
عربي
رغم التواصل الفلسطيني الرسمي مع الحكومة الصينية للمطالبة بوقف أنشطتها الاقتصادية داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ورغم إعلانات الصين دعمها حلّ الدولتَين، وانتقادها العلني الاستيطان، ومطالبتها بوقفه أو تجميده، ورغم ادّعائها أنها تقدّم بديلاً "أكثر إنسانية" من الغرب في التعامل مع قضايا العالم الجنوبي، وخصوصاً في فلسطين، وأن سياستها الخارجية تقوم على "الاحترام والمنفعة المتبادلة"، إلّا أن الوقائع في فلسطين تشير إلى عكس ذلك. فحتّى مع تزايد الحملات الدولية المناهضة للاستيطان، التي دفعت سبع شركات كبرى غربية إلى سحب أنشطتها من المستوطنات، وفرض دول كثيرة عقوبات على مجموعات استيطانية، لا تزال الصين عبر شركاتها الحكومية والخاصة شريكاً اقتصادياً في مشاريع استيطانية، ما يجعلها في قائمة الدول المتواطئة في شرعنة هذا الواقع غير القانوني، وتعزيز التوسّع الصهيوني في فلسطين.
وقد أضافت الأمم المتحدة أخيراً 68 شركة جديدة إلى قائمتها السوداء، تمثّل 11 دولة، اتُهمت بالتواطؤ في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني من خلال علاقاتها التجارية مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. من هذه الشركات اثنتان صينيّتان، خاصّة ومملوكة للدولة، ما يضع الصين في موقع متقدّم ضمن الدول المتورّطة في دعم الاقتصاد الاستيطاني. تضمّ هذه القائمة، المعروفة رسمياً باسم "قاعدة بيانات الشركات" 158 شركة، الغالبية العظمى منها إسرائيلية، إلى جانب شركات أخرى من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال وهولندا ولوكسمبورغ. مقارنة بالتقرير الصادر في عام 2023، فقد حافظت الولايات المتحدة على عدد الشركات المنخرطة نفسه وهو ستّ شركات، وكذلك فرنسا بثلاث شركات لم يطرأ عليها أيُّ تغيير، في حين أضافت إسبانيا أربع شركات ليصبح مجموعها خمساً، وأضيفت واحدة لكلّ من البرتغال وكندا. أمّا النرويج، فاحتفظت بثلاث شركات كما في التقرير السابق. في المقابل، خفّضت دولٌ من وجودها في القائمة، مثل تايلاند، التي كانت ممثلة سابقاً بشركة، ولم تعد اليوم مدرجة في القائمة. أمّا الصين، فذُكرت في تقرير سابق نشر في يونيو/ حزيران الماضي، وأضيفت شركة صينية أخرى في التقرير الحديث.
رغم إعلان الصين دعمها حلّ الدولتين، إلا أن سلوكها العملي في فلسطين يكشف انخراطاً اقتصادياً مباشراً في شرعنة الاستيطان الإسرائيلي
مشاركة في شرعنة الاستيطان
يلفت النظر أنّ هذه التطوّرات تأتي في ظلّ حرب الإبادة المستمرّة، التي دفعت دولاً ومؤسّسات مجتمع مدني عديدة، سيّما الغربية منها، إلى إطلاق حملات ضخمة لمقاطعة أشكال التعاون مع المشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل فرضت بعض الحكومات، وفي مقدمها الولايات المتحدة، عقوبات مباشرة على مجموعات استيطانية محدّدة. ويجعل هذا التفاعل الدولي الواسع استمرار الصين في هذه الشراكات مدعاة للتساؤل، خصوصاً أن ظهورها في تقارير الأمم المتحدة ليس جديداً. وقد أشار تقرير يونيو إلى الشركة الصينية المملوكة للدولة برايت فود، التي استحوذت على شركة تنوفا، وجاء في التقرير: "شركة تنوفا، أكبر تكتّل غذائي في إسرائيل، والمملوكة حالياً بحصّة الأغلبية لشركة برايت فود (مجموعة) الصينية المحدودة، ساهمت في تهجير الأراضي واستفادت منه". مقتبسة من رئيس مجلس إدارة تنوفا قوله: "الزراعة... عموماً، ومزارع الألبان خصوصاً، مورد استراتيجي وركيزة أساسية في المشروع الاستيطاني"، أي أنّ "تنوفا" مشروع استيطاني بحت، وأضاف التقرير: "استخدمت إسرائيل الكيبوتسات والنقاط الزراعية الاستيطانية وسائل للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإحلال المستوطنين محلّ السكان الأصليين. وتُسهم شركات مثل تنوفا في هذا المسار من خلال اعتمادها على منتجاتٍ مصدرها هذه المستعمرات، ثم استغلالها للسوق الفلسطينية الأسيرة لتعزيز هيمنتها التجارية".
