% من الشركات الغربية السوق الروسية. وفي وقت لاحق، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً أن بلاده ليست ضد عودة تلك الشركات إلى السوق الروسية، لكنه استبعد تقديم أي امتيازات خاصة لها. وفي السياق نفسه، أشار المتحدث الرئاسي دميتري بيسكوف إلى أن شركات من دول أخرى استفادت من الفراغ الذي تركته الشركات الغربية المنسحبة، معرباً في الوقت نفسه عن اهتمام موسكو بعودة الشركات التي غادرت.