وقد ارتفعت تبعية الفلسطينيين لصناعة الألبان الإسرائيلية بنسبة 160% خلال العقد الذي تلا الدمار الذي ألحقته إسرائيل بصناعة الألبان في غزّة عام 2014، وهو دمار قدّرت خسائره بنحو 43 مليون دولار، وقد استفادت "تنوفا" من هذا الفراغ التجاري الناتج من تدمير السوق الغزّية، من دون أن تستخدم نفوذها الاقتصادي الواسع للضغط أو التأثير في مسار الأوضاع القائمة. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، إذ ذكرت تقارير إخبارية في عام 2021 أن "تنوفا" التي أصبحت بغالبيتها مملوكة للدولة الصينية، حصلت على مناقصة لبناء 22 طريقاً لربط مستوطنات "ماتيه يهودا" في القدس بما تُعرف بـ "المدن الإسرائيلية"، في مؤشر واضح على انخراط الصين دولةً في مشاريع بنى تحتية تدعم الوجود الاستيطاني وتعزّزه، وهذا يعني فعليّاً أن بكين تساهم في شرعنة الاستيطان الإسرائيلي وتثبيت وجوده في الأرض.
الشركة الثانية التي ورد ذكرها في التقرير الأممي الحديث "أهافا"، المختصّة في مستحضرات التجميل، وتعمل من داخل مستوطنات الأغوار. وقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن أصدرت تقارير عن هذه الشركة منذ عام 2009، كما أطلقت منظّمات دولية من فرنسا وهولندا، وفي مقدمها حركة المقاطعة (BDS)، حملةً ضدّ التعامل معها تحت عنوان "الجمال المسروق". ورغم ذلك، استحوذت شركة فيوجن إنترناشينال (Fosun International Ltd) الصينية عليها عام 2016، ما يبرز استمرار الانخراط الصيني في السوق الاستيطانية، خصوصاً أن هذه الشراكات بدأت فعلياً من شركات حكومية منذ عام 2014، وتوسعت تدريجياً لتشمل شركات خاصة أيضاً.
حين تشارك الصين في بناء الطرق التي تربط المستوطنات الإسرائيلية بالمدن المحتلة، فهي لا تبني طرقاً، بل تُعبّد مساراً جديداً للتواطؤ الدولي
في تقرير سابق للأمم المتحدة، صدر عام 2024، ورد تأكيد واضح أنّ جميع الدول مُلزمة قانوناً بعدم تقديم أيّ مساعدة أو دعم من شأنه أن يُبقي (أو يُعزّز) الوضع الناشئ عن الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة. وأشار التقرير صراحةً إلى مسؤولية الدول في احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والعمل على إزالة أيّ عقبة تعيق ممارسة الشعب الفلسطيني حقّه في تقرير المصير، وكذلك ضمان امتثال إسرائيل لأحكام القانون الإنساني الدولي، كما نصّت عليه اتفاقيات جنيف، وشدّد التقرير أيضاً على وجوب أن تميّز الدول، في جميع تعاملاتها، بين أراضي إسرائيل المعترف بها دولياً، والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، باعتبار أن التعامل غير المُميّز يُعد خرقاً للشرعية الدولية.
ويشمل هذا التمييز، بحسب التقرير، الامتناع عن أي علاقاتٍ تعاهديةٍ مع إسرائيل حين تدّعي تمثيلها الأراضي المحتلة، والامتناع عن الدخول في معاملاتٍ اقتصادية أو تجارية من شأنها أن تُرسّخ الوجود الإسرائيلي غير القانوني في هذه الأراضي، أو تطبّعه، بل ويفرض على الدول اتخاذ خطوات فعّالة لمنع أيّ علاقات استثمارية أو تجارية تساهم في الحفاظ على الوضع غير القانوني القائم. وبالنظر إلى هذا الإطار القانوني، فإنّ سلوك الصين الرسمي، الذي لا يُظهِر أي تمييز واضح بين إسرائيل دولةً والأراضي الفلسطينية المحتلة في علاقاتها الاقتصادية والتجارية، يمثل خرقاً مباشراً لواجباتها الدولية. تتعامل الصين، عبر شركاتها الحكومية والخاصّة، مع المستوطنات كما تتعامل مع تل أبيب أو حيفا، من دون اعتبار لمبدأ التمييز أو لخطورة التطبيع الاقتصادي مع واقع استعماري. وبهذا المعنى؛ أصبحت فلسطين بأكملها، بما فيها الأراضي المحتلة، في نظر الصين مجالاً مفتوحاً للاستثمار والتعاون التجاري، ما يُرتب على بكين مسؤولية قانونية دولية، والتي ترقى، وفقاً للمعايير الأممية، إلى مستوى المساءلة والمطالبة القانونية.
شراكة أم استعادة استعمارية؟
عقدت الشركات الصينية الحكومية شراكات مع مؤسّسات إسرائيلية تعمل من داخل المستوطنات، وأنشطة الأخيرة وثّقتها تقارير الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيّما أخيراً. من أبرز هذه المؤسّسات بنك لئومي الذي ورد اسمه في أغلب التقارير الأممية بسبب تورّطه الواضح في تمويل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس والجولان المحتل. في البحث عن علاقات الصين مع هذه الشركات، فقد أبرمت شركات صينية كبرى، منها بنك الصين Bank of China وChina Resources، اتفاقات مالية وتعاونات مشتركة مع بنك لئومي لدعم مشاريع إسرائيلية داخل الصين، ولتمويل استثمارات داخل إسرائيل، بل افتُتح فرع تمثيلي لبنك لئومي في مدينة شنغهاي عام 2013، في دلالة واضحة على عمق التعاون المالي بين الجانبَين.
ويُعد بنك لئومي من أبرز أدوات التمويل التي ساهمت تاريخياً في تمويل نشأة إسرائيل ودعم الجماعات الصهيونية. ويقوم البنك اليوم في تمويل مشاريع توسّع الاستيطان، وتقديم قروض للمجالس الإقليمية الاستيطانية، وافتتاح فروع له داخل مستوطنات مثل كريات أربع ومعاليه أدوميم وموديعين عيليت، إضافة إلى مشاركته في مشاريع إنشاء بنية تحتية في مستوطنة ألفي منشية. وقد وثّقت "هيومن رايتس ووتش" هذه الأنشطة في تقرير موسّع، أكّدت فيه أنّ البنك يمارس دوراً محورياً في ترسيخ الوجود الاستيطاني من خلال أدوات مالية مدروسة.
لا تقتصر العلاقة بين الصين وبنك لئومي على المعاملات الحديثة، بل تمتدّ جذورها إلى بدايات القرن العشرين، حين تأسّس البنك الأنجلوفلسطيني (Anglo-Palestine Bank) بوصفه الذراع المالية للصندوق الاستعماري اليهودي (Jewish Colonial Trust - JCT)، الذي أنشئ عام 1898 لتمويل المشروع الصهيوني في فلسطين عبر تعبئة الاستثمارات اليهودية العالمية. وفي عام 1903، شرع الصندوق في توزيع 250 ألف سهم بسعر جنيه إسترليني للسهم الواحد، وسجل يهود الصين، وتحديداً في شنغهاي، مشاركةً لافتةً بشراء ما مجموعه ألفا سهم، أي ما يعادل 0.8% من إجمالي الأسهم المطروحة عالمياً، وهي نسبة مرتفعة نسبياً إذا ما قورنت بدول أخرى مثل أستراليا التي اشترت 305 أسهم، أو كندا التي استحوذت على 3.521 سهماً. وما يلفت الانتباه أن 97.5% من الأسهم الصينية جرى شراؤها من يهود شنغهاي، فيما جاءت الحصّة المتبقّية من يهود هونغ كونغ وهاربن، وبلغ عدد الأفراد المشاركين في عملية الشراء داخل الصين 134 شخصاً، معظمهم من عائلات ثرية ذات أصول عراقية وأوروبية.
عدم تمييز الصين بين إسرائيل "دولةً" والأراضي الفلسطينية المحتلة خرق لواجباتها الدولية
وفي ضوء هذا التاريخ، لا يمكن أن تقرأ إعادة فتح بنك لئومي فرعاً جديداً في مدينة شنغهاي، المدينة التي شهدت انطلاقته الأولى مؤسّسةً استثماريةً استعماريةً، قراراً مالياً محضاً، بل يفتح تساؤلات كبيرة حول استمرار الإرث الاستيطاني في إطار تعاون اقتصادي مع الصين، ويثير جدلاً حول رمزية استعادة هذا الموقع تحديداً، وكأننا أمام تدوير لتاريخ استعماري قديم تُعيد الصين احتضانه من موقع الشريك. يعمّق هذا من التناقض بين الخطاب الرسمي الصيني الذي يروّج دعم "الحقوق الفلسطينية" والوقائع التي تُظهر انخراطاً مؤسّسياً في دعم أدوات الاستيطان مالياً وتاريخياً، من دون حرج أو مراجعة.
تضع هذه الوقائع الرواية الصينية المعاصرة عن "دعم الشعب الصيني لليهود" تحت المجهر. ففي مقال نشره في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في صحيفة إسرائيل هيوم بعنوان "من تاريخ مشترك إلى مستقبل مشترك"، في ذكرى انتصار الصين على اليابان، قدّم السفير الصيني في إسرائيل، شياو جيون تشنغ، الدعم بوصفه فعلَ تضامن إنساني، مؤطّراً استقبال اللاجئين اليهود في شنغهاي، وغيرها من المدن الصينية، دليلاً على "روابط دعم متبادل وتاريخ مشترك". ويتجاهل هذا الخطاب المكرّر عمداً طبيعة النشاط اليهودي في الصين آنذاك، الذي لم يكن محصوراً في الهروب من الاضطهاد، بل كانت تقوده منظّمات صهيونية فاعلة تستثمر وجودها لتعزيز المشروع الاستيطاني في فلسطين.
حين تُبرز الصين "الشيوعية" اليوم في خطابها الرسمي ما تسميه "الدعم التاريخي الذي قدّمته الصين لليهود" قبل مرحلة ماو تسي تونغ، لا تستحضر وقائع إنسانية فحسب، بل تُعيد إنتاج سردية مشحونة سياسياً تتجاهل السياق الاستعماري لتلك المرحلة.
فالوجود اليهودي في الصين، وتحديداً في شنغهاي وهاربين، لم يكن محصوراً في لجوء جماعي هارب من الاضطهاد النازي، وله طابع إنسانيّ محض، بل كان نشطاً سياسياً مرتبطاً بحركات صهيونية منظّمة كرّست جهودها لتعزيز مشروع استعمار فلسطين وتنفيذ وعد بلفور. مارست هذه الجماعات الصهيونية تمويلاً ودعايةً وتعبئةً سياسيةً، وشاركت في مؤسّسات مالية أسهمت لاحقاً في تشكيل بنية الكيان الاستيطاني، كالمساهمة في تأسيس الصندوق الاستعماري اليهودي (JCT) والبنك الأنجلوفلسطيني، شريك الصين اليوم، لئومي. وبالتالي؛ فإنّ ما يُروّج اليوم "دعماً تاريخياً" يُعدّ في جوهره رعايةً مبكّرةً لصيغة من الاستعمار الاستيطاني، لا مجرّد تضامن إنساني. والأخطر أن الاستدعاء الانتقائيّ لهذه الذاكرة من الصين الحالية، التي بُني خطابها الرسمي على مناهضة الاستعمار ودعم حقّ تقرير المصير، يُشير إلى قبول سردي بالسياسات الاستعمارية التي سُوّغت آنذاك باسم الإنسانية من الحكومة الصينية، بينما كانت عملياً متواطئةً مع وعد بلفور ومشروع تفريغ فلسطين من سكّانها الأصليين. إعادة فتح فرع بنك لئومي في شنغهاي، بعد ما يزيد على قرن من ارتباط المدينة نفسها بتأسيس هذا البنك الاستعماري، لا تبدو مجرّد مصادفة اقتصادية، بل تحيل على لحظةٍ رمزية يُعاد فيها تدوير التاريخ، لا لنقده، بل لاستعادته وتثبيته مسارَ تعاون طبيعي، في وقت تغيب فيه أيُّ مساءلة حول ما إذا كانت الصين، بهذا التماهي، تتحوّل من شريك اقتصادي إلى شريك في شرعنة استعمار مستمرّ.
خاتمة
نهج الصين العملي، عبر شركاتها الحكومية التي تنخرط بحرية في مشاريع استيطانية من دون أي قيود قانونية أو سياسية، يُشير بوضوح إلى أن الصين، دولةً ونظاماً سياسياً، لم تعد طرفاً محايداً أو داعماً لفلسطين كما تدّعي، بل أصبحت شريكاً مادّياً في المشروع الصهيوني في فلسطين، ومانحاً لشرعية اقتصادية وواقعية للاستيطان. لا يمكن النظر إلى الصين حالةً مغايرةً عن بقية الدول التي وردت أسماؤها في تقارير الأمم المتحدة، وفي مقدّمها الولايات المتحدة؛ لأنّ سلوكها الفعلي يضعها في الصفّ ذاته من حيث المشاركة في خلق بنية استيطانية مستدامة. والاستيطان، في سياق اللحظة الفلسطينية الحالية، ليس مجرّد تفصيل ثانوي، بل هو جوهر الصراع. من هنا، يبرز السؤال: ما هو نوع الدعم الذي تقدّمه الصين إلى الفلسطينيين؟
الصين شريك اقتصادي في مشاريع استيطانية، ما يجعلها متواطئةً في شرعنة الواقع غير القانوني
إذا كان الحديث عن دعم مادي، فإنّ أوروبا، وهي مهد الصهيونية، تقدم منحاً للسلطة الفلسطينية. والولايات المتحدة، رغم أنها الحليف الأول لإسرائيل، تبقى المموّل الأكبر للسلطة منذ تأسيسها. وإذا كان دعمها يتجلّى في إرسال طرود غذائية لغزّة، فقد قدّمت دول غربية منخرطة عسكرياً في الإبادة أضعاف ذلك. وإن كان الحديث عن استخدام حقّ النقض (فيتو) في مجلس الأمن، فيقول فيرديخا إرنستو، الأستاذ المشارك في دراسات السلام والسياسة العالمية في معهد كروك لدراسات السلام الدولية، التابع لكلية كيو للشؤون العالمية، إنّ نمط الفيتو لكلّ من الصين وروسيا والولايات المتحدة خلال الإبادة "أضعف فعلياً قدرةَ الأمم المتحدة على معالجة حالات الفظائع الجسيمة التي يمسّ فيها ذلك مصالحها، نظراً لتواطؤها في قضايا مشابهة". وإذا كان الدليل على دعمها يتمثّل في "الشارع الصيني" أو "المدرسة الصينية" في رام الله، فذلك لا يتجاوز حدود السذاجة التي يروّج لها بعض المنتفعين، وتستخدم غطاءً لتبرير تجاهل الصين لمجمل الجرائم في الأرض.
في هذا السياق، تتّضح الصورة على نحوٍ لا لبس فيه: الصين ليست متواطئة فحسب، بل تُعيد إنتاج استعمار جديد في فلسطين، بشراكات اقتصادية. أحد موظفي منظمّة التحرير تواصل معي هاتفياً غاضباً مشحوناً سائلاً: "هل انتهت هجمتك على الصين؟"، وكأنّ كشف الحقائق تحوّل هجوماً. هذا النوع من الخطاب هو الأكثر ابتذالاً وسط حرب إبادة مفتوحة، إذ كيف يمكن لأيّ فلسطيني أن يقبل بالصمت أمام من يشارك في بناء المستوطنات؟... ختم كلامه قائلاً: "ليش بس الصين؟ في كثير دول بتستثمر في المستوطنات"، وكأنّ تعميم الجريمة يُسقط المسؤولية عنها... عادي؟
وأخيراً، إذا كانت الصين اليوم تحتفي بما تسمّيه "دعمها التاريخي اليهود" في شنغهاي وهاربين، فعليها إذاً أن تتحمّل مسؤولية هذا التاريخ، لا أن تستخدمه وسيلةً دعائيةً، إذ إنّ النشاط اليهودي في أراضيها حينها لم يكن نشاطاً إنسانياً عابراً، بل كان نشاطاً سياسياً صهيونياً، منظّماً ومركّزاً في التمهيد لاستعمار فلسطين.
المراجع
United Nations Human Rights Council, Database of all business enterprises involved in the activities detailed in paragraph 96 of the report of the independent international fact-finding mission to investigate the implications of the Israeli settlements on the civil, political, economic, social and cultural rights of the Palestinian people throughout the Occupied Palestinian Territory, including East Jerusalem, U.N. Doc. A/HRC/60/19, September 26, 2025. https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/hrbodies/hrcouncil/sessions-regular/session60/advance-version/a-hrc-60-19-aev.pdf.
United Nations Human Rights Council, Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967, Francesca Albanese, June 30, 2025. https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/hrbodies/hrcouncil/sessions-regular/session59/advance-version/a-hrc-59-23-aev.pdf.
United Nations Human Rights Council, OHCHR update of database of all business enterprises involved in the activities detailed in paragraph 96 of the report of the independent international factfinding mission to investigate the implications of the Israeli settlements on the civil, political, economic, social and cultural rights of the Palestinian people throughout the Occupied Palestinian Territory, including East Jerusalem, June 30, 2023. https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/hrbodies/hrcouncil/sessions-regular/session31/database-hrc3136/23-06-30-Update-israeli-settlement-opt-database-hrc3136.pdf.
H.E. Xiao Junzheng, “From a shared history to a common future,” Israel Hayom, October 1, 2025. https://www.israelhayom.com/opinions/from-a-shared-history-to-a-common-future/.
Yossi Katz (2010) The Jews of China and their Contribution to the
Establishment of the Jewish National Home in Palestine in the First Half of the Twentieth
Century, Middle Eastern Studies, 46:4, 543-554, DOI: 10.1080/00263206.2010.492988.
